تشترى مقبرة .. مدافن ترد الروح .. شرحة جدا بحرى قبلى .. عدد 2 عين والسعر 350 ألف جنيه فقط للجادين الأماكن متوافرة فى البساتين وترب الغفير وطريق السويس وأكتوبر والقاهرة الجديدة … النهاردة الحوش يساوى الشىء الفلانى.. حوش قديم من زمان كبير جدا..عشر عيون.. يصل إلى أكثر من مليونى جنيه.. ماهذا الجنون؟ مضاربات وأسعار خرافية.. حتى أسعار وزارة الإسكان والمحافظة مبالغ فيها كثيرا .. كلما ذهبت إلى المدافن لوداع عزيز انتابتنى حالة من الأسى الشديد ..إنها خرابات وليست مقابر. رأيت أخيرا مقبرة البطل عبد المنعم رياض وماحولها من أحواش تتحول إلى مستعمرة للكلاب الضالة والقمامة والخردة ناهيك عن جماعات المدمنين الذين يتخدونها مخابئ بعيدة عن عيون الأمن والناس.. متر فى مترين حفرة ولحد .. أصبح ذلك أمنية وحلما عند أغلب العائلات .. وغالبا ماتسمع الناس يقولون ندفن فى البلد أرخص فتتم مراسم الجنازة والعزاء على مرتين .. مرة فى القاهرة ومرة فى مسقط رأس المتوفى .. ومن يمتلك مدافن عائلية هذه الأيام محسود .. يقول يزيد بن معاوية.. إن يحسدونى على موتى فياأسفى حتى على الموت لا أخلو من الحسد. عشت فى فرنسا فترة وكان يحلو لى التنزه فى مقابر (بيير لاشيز) .. ولا أجمل منتجع فى القاهرة الجديدة .. المقابر كأنها شاليهات حواليها نوافير وحدائق واشجار ودكك رخامية واستراحات.. والأروع من كل ذلك فضيلة الوفاء ممن يحملون الزهور إلى أحبائهم الراحلين.. وينخطف قلبك لما تشاهد حسناء تبكى وتكلم من فى القبور وتواسيهم كأنهم يسمعون.. طبعا لن أفيض فى الحديث عن مقبرة العظماء، أو كما يُطلق عليها «البانثيون»، بنيت عام 1790م وهي تقع في الحيّ اللّاتينيّ للعاصمة الفرنسيّة، وهي تضمّ رفات بعض عظماء فرنسا، ومنهم كبار الكّتاب، والعلماء، والجنرالات، ورجال الكنيسة والسياسيون، منهم فولتير وألكسندر دوما، وفيكتور هوجو ولويس باستور ومارى كورى واندريه مالرو وزير ثقافة فرنسا أيام ديجول.. تمثّل مقبرة العظماء فنّ العمارة النيو كلاسيكي، مع واجهة مبنيّة وفق نموذج البانثيون في روما، وفوقه ترتفع قبّة كبيرة. ويعتبر مبنى البانثيون من أعظم المنجزات المعماريّة في تلك الفترة.. وتحولت المقبرة إلى مزار ثقافى وسياحى حيث يتم الدخول بعد دفع الرسوم المقررة. وفى أمريكا أيضا المقابر حدائق شاسعة ويكتفى بشاهد رخامى فوق كل قبر.. يعنى منتهى الاحترام لكرامة الإنسان حتى بعد مماته أما نحن فماذا لدينا هنا؟!.. أشباح تتزاوج وتأكل وتشرب على جثث الموتى ويلعب الأطفال بصخب فى الأحواش والمدافن طوال الوقت, ناهيك عن أنهم يتخذون من القبور بيوتا مثلما فعل عادل إمام فى فيلم كراكون. طبعا هذه الأجواء مادة مدهشة لصناع السينما وللكتاب والأدباء. خيرى شلبى كان صديقا للحانوتية والمهمشين واستوحى لغته وحواراته وشخصياته منهم فى معظم رواياته مثل شخصية صالح هيصة وغيرها بعيدا عن الأجواء الغرائبية. هذا الملف يحتاج إلى تخطيط من الدولة وإلى تخصيص مساحات تتناسب مع الكثافة السكانية فى كل منطقة. ربما تتدارك الحكومة ذلك فى المدن الجديدة فتعمل حساب دور العبادة والمتنزهات والملاعب والمدافن ولا تترك الأمر فى الأخيرة لسماسرة الموت والمقاولين الحانوتية وللمضاربات. رحمة ونور على أرواح موتانا ولاعزاء للمافيات..لا أحد منا لايريد مقبرة فخيمة مثل تاج محل فى الهند.. أو قبة أفندينا فى صحراء المماليك عندنا.. أين يذهب إذن وقد اختفت أيضا من الخريطة ماكانوا يطلقون عليه مقابر الصدقة والفقراء. أخيرا سنة الحياة أن الناس لاتختار متى تموت وإلا لاختاروا فترات انفثاء الفقاعة العقارية.. ربما يحصلون على مقبرة لقطة بأسعار مهاودة!. لمزيد من مقالات جمال الشاعر