فى معرضه (ليالى البهجة فى وطن المتناقضات) قدم الفنان رضا عبد السلام 67 لوحة جديدة، تتحدث عن الواقع الذى نعيشه وتنتقد الفوضى والعشوائية اللتين تسكنانه.لكن المفارقة حملتها الرسالة الأخيرة للوحات التى اقتربت جدا من روح الجدارية بأن الواقع الملئ بالتناقض حافل كذلك ببهجة إضافية، ليست مجرد ضربة فرشاة عشوائية لفنان يعشق جمع المتناقضات فى جدارية، وليست محاولة زائفة لتلوين جرح قديم بريشة عجوز. قراءة سريعة فى لوحات أستاذ الفنون الجميلة الذى بلغ السبعين عاما أمضى 50 منها فى علاقة عشق حقيقى مع الألوان والخطوط وترويض الجدران، ستكشف أن الفنان لا يزال يرسم بنفس القلب الشاب القادر على الفرح من خلال الألوان القوية التى تجمع الأرض والسماء فى زرقة فاتنة، وتجمع الهشاشة والقوة.. الواقع ونقيضه فى توليفة جدارية وإن اتخذت شكل اللوحات التقليدية. ........................ أول ما جذبنى فى لوحات المعرض خلوها شبه التام من الفراغ الذى اعتدناه مع كثير من الفنانين لترك مساحة بيضاء تفسر العمل او تساعد فى تفسيره، مادفعنى لبدء الحوار بسؤاله عن المغزى من ذلك، فقال إنه يرسم رؤيته للواقع بما يضمه من صخب وعشوائية أصبحت فى كل مكان. انظر حولك سترى المبانى العشوائية التى تلتحم ببعضها البعض دون شوارع او حوارى تتسع للسائرين.. انظر الى الاراضى الخضراء التى تتلاشى أمام موجات التعدى عليها، أننى أرسم الواقع فقط ومصادرتى للمساحات البيضاء جاءت من منطلق وفائى له. ربما لو كنت ارسم مدينتى السويس حيث البحر والسماء الزرقاء والفراغ الشاسع فيها وهدوء المكان، لحرصت على تلك المساحات البيضاء. لكن القاهرة لا تخلو من جمال مثل مشهد النيل خاصة فى الليالى المقمرة؟ صحيح لكن العاصمة للأسف لم تحافظ على جمال النيل، الذى رسمته كثيرا عندما كنت طالبا بالفنون الجميلة، لكنه الآن تغير بسبب الإهمال والتلوث. كيف يمكن للفن التشكيلى أن يقاوم العشوائية والفوضى المتفشيين حاليا فى المجتمع؟ بكل أسف لا أجد أى تأثير إيجابى ملموس للفن فى مصر، وحتى عندما تبادر الجهات المعنية بتجميل الميادين عبر نحت تمثال او لوحة جدارية توكل المهمة للهواة أو مدّعى الفن، لهذا يخرج العمل كأنه لا يمت للفن بصله . إذا أردنا أن يكون للفن دورفى مقاومة العشوائية فلابد من تعاون الجميع من أجل تزيين الميادين والحدائق والأماكن العامة، وإشراك الفنانين فى مشروعات تطوير العشوائيات الذى تتبناه الدولة الان، وما أتمناه أن يكون للبسطاء غير القادرين على اقتناء اللوحات الحق فى أن يروا الجمال ويستمتعوا به، وذلك عبر تنظيم ورش فنية بالأماكن العامة ويساهم بها الشباب حتى يشعروا بإسهاماتهم فى تجميل أماكنهم وتربية الذوق وتذوق الجمال. هل تتعامل مع الفن على انه فكرة وهل تدخل اللوحة بفكرة مسبقة، وهل وراء كل لوحة رسالة تريد توصيلها؟ عندما أرسم لا يكون لدى أى هدف غير نقل إحساسى وانطباعى الشخصى للواقع فقط دون التفكير فيما إذا كانت اللوحة ستلقى استحسان او رفض المتلقى او حتى تباع ام لا، كل ما فى ذهنى هو إخراج ما أعيشه وأتأثر به سواء كان ذلك رضا أو سخطا، لا يهمنى غير التعبير عما بداخلى من طاقة. معنى ذلك انك تتعامل مع اللوحة كتجريب دائم؟ أنا فنان تجريبى لأنى أحب خوض التجارب الجديدة ومعايشتها وقد أكون اكتسبت ذلك خلال فترة تجنيدى بسلاح الصاعقة حيث كانت توكل لنا المهام لنقوم بها دون التفكير بما سوف يترتب عليها من أخطار أو أخطاء، كل ما كان يشغلنا هو إنجازها بأعلى دقة وإخلاص. كذلك كان لعملى بالصحافة خاصة فترة عملى فى الأهرام مع يوسف فرنسيس ومكرم حنين وصلاح طاهر وغيرهم، أثر كبير فى عملى حيث اكتسبت خبرات وخضت تجارب عديدة، وعموما لا يجب ان يقف الفنان عند مرحلة او فكرة او طريقة واحدة وإنما عليه ان يجرب دائما ويغامر ولا يخشى التجربة، فالتجريب هو روح الفن. لديك تجربة ثرية مع طلبة المرحلة الابتدائية بفرنسا لإعادة تدوير المستهلكات المنزلية وتكوين اعمال فنية منها، لماذا لم تحاول تنفيذها فى مصر؟ نظمت ورش عمل أنا وزوجتى فى القرية الذكية للأطفال، علمناهم خلالها كيفية تجميع ألعابهم القديمة فى عمل فنى جماعى، شارك فيه كل منهم بجزء من اللوحة بفكره وخياله الخاص وشكّلوا لوحة كبيرة من 4 لوحات صغيرة استخدموا فيها الالعاب والصحف القديمة، ثم تم عرضها فى ساحة كبيرة وكان الهدف أن يمارس هؤلاء الأطفال هواية الخيال واستخدامها فى التعبير وإخراج الطاقات الإيجابية داخلهم.