«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة بصرية ل" تنويعات على مدينة الحلم"
نشر في نقطة ضوء يوم 31 - 08 - 2016

منذ عرفت الفنان حسين نشوان، وجدته إنسانا يسكنه المكان، يتملكه عبق التراث في المباني، تحلق روحه في المكان المرئي والمكان الذي يتخيله، وأمكنة أخرى مرت بطفولته ويذكرها كخيال عابر، فالفنان الحقيقي هو نتاج لبيئته والطبيعة، للذاكرة والأرض، وبالتالي هو يحمل في كينونته هدفاً ورسالة، فتروي لوحاته الفنية الحكاية، حكاية طويلة وليس لها نهاية، وحين أعلمني عن نيته إقامة معرض له في مدينة الزرقاء المدينة التي ولدت فيها، قلت له: سأحضر من رام الله خصيصاً لحضور المعرض.
فكل ما شاهدته لحسين نشوان في السابق صور للوحات، ورغم أنها شدتني كثيرا، إلا أنها لم تروي الرغبة العارمة أن أحضر معرضاً شخصياً له، فعلاقتي مع اللوحة علاقة عشق مباشرة، واللوحة الجيدة هي التي تمسكني بكلتا يداي وتدخلني لأعماقها، فأجول فيها وأتنشق عبق الجمال، أحلق في فضائها وزواياها، وحين أخرج منها أكون قد تركت بعضا من روحي فيها.
حين وصلت قاعة العرض شدني العنوان كثيراً، فهو أعطى فكرة مسبقة عن المعرض، فالحلم الذي يحلم به الفنان يتجسد كمدينة، هي مدينة الحلم، لذا كانت لوحاته (تنويعات على مدينة الحلم)، وليس وصفاً مجرداً أو هيكلية بناء، فهي مدينة الحلم، تسكن في الذاكرة، تمثل حلماً للفنان، حلماً يسعى لتحقيقه، أو حلماً بعيداً يسعى للوصول إليه، ومن هنا كان العنوان يحمل كلمة (تنويعات)، مما يدلل أن ما يقدمه في لوحاته بعض من نصوص الحكاية، ولا يقدم الحكاية متكاملة، تاركا المجال للمشاهد أن يتخيل من خلال اللوحات بعض من الفصول للحكاية المروية فكرة ولوناً وشكلاً، وتاركاً المجال لنفسه أن يواصل الرحلة كي يقدم تنويعات أخرى ويواصل رحلته في تجسيد مدينة الحلم حتى تتحول إلى حقيقة ذات يوم، فكل ما نراه كان قد بدأ بالحلم ذات يوم، حتى تحقق وأصبح حقيقة، فهل ترى سيتحقق حلم الفنان حسين نشوان في مدينة الحلم ويصبح حقيقة؟ هذا السؤال الذي يمكن للوحات راوية الحكاية حاملة في ثناياها روح الفنان أن تجيب على بعض منه.
المعرض بكامل لوحاته يمكن أن يقسم إلى ثلاثة مدارس فنية، وفي نفس الوقت رأيته معرضين في معرض واحد، فهناك أسلوبين في اللوحات كل أسلوب يمثل معرضاً متكاملاً، وكل منهما يحتاج إلى قراءة خاصة في لوحاته، فكل منهما يروي الحكاية، لكن باختلاف في المدرسة الفنية وفي أسلوب الراوي، لذا سيكون حديثي في هذه المقالة عن اللوحات الزيتية والتي تمثل نصف المعرض وتمثل معرضاً فنياً متكاملاً، وهي تتكون من مدرستين فنيتين.
لوحات حسين نشوان لم تحمل أسماء منفردة، فقد لجأ لأسلوب الترقيم في لوحاته، ومنذ اللوحة الأولى نلمس في وضوح أسلوب الفنان، فاللوحة تميزت باللون الأزرق الداكن في أسفل اللوحة وفي أعلاها، وهذا اللون المعبّر كان يسيطر على لوحات المعرض، ففي تدرجات الأزرق تندرج الفكرة، فحين يكون داكناً أقرب للسواد، يكون معبراً عن واقع مؤلم، وحين يتدرج حتى يصبح بلون البحر يصبح له تعبير آخر.
مخاض الحلم
وحين يصبح بلون السماء يعطي معالم الفرح، وفي استخدام الفنان لهذا اللون فإنه تمكن أن يوصلنا في لوحاته وتنويعاته في مدينة الحلم، إلى الفكرة التي يريدها من خلال استخدام اللون الأزرق بتدريجاته، فمن القتامة في اللون في بعض اللوحات، حتى الوصول للأزرق المشوب بالرمادي في لوحات أخرى، فالمدينة التي يحلم بها ما زالت حلماً، لذا لم تكن في اللوحات السماء صافية، فالغيوم التي تغطي فكرة الحلم ما زالت متراكمة بسوداويتها، لكن فكرة تحقق الحلم أيضا لم تترك اللوحات، فالاشراقات التي تشير للفرح والأمل موجودة في ثناياها، ففي اللوحة الأولى نجد المدينة الحلم على شكل القباب والأبنية، وفي قاعدتها تمازجت الأرض مع الحروف العربية بدون كلمات واضحة.
كما ظهرت الحروف فوق المباني مباشرة، بإشارات رمزية لارتباط المدينة الحلم بتاريخها العربي، والقباب التي ترتبط بالأذهان بالمساجد في تراث المبنى، وتنتشر في كل بلدات فلسطين بشكل خاص، حتى في البيوت القديمة (بيوت العَقِد) تربط المدينة الحلم بالتراث والتاريخ والوطن، وفي هذه اللوحة وفي لوحات أخرى نجد أن المدينة الحلم التي تنثرها ريشة الفنان تأخذ طابعاً تجريدياً، فالأمكنة فيها متداخلة وكأنها جسد واحد، بحيث تظهر للوهلة الأولى وكأنها تجريد لمبنى الصخرة المشرفة في القدس.
ولكن حين التبحر في اللوحة نجد أنها تمثل مدينة تراثية الشكل بشكل متكامل ومتداخل، فخرج الفنان عن الإطار التقليدي برسم المكان كما هو، أو كما ينطبع في الذهن كما اعتدنا أن نرى في الكثير من اللوحات التي مثلت المكان، فتداخلت القباب والمساكن ببعضها حتى وصلت إلى درجة الانصهار، وكان استخدام اللون قوياً وذو دلالات مميزة، فالأزرق الداكن في سماء اللوحة ويمينها بالنسبة للمشاهد، بدأ بالانفراج كلما اتجه يساراً، وفوق القبة الذهبية والمختلط لونها مع الأزرق الداكن والأبيض في وسط اللوحة، كان الانفراج أكثر، وتمازج الأبيض مع الأزرق، وفي فضاء اللوحة في المنتصف، ظهرت بقعة بلون أزرق فاتح وكأنها طاقة الأمل والفرج والحلم، كما ظهرت بقعة أخرى في يمين اللوحة في الفضاء، وإن كانت أقل تفتحاً بالزرقة من الثانية، فهي برزت من خلال دكنة اللون، بينما الثانية برزت من بين غيمات أكثر تفتحاً.
ويلاحظ على تركيبة تجسيد المدينة الحلم، أن الفنان لجأ إلى إحداث شرخ عمودي باللوحة، فظهر يسار اللوحة متمازجاً مع يمينها، لكن كان هناك خط رأسي من يسار القبة الذهبية حتى قاعدة البناء في اللوحة وكأنها يقسمها إلى قسمين، ونلاحظ هنا أن هذا الفصل لم يأتي عبثاً، فالمشهد ظهر وكأنه يصور حالتين في مخاض المدينة الحلم، والحروف العربية تركزت أعلى وأسفل هذا الجانب، والألوان في البناء كانت أكثر إشراقاً من الجانب الآخر، رغم التشابه الكبير.
ففي يمين اللوحة كانت القبة الذهبية تعلوا المشهد، بينما في يسارها ظهرت القبة ذهبية اللون بشكل متكامل بدون تداخل ألوان أخرى في قلب يسار اللوحة، محاطة بقبتين بألوان أخرى، والرمزية في اللوحة لم تتوقف هنا، فالزخارف العربية موجودة، وتعطي الهوية بوضوح للمدينة الحلم، وفي نفس الوقت نجد في يمين اللوحة وفي قلبها درج طويل مضيء وكأنه يرمز بشكل واضح أن الطريق للوصول موجودة ومضيئة، لكنها تنتظر القادمين إليها حين يجتازوا العتمة.
في اللوحة الثانية ننتقل إلى مشهد آخر من تنويعات المدينة الحلم، وهنا فصل آخر من الرواية، فما زالت السماء باللون الأزرق الداكن، وفي فضاء اللوحة بالأعلى نجد طاقة كبيرة تمازج فيها اللون الأبيض مع إطار باللون الأصفر، وفي داخلها الحروف العربية، في رمزية واضحة أن تحقق الحلم مرتبط بالحلم العربي وبالانتماء للعروبة، وفي هذه اللوحة نجد الفنان قد سلط الضوء على يمين اللوحة فأعطاها مشهداً أكثر إنارة ووضوح، بينما كان الجانب الآخر أكثر عتمة، فأعطى اللوحة بعداً جديداً، ومعاني أخرى تثير التساؤل.
وفي نفس الوقت نجد أن العلامات المنيرة في الجانب المنير أكثر من الجانب الآخر، وظهرت إشارات ورموز متعددة، فقد ظهرت مثلا المثلثات باللون الأصفر في إشارات مضيئة، كما ظهرت بوابة مضيئة تمازج لونها بين الأصفر والأبيض بلون وشكل يبعث على التفاؤل، وفوق الجانبين كانت الحروف العربية إضافة لبعض الزخرفات العربية تعلوا القباب، وإضافة لظهور أطراف القباب في اللوحة، فاللوحة حفلت أيضا بالقناطر والإشارات التراثية، وظهرت اللوحة في جانبيها وكأنها مشاهد يضمها زقاق داخل قنطرتين كبيرتين، فكانت اللوحة استكمال للحكاية.
في اللوحة الثالثة تبدأ المدينة الحلم بالتجسد على شكل جسد بشري، فنجد الرقبة في أعلى اللوحة وامتداد الكتفين، والجسد بأكمله عبارة عن تنويعات المدينة الحلم، وهنا ظهرت السماء بلون داكن ولكنه أقل دكنة من اللوحات السابقة، فالأزرق تمازج باللون الرمادي، وفي يسار ويمين اللوحة ظهر في السماء انفراجات النور بشكل واضح، بينما الجسد حمل بداخله شكل المدينة بتمازج بين الألوان الحارة والباردة، فتمازج اللون الأحمر الذي ظهر بوضوح في هذه اللوحة مع ألوان متعددة مثل البني والأصفر والأزرق والأخضر، وتميز ظهور اللون الأحمر بشكل خاص في مقطع عرضي لو نسبناه للجسد البشري لكان بدقة يمتد من القلب إلى يمين الجسد، وهذه إشارة رمزية أعتقد أن الفنان قصد بها أن الحلم لن يتحقق بدون تضحيات، ومن منتصف اللوحة باتجاه قاعدتها غلب اللون الأزرق بتدرجات لونية، وإن كان التدرج للون الأزرق الفاتح هو الأكثر غلبة، ونلاحظ أن الفنان هنا قد قسم اللوحة إلى مجموعة من الأشكال الهندسية تقع بين المعين والمربع والمستطيل، ولكنها متمازجة ومندغمة بشكل كبير، مما أعطى اللوحة للناظر ابعاداً ثلاثية، وظهور القباب والزخرفات المرتبطة بالزمن الماضي وبقاياه في الحاضر، أضاف للوحة بعد رابع وهو الزمن، فظهرت اللوحة بأبعادها وألوانها تحمل الفكرة بوضوح كبير، وبأسلوب فني يدلل كم أن الروح التي نزفت هذا الإبداع، مرتبطة بواقعها والتراث والحلم، رغم غياب الحروف العربية عن اللوحة بشكل مباشر، بينما تركت الأشكال المرسومة الأثر نفسه الذي منحته الخطوط في اللوحات السابقة.
في اللوحتين الرابعة والخامسة تواصلت الرحلة في فكرة المدينة الحلم، وهنا نجد أن الفنان بدأ بالخروج عن أسلوبه في اللوحات السابقة، فهنا اعتمد الخطوط المنكسرة والمنحنية أكثر وهذه الخطوط أخذت أبعادا أكبر، ومال أكثر إلى التجريد، فهنا أسلوب الرسم اختلف عن ما سبق من لوحات، لكنه بقي متواصلاً في الأفكار والتنويعات حول مدينة الحلم، وفي اللوحتين اعتمد أسلوب التناظر، فكانت اللوحات مقسمة إلى عدة أقسام من خلال التعامل باللون وحجم إسقاط الضوء على اللوحات، وكما يلاحظ أن الفنان ابتعد أيضا في هاتين اللوحتين عن رسم الخطوط العربية في ثنايا اللوحات، وإن واصل أسلوبه بالاعتماد على رسم القباب والتراث في أسلوب البناء، رغم عدم الوضوح المباشر من خلال أسلوب التجريد، وأيضا إسقاط المفاهيم من خلال اللون والشكل والرمز والزخرف في ذهن المشاهد، ونلاحظ في اللوحتين أن الإنارة في اللوحة الخامسة وهي من رموز الاشراقة والأمل لدى الفنان، كانت في القسم العلوي من اللوحة بعكس اللوحة الرابعة، وكأن الفنان يقصد أن الأمل يبدأ من القاعدة ثم يعم الفضاء، رغم وجودها في الأقسام الأكثر دكنة من خلال القباب الذهبية وبعض الأشكال الهندسية.
في اللوحات السادسة والسابعة والثامنة، يعود الفنان من رحلته في تجريد المدينة الحلم، ففي اللوحات السادسة والثامنة، تظهر المدينة مجدداً مجسدة بشكلها الذي بدأت به اللوحات التي تروي الحكاية، فعادت الحروف العربية لتأخذ مساحتها في اللوحات، وإن كانت الاشراقة والإنارة في اللوحة الثامنة تأخذ أبعادا ومساحة أكثر، بينما في اللوحة السادسة كانت مساحة القتامة في اللون أكبر، رغم أن الاشراقة في ألوان المدينة كانت متوهجة بشكل يشير لحجم الأمل، ويلاحظ هنا وفي اللوحتين بروز رمزية جديدة، وهي أشبه ما تكون بإعصار أو فيضان يخترق اللوحة السادسة من زاوية يسار اللوحة ويأخذ مساحة كبيرة فيقسم أرجاء المدينة لقسمين، ولكن نفس الرمز يظهر في اللوحة الثامنة أقل قسوة في التعبير، والجانب الأيمن من المدينة المقسومة يأخذ مساحة أكبر وكأنه بدأ بدفع هذا الخطر عن المدينة، بينما في اللوحة السابعة تكون المدينة ببهائها ونورها وزخرفها وقبابها وتحت سماء صافية اللون تقريبا باللون الأزرق الفاتح، ونافذة من الفرح في أعلى يسار اللوحة، ومن خلال قراءة اللوحات الثلاث بشكل متسلسل نشعر وكأن الفنان يتحدث عن ثلاث مراحل مرت بها المدينة الحلم، وهذا يؤكد الفكرة التي تكونت في ذهني من خلال استخدام تعبير (تنويعات) في عنوان المعرض.
الرحلة ما زالت متواصلة وتعتمل في روح الفنان، فنجد في اللوحات من الثالثة عشر حتى الثامنة عشرة، انتقال مختلف بأسلوب الفكرة وتوصيلها، فهنا الفنان لجأ بشكل خاص إلى استخدام تنويعات اللون لسرد الحكاية وقصة المدينة الحلم، ففي اللوحة الثالثة عشر نجد غلبة اللون الأحمر على اللوحة وكأنها تغرق في بحر من الدم، لكن الفنان لجأ إلى تدريجات اللون الأحمر فخفف من وقع الصدمة التي يعطيها هذا اللون وهو يسود بين المباني والقباب، وإن لم يفقد في إشاراته روح الأمل، فاللون الأصفر والطاقات البيضاء لم تغب رغم أنها كانت مشوبة باللون الأحمر، وفي زاوية اللوحة اليسرى العلوية كان اللون الأحمر يتحول إلى لون التراب مع حجم إنارة تعطي البهجة للروح، مع زاوية زرقاء صغيرة بلون السماء، ويلاحظ برمزية الرسم اختفاء الحروف العربية مجدداً من اللوحة، إضافة إلى وجود بعض الأشكال وكأنها تأخذ شكل وجه بشري، في إشارات للإنسان الذي تقوم على أكتافه فكرة تجسيد الحلم إلى حقيقة.
بينما في اللوحات الخامسة عشرة والسابعة عشرة لجأ الفنان إلى اللون الأخضر بما يثيره بالروح والنفس من ارتياح، ورغم دكانة اللون إلا أنه كان أقرب إلى لون الزيتون وهذه رمزية لا أظن أنها جاءت عفوية من الفنان، وإن اختلف الأسلوب في الرسم بين اللوحتين، فالأولى جاءت على شكل قاعدة تجريدية لمباني التراث ظهر فيها شكل الحصان بما يرمز له الحصان في مفهومنا من قوة وجمال، يعلوها نحت صخري باللون الأخضر قاعدته الحروف العربية، وفي داخله نافذة وكأنه محفورة في الصخر ممتلئة بالحروف العربية باللون الأزرق الذي يثير راحة في النفس، بينما في الثانية كان شكل المدينة يعود من جديد وكأنه تحت قوس أو بوابة ضخمة من اللون الأخضر.
بينما السماء بزرقتها تنير المدينة، فارتبطت فكرة اللون الأخضر باللوحتين مع اللون الأزرق وألوان الرموز للمباني والقباب بفكرة المستقبل الأجمل القائم أن تحققه يحتاج القوة التي رمز لها بالحصان الأبيض، بينما في اللوحات الرابعة والسادسة عشرة نجد أن الغلبة للون البني المشوب باللون الأصفر، فيعطي للجدران لون تراب الأرض حين تفرح ببداية المطر، بينما برزت المدينة بأشكال هندسية مختلفة من بين ثنايا مساحة الجدران التي حفلت بالعديد من الطاقات والنوافذ التي تحمل ألوانا بدواخلها تشير إلى قرب النور، بينما في اللوحة الثامنة عشر كانت الغلبة للون الأزرق السماوي المشرق بالبياض، فنجد هذا اللون يطغى على يمين اللوحة ويظهر في يسارها، وإن لم تخلوا اللوحة من إشارة رمزية في أسفل يمين اللوحة إلى بقعة داكنة ولكن المدينة الحلم تبتعد عنها، ويلاحظ في اللوحة الأخيرة أن رمزية الشخوص والأشكال ظهرت أكثر وضوحاً، فهناك وجه بشري على شكل أسد رابض هو أقرب لشكل تمثال أبو الهول، وشكل آخر متمازج باللون الأزرق والأبيض يعطي انطباع لشكل رجل شيخ مسن يرتدي العباءة والعمامة وكأنه منكب على الكتابة، وكأن الفنان يشير للتاريخ وهو يكتب حكاية مدينة الحلم، أو الأجداد وهم يكتبون وصية للأحفاد أن لا يتخلوا عن المدينة التي حلموا بها.
في اللوحات التي تبقت ينتقل الفنان إلى مدرسة التجريد الفني بشكل واضح وكبير، ففي اللوحات التاسعة والعاشرة كانت اللوحات تحمل نفس الروح وبأسلوبين مختلفين، فاللوحة التاسعة ظهرت وكأنها مصنوعة من السيراميك بينما هي مرسومة بالزيت، وظهرت فيها الحروف العربية قاعدة وأعلى المشهد، وكانت اللوحة يعلوها سماء مازج اللون الأزرق مع الرمادي فأوحت بحجم كبير من الاكتئاب، ويلاحظ في هذه اللوحة أن الفنان لم يلجأ للألوان الحرة والحارة بقوة كما في اللوحات السابقة، بل أعتمد ألوانا تراوحت بين البني والرمادي والأبيض والبرتقالي غير المشع، إلا أنه لم ينسى الفرح والأمل من خلال حلقات صغيرة منيرة باللون الأزرق السماوي المنير، وهذه اللوحة بما حملته من فكرة تحيط وتغمر مدينة الحلم، كانت الخطوة الأولى للإتجاه إلى اللوحة الثانية وهي اللوحة العاشرة التي سادها الفرح فظهرت المدينة وكأنها تطفوا على البحر وتعلوها السماء بلون أزرق منير، تتناثر في صفحة السماء مربعات ومثلثات وضربات فرشاة تحمل ألوان البهجة، وألوان المدينة كانت مشعة ما بين الأحمر والبرتقالي وبعض من اللون الأصفر والأزرق المشع، في حالة انصهار وتمازج مع باقي الألوان، فكان استخدام اللون مميزا في اللوحتين، حيث نقلنا من جو تسوده الكآبة إلى جو فرح وحلم جميل وراحة نفسية، ولجأ إلى الرموز في لوحته بألوان زاهية وانعكاسات حلوة على الروح.
في اللوحات الحادية والثانية عشرة لجأ الفنان إلى التجريد بدرجة كبيرة، واستخدم الخطوط المنكسرة والمنحنية بقوة، ولجأ للألوان الحرة في اللوحتين كثيراً، فكان الأصفر والأزرق والأبيض والبني والأحمر، وإن افتقدت اللوحات الإشارات الواضحة نحو القباب والمباني التراثية كما في انصهارها بلوحات سابقة تحدثت عنها، إلا أنه من خلال الخطوط المنحنية واللون أعطى الانطباع لوجودها بين التنويعات، ولجأ إلى ضربات الفرشاة في اللون ليعطي إشارات رمزية بداخل اللون، فاللون البني في اللوحة الحادية عشرة حمل إشارات في أعلاه يمكن أن تكون عينان وفم في وجه مخلوق ما، ظهر أكثر بشرية في اللوحة التالية وفي نفس اللون، إضافة للخطوط التي تحمل معاني كثيرة، بينما في اللوحات التاسعة عشرة والعشرون كان التجريد شبه مطلق، وكانت الخطوط الرأسية تحمل دلالات كثيرة وهي تستند إلى دوائر في قاعدة اللوحات، إضافة لألوان قوية وإن لم تكن حرة تماماً، وكما في اللوحتين السابقتين لجأ للرمز من خلال خطوط متمازجة باللون، ومن خلال ضربات الفرشاة، التي أبرزت تضاريس واضحة في العملية اللونية.
......
كاتب وإعلامي فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.