** أستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض إدريس لكريني: - غزة تحتاج بعد وقف الحرب إلى الوحدة والتشارك لإدارة القطاع - العدوان على غزة عزل إسرائيل عن محيطها الإقليمي والدولي - اتفاق وقف النار فرصة جديدة لإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة قال أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة القاضي عياض المغربية إدريس لكريني، إن العالمين العربي والإسلامي مطالبان بدعم كبير لإعادة إعمار قطاع غزة بعد حرب الإبادة الإسرائيلية، مؤكدا حاجة القطاع إلى "روح الوحدة والتشارك لإدارته من جديد". وفي مقابلة مع الأناضول، اعتبر لكريني أن اتفاق وقف إطلاق النار بغزة "خطوة إيجابية رغم تأخره بالنظر إلى حجم العدوان الإسرائيلي وما خلفه من ضحايا وتدمير وممارسات تندرج ضمن الجرائم الدولية الخطيرة". وأشار إلى أن المرحلة الحالية في غزة "هي معركة البناء وإعادة الإعمار وإدارة القطاع من جديد بروح تشاركية". ورأى أن العدوان على غزة كشف للعالم "الوجه القبيح للاحتلال الإسرائيلي، وعزله عن محيطه الإقليمي والدولي، وكلفه أيضا كثيرا من الإمكانات البشرية والمادية". ودعا لكريني القوى الفلسطينية إلى "التعامل بحذر مع مرحلة إدارة القطاع"، مضيفا أنهم "يجب أن يستحضروا المصالح العليا للفلسطينيين". وفي 9 أكتوبر الجاري، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توصل إسرائيل وحركة "حماس" إلى اتفاق على المرحلة الأولى من خطته لوقف الحرب بغزة، إثر مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين بمدينة شرم الشيخ، بمشاركة تركيا ومصر وقطر، وبإشراف الولاياتالمتحدة. ودخلت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الحالي، بعد أن أقرته حكومة تل أبيب. ويستند الاتفاق إلى خطة طرحها ترامب، تقوم على وقف الحرب، وانسحاب متدرج للجيش الإسرائيلي، وإطلاق متبادل للأسرى، ودخول فوري للمساعدات إلى القطاع، ونزع لسلاح "حماس". وبموجب الاتفاق، أطلقت إسرائيل 250 أسيرا فلسطينيا محكومين بالسجن المؤبد، بينهم 154 تم إبعادهم إلى مصر، بالإضافة إلى 1718 آخرين اعتقلتهم من قطاع غزة بعد 8 أكتوبر 2023. في المقابل، أطلقت "حماس" الأسرى الإسرائيليين الأحياء العشرين، وسلمت جثامين 8 من أصل 28 أسيرا، على أن تسلم البقية في وقت لاحق لم يُحدد بعد. ** ما بعد اتفاق غزة لكريني رأى أن الاتفاق "يمثل مبادرة خلفت ارتياحا سواء في فلسطين، أو لدى بعض القوى داخل الكيان الإسرائيلي، بالنظر إلى الكلفة الخطيرة لإسرائيل". وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل منذ 8 أكتوبر 2023 ولعامين إبادة جماعية بغزة، خلّفت 67 ألفا و913 شهيدا، و170 ألفا و134 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 463 فلسطينيا بينهم 157 طفلا. وتحتل إسرائيل منذ عقود فلسطين وأراضي في سوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدسالشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967. ** تحول دولي وبشأن تحول الرأي العام الدولي لصالح القضية الفلسطينية بعد الإبادة الإسرائيلية بغزة، قال الخبير المغربي: "رغم الجرائم والوحشية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، والصور الفظيعة التي خلفتها داخل غزة، فإن ما وقع أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية". ووفق الكريني، فإن العدوان على غزة "سمح لكثير من الشعوب والقوى الحية بالعالم أن تكتشف حجم الجرائم التي تقترفها سلطات الاحتلال، وأتاح الفرصة لفهم سياق هذا الصراع، من خلال مصادرة كل الحقوق الفلسطينية، بما فيها الحقوق الدنيا بالصورة التي جعلت دولا كثيرة تعلن اعترافها بالدولة الفلسطينية". وأشار إلى أن الإبادة الإسرائيلية بغزة "أدت إلى إعلان كثير من الدول مقاطعة إسرائيل وعزلها، وسمح أيضا بالحديث عن القضية الفلسطينية في أوساط دبلوماسية وأكاديمية وسياسية". وخلال الدورة ال 80 للجمعية العام للأمم المتحدة بمدينة نيويورك في سبتمبر الماضي، اعترف 11 بلدا بدولة فلسطين بينها بلدان أوروبية كفرنسا وبريطانيا، ليرتفع الإجمالي إلى 159 من أصل 193 دولة عضوا بالأممالمتحدة، وفقا للخارجية الفلسطينية. ** أوراق جديدة واعتبر لكريني أن "مسألة كسب أوراق جديدة بعد اتفاق وقف إطلاق النار مرتبطة بالسلوك الفلسطيني واستحضار المصالح الفلسطينية العليا". وأضاف أن هذا يعني أن "المرحلة تقتضي توحيد الصف الفلسطيني، والاستمرار في المرافعة بشأن القضية عبر العالم، وكسب مزيد من التأييد لفائدة الدولة الفلسطينية". وتابع: "العالمان العربي والإسلامي يتحملان مسؤولية مهمة جدا في هذه المرحلة من أجل الضغط باتجاه إحياء النقاش حول حل الدولتين، والضغط لإجبار إسرائيل على احترام مقتضيات الاتفاق، بالإضافة إلى الدعم الكبير لإعادة الإعمار ومساعدة الفلسطينيين، لا سيما بعد الدمار الهائل بالقطاع". وأوضح أن قطاع غزة "يعيش اليوم كفضاء تغيب فيه كل شروط الحياة، وهو ما يتطلب اليقظة من الفلسطينيين بتعزيز وحدتهم واستمرار الدفاع عن حقوقهم، خاصة على مستوى مواجهة الغطرسة الإسرائيلية في المحافل الدولية وفي المناسبات الإقليمية". وتقدر الأممالمتحدة تكلفة إعادة إعمار ما دمرته حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة بنحو 70 مليار دولار. ** أسئلة المستقبل القضية الفلسطينية برأي لكريني أصبحت في العصر الحالي وأكثر من أي وقت مضى "تستأثر باهتمام عدد أكبر من الدول الأوروبية". وأكد أن ذلك يخدم تحرر الفلسطينيين "بالنظر إلى وزن هذه البلدان وقوتها داخل المنظمات والهيئات العالمية بشكل يبشر بمزيد من التأييد للقضية الفلسطينية". وبشأن مستقبل قطاع غزة، اعتبر لكريني أن "التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار ليس نهاية لمعاناة الفلسطينيين، إذ ستبدأ معركة أخرى، وهي معركة البناء وإعادة الإعمار، ومرحلة إدارة القطاع". وأشار إلى أن "مرحلة ما بعد الاتفاق لن تكون سهلة، وستتخللها كثير من الإشكالات والصعوبات، لكن مع ذلك يستطيع الفلسطينيون التغلب عليها عبر ترسيخ وحدتهم". ولفت إلى أن السؤال المطروح حاليا يتعلق ب"تحديات إدارة قطاع غزة، وما إن كان سيشهد نوعا من المشاركة بين الجميع". وداعيا القوى الفلسطينية إلى "التعامل بحذر مع مرحلة إدارة القطاع"، قال لكريني: "يجب أن يستحضروا المصالح العليا للفلسطينيين، لا سيما أن الطرف الإسرائيلي دأب على خرق الاتفاقيات التي يعقدها مع الفلسطينيين".