أعلنت الحكومة المصرية أخيرا على لسان مسئولى وزارة المالية عن عزمها على التقدم لمجلس النواب لفتح اعتماد إضافى للموازنة العامة للدولة عن العام المالى 2016/2017 بنحو 105 مليارات جنيه، وذلك نتيجة لما ظهر من متطلبات إضافية خلال العام أدت الى زيادة كبيرة فى المصروفات الفعلية مقارنة بما كان مخططا له فى الموازنة، وهنا يصبح التساؤل عن مغزى فتح اعتماد إضافى بعد انتهاء السنة المالية وظهور مشروع الحساب الختامي؟ والأهم من ذلك ماهى الفائدة من مناقشة مشروع الموازنة فى البرلمان قبل إقرارها إذا كانت الأمور تسير على هذا النحو؟ وقبل الإجابة عن هذه التساؤلات نشير الى ان السبب الأساسى لهذا الانحراف يرجع بالأساس الى قرار البنك المركزى بتعويم الجنيه المصري، الامر الذى أحدث أثره على العديد من أبواب الموازنة خاصة فيما يتعلق بالدعم والمزايا الاجتماعية، وهو ما نتوقع حدوثه فى موازنة العام الحالى 2017/2018 والتى وبعد إقرارها مباشرة قامت الحكومة بالعديد من الإجراءات منها رفع اسعار البترولية فى 28 يونيو 2017 ، وتعديل قانون الضرائب على الدخل فى نهاية يونيو 2017 ورفع الأسعار الكهرباء فى 6 يونيو من نفس العام هذا فضلا عن القرارات الخاصة بمنح علاوة الغلاء والعلاوة الخاصة للعاملين بالدولة يضاف اليها قوانين زيادة المعاشات، والقانون رقم 83 لسنة 2017 القاضى بأيلولة نسبة من ارصدة الصناديق والحسابات الخاصة للموازنة، إذ أن جميع هذه القوانين والقرارات وغيرها، ستنعكس بلاشك على الموازنة الحالية وهو ما يفقد الموازنة الغرض الأساسى منها والذى يتمثل فى تحقيق نوعين من الرقابة، الأولى دستورية والثانية اقتصادية ومالية. فمن حيث الوظيفة الأولى تعد الموازنة وثيقة سياسية وقانونية تخدم أهداف الرقابة الدستورية وتضمن المشاركة الفعالة من جانب مختلف فئات المجتمع. أما الوظيفة الاقتصادية فهى ترمى إلى تحقيق الأهداف التنموية للدولة وتفعيل الطلب الكلي. وهذه الأمور تتحقق عند صنع الموازنة وكذلك عند التنفيذ، ففى المرحلة الأولى تطرح عدة تساؤلات هى مدى الاستجابة لاحتياجات المجتمع؟ ومدى العدالة فى الإيرادات والنفقات؟ وما مدى المساواة فى الأعباء؟ وأخيرا مقدار الشفافية التى تتمتع بها؟ وبالتالى فالحكم على الموازنة العامة يتعلق بمدى ما تحقق من هذه المبادئ وكذلك السياسات المزمع تنفيذها ومدى قدرتها على التعامل مع الواقع الاقتصادى المعاش، وتتطلب مناقشة مشروع الموازنة المعرفة الكاملة بالأوضاع المالية، وبالتالى الشفافية المطلقة فى عرض الأبواب والبنود، ليس فقط للأغراض الاقتصادية ولكن أيضا من اجل المزيد من المساءلة السياسية أمام السلطات الرقابية والتشريعية والشعبية. إذ تعد الشفافية من العوامل الضرورية التى تمكن مجلس النواب والمواطنين بوجه عام من مراقبة الحكومة ومحاسبتها. ويستلزم تحقيق الشفافية توضيح أهداف الموازنة، وكذلك توزيع الإنفاق على البنود المختلفة، لهذا فقد أولت الدساتير المصرية جميعا هذه المسألة أهمية قصوى فأدخلت العديد من التعديلات المتعلقة بها، إذ قامت بتعديل طريقة وتوقيت عرض الموازنة العامة للدولة، وذلك عن طريق السماح لمجلس النواب بإدخال تعديلات عليها دون موافقة مسبقة من الحكومة، وذلك على العكس مما كان عليه الوضع قبل ذلك، كما قامت بزيادة مدة المناقشة والنظر فى الموازنة عن طريق إلزام الحكومة بتقديم الموازنة قبل ثلاثة اشهر من بدء السنة المالية الجديدة بدلا من شهرين وهو ما يتيح للأعضاء الفرصة فى الدراسة الدقيقة والمتأنية لما جاء به مشروع الموازنة وقد ترتب على هذه التعديلات إجراء العديد من التغييرات فى قانون الموازنة، فصدر القانون رقم 109 لسنة 2008 والذى ألزم الجهات المعنية بتقديم مشروع الموازنة قبل بدء السنة المالية بستة أشهر على الأقل، وإلزام الجهاز المركزى للمحاسبات بتقديم تقرير عن نتائج مراجعة الحسابات الختامية والميزانيات إلى وزارة المالية خلال شهر من تسلمه لكل ميزانية عمومية أو حساب ختامي، كما ألزم وزارة المالية بإحالة مشروعات قوانين ربط الحساب الختامى للموازنات العامة وبياناته التفصيلية إلى مجلس النواب والجهاز المركزى للمحاسبات فى مدى أربعة أشهر من انتهاء السنة المالية، وكذلك ألزم الجهاز المركزى للمحاسبات بتقديم تقريره إلى مجلس النواب فى موعد غايته خمسة أشهر من انتهاء السنة المالية وكلها أمور تهدف إلى تلافى العديد من السلبيات وتساعد السلطة التشريعية على المساهمة الفعالة والحقيقية فى صنع الموازنة، وتمكن الأعضاء من الحكم بواقعية على المشروع وإدخال التعديلات التى تحقق الأهداف التى نصبو اليها جميعا. والتى تتمحور أساسا حول تعزيز النمو الاقتصادي، وتشجيع استخدام الموارد بكفاءة وفعالية والمساهمة فى إحداث التغييرات الهيكلية المطلوبة فى الاقتصاد وتدعيم القواعد الإنتاجية وإزالة المعوقات التى تحول دون تفعيل عمل الأدوات الاقتصادية مع مراعاة الفئات الاجتماعية الضعيفة. وتشير الإحصاءات الى ان هذه العملية لم تسر على النحو المرجو منها حتى الآن وبالتالى هناك زيادة مستمرة فى فتح اعتماد إضافى للموازنة، والتى تأتى تفعيلا للدستور فيما يتعلق بانه تجب موافقة مجلس النواب على نقل أى مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة، وكذلك على كل مصروف غير وارد بها، أو زائد فى تقديراتها وتصدر بقانون. وقد استخدمت الحكومة المصرية هذه الأداة فى العديد من السنوات، وازدادت بشدة منذ عام 2006/2007 حيث صدر القانون رقم 20 لسنة 2007 والقاضى بفتح اعتماد إضافى لمواجهة المتطلبات الإضافية لتنفيذ استراتيجية الدولة فى مجال مشروعات الشرب والصرف الصحي، وخلال العام المالى 2007/2008 تم فتح اعتماد إضافى بالموازنة لمواجهة متطلبات إضافية لهيئة السلع التموينية وفقا للقانون رقم 108 لسنة 2008، وتلاه فتح اعتماد إضافى آخر لمواجهة متطلبات ضم 15 مليون مواطن إلى البطاقات التموينية وذلك بالقانون رقم 111 لسنة 2008، وكذلك تم فتح اعتمادين إضافيين بنفس الموازنة لتقرير علاوة خاصة للعاملين بالدولة وزيادة المعاشات وذلك بالقانون رقم 114 لسنة 2008، كما شهد العام المالى 2008/2009 الظاهرة نفسها، حيث تم فتح اعتماد إضافى وفقا للقانون رقم 11 لسنة 2009 وكذلك تم فتح اعتماد إضافى بالموازنة العامة للعام المالى 2009/2010 لمواجهة المتطلبات الإضافية لدعم المنتجات البترولية والغاز الطبيعي. من هذا المنطلق تبرز أهمية إعادة النظر فى عملية صنع وتخطيط وإعداد الموازنة وتنفيذها، وهو ما يؤكد ضرورة التحديد الواضح للأدوار لكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية فى هذا الخصوص. لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالى