الإحتجاجات العنيفة التي شهدتها المناطق الناطقة بالإنجليزية بالكاميرون وطالب خلالها المحتجون بالانفصال متهمين الحكومات المتتالية بتهميشهم وهضم حقوقهم الثقافية والتنموية والاجتماعية، لم تكن الأولي من نوعها في الدولة ولا في غيرها من دول إفريقيا، ولن تكون الأخيرة إذا لم تسارع الحكومات لإنهاء المظالم أوعلي الأقل تخفيفها.فاستمرارها يُراكم الشعور بالظلم والرغبة في الانتقام قد ينتهي بانفجار مدوِ إن لم يُطح بالحكام يُلحق بالشعوب خسائر بشرية ومادية تدفع ثمنها لسنوات طويلة. فمنذ فبراير 2008 تصاعدت المطالب باستقلال تلك المناطق التي كانت خاضعةً للاستعمار الإنجليزي ثم انضمت طواعيةً إلي المناطق التي كانت تستعمرها فرنسا عام 1961 مكونةً الكاميرون الحالية وذلك للمطالبة بإقامة دولة مستقلة متهمين الحكومات المتعاقبة بتهميشهم وحرمانهم من تولِّي الوظائف القيادية وبفرض اللغة الفرنسية علي التعليم في مدارسهم، رغم أنهم يشكلون 20% من سكان الدولة.ولم تفلح كل محاولات التصدي لهم بالقوة أوقطع الإنترنت أوحظر التجمع لأكثر من أربعة أشخاص في منع الاحتجاجات التي يُخشي أن تتحول إلي صراع مسلح إذا استمر تجاهل مطالبهم وحصلوا علي دعم من سكان شرق نيجيريا الذين يرتبطون بهم بروابط قوية. ولا يختلف الوضع كثيراً في إثيوبيا التي تتكون من 80 مجموعة عرقية،فرغم أن الأورومو ذات الأغلبية المسلمة هي أكبرها وتشكل 40% من الشعب ومن أقدم مستوطني شرق إفريقيا قبل 7000 عام فإنهاأشدها حرماناً ومعاناةً من التهميش الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والسياسي واتهموا الحكومات المتتالية بمحاربة ثقافتهم ومنعهم من استخدام لغتهم في التعليم وبقمع حرية التعبير وحظر تشكيل الأحزاب واعتقال المعارضين والتنكيل بهم وعدم إعطائهم نصيبهم المشروع في مشروعات التنمية فتفشَّي الفقر في أوساطهم واضطروا للاحتجاج، وتكوين جبهات مسلحة لإجبار النظام علي تحقيق مطالبهم وإلاَّ طالبوا بالانفصال.وكانت أحدث المواجهات مع السلطة عندما دافعوا عن أرضهم التي أرادت الحكومة اقتطاع 120 كم2 منها لمشاريع استثمارية وتوسيع نطاق العاصمة وأجبروها علي تجميد المشروع. ولولا التهميش لما تمرد أبناء جنوب السودان طوال 38 عاماً انتهت بحصولهم علي حق تقرير المصير، ثم الانفصال عام 2011 عن السودان ولم تمض سنتان حتي أصابت لعنة التهميش الدولة الوليدة نفسها فاندلع صراع بين عرقية الدينكا المهيمنة علي السلطة وعرقيات أخري في مقدمتها النوير والشُّلك واندلعت حرب أهلية أخري لم تنته حتي الآن.وفي نيجيريا نظم الانفصاليون عشرات الاحتجاجات في إقليم بيافرا ومنطقة دلتا النيجر المنتجة للبترول مطالبين بالانفصال احتجاجاً علي تردي أوضاعهم المعيشية وانتشار التلوث البترولي الذي قضي علي الكثير من زراعاتهم وسط مخاوف من تكرار الحرب الأهلية التي راح ضحيتها مليون إنسان بين 1967 و1970 عند محاولة الانفصال بالإقليم.ومازالت جماعات عديدة في الجنوب تحتج وتدعو للانفصال رغم مواجهتها بعنف من قوات الأمن، بينما لم تبذل الحكومات المتتالية جهوداً كافية لحل مشاكلهم. ولو توافرت العدالة في توزيع مشاريع التنمية والحقوق السياسية وتم احترام خصوصية العرقيات وأصحاب الأديان لما تمرد الطوارق علي حكومات مالي المتعاقبة وتمكنوا من الانفصال بشمال البلد عام 2012 ثم انتهز المتطرفون الفرصةً وأقاموا إمارة إسلامية قبل أن تتدخل فرنسا ودول غرب إفريقيا عسكرياً لإعادة توحيد الدولة ولكن بعد إزهاق آلاف الأرواح وخسائر مادية بملايين الدولارات.ورغم أن المسلمين يشكلون غالبية سكان ساحل العاج فقد عانوا من التهميش السياسي والاقتصادي والثقافي لدرجة أنه لم يرأس البلد سوي مسلم واحد هو الحسن وتارا لطول حرمانهم من المناصب العليا ولم تعترف الحكومات بأعيادهم كأعياد رسمية حتي تسعينيات القرن الماضي.كما تمرد المسلمون في إفريقيا الوسطي مطالبين بحقوقهم المهضومة واستولوا علي الحكم عام 2013 بالقوة المسلحة لفترة قصيرة انتقموا خلالها من المسيحيين الذين ردوا بالمثل وتسبب التهميش في صراع ديني وعرقي يزهق أرواح الكثيرين يومياً،ولولا التدخل السريع لقوات الأممالمتحدة لوقعت حرب أهلية مهلكة. ولو حصل البربر أوالأمازيغ المنتشرون بدول شمال إفريقيا وجزء من الصحراء الكبري علي حقوق متساوية مع العرب وغيرهم ولم يتم تهميشهم سياسياً واقتصادياً ولو تم الإعتراف بهويتهم وثقافتهم في الوقت المناسب لما تكررت احتجاجاتهم.فهم سكان المنطقة الأصليون ومعظمهم مسلمون لكن ثقافتهم مختلفة عن الثقافة العربية،وإن كانت الجزائر قد امتصت غضبهم في يناير الماضي برعاية احتفالاتهم بسنة 2979 الأمازيجية الجديدة واعترف الدستور العام الماضي بلغتهم كلغة رسمية إلي جانب العربية إلاَّ أنه قد لا يمنعهم من استئناف الإحتجاجات إذا حدث تجاهل لمطالبهم في التنمية وتحسين أحوال المعيشة.كما أعلن أمازيغ ليبيا(20% من السكان)الأمازيغية لغة رسمية في مناطقهم كخطوة أولي للحفاظ علي هويتهم رداً علي رفض السلطات إدراجها إلي جانب العربية في الدستور الجديد.وشهدت منطقة الريف المغربية وخاصةً مدينة الحُسيمة مظاهرات متتالية احتجاجاً علي تردي مستوي المعيشة وضعف التنمية، وارتفاع نسبة البطالة، وسوء تعامل الأمن معهم، وللمطالبة بحق العمل والتعليم والعلاج والمساواة مع بقية المناطق وتضامن معهم متظاهرون في العاصمة الرباط وغيرها من المدن. لمزيد من مقالات عطية عيسوى