أسعار الأسماك بكفر الشيخ الجمعة 3 أكتوبر 2025    مصر جاهزة لاسقبال مياه الفيضان وتحذيرات لأهالى طرح النهر بالمنوفية.. فيديو    وزير قطاع الأعمال العام يشهد تكريم الشركات المصرية المشاركة في صيانة "كيما"    سعر بنزين 92 اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 فى محطات الوقود    وزيرة داخلية بريطانيا تنتقد احتجاجات دعم غزة بعد هجوم مانشستر وتصفه بالمشين    الاستخبارات الدنماركية: "خطر كبير" يستهدف القوات المسلحة    الأمم المتحدة: الحديث عن منطقة آمنة في جنوب غزة مهزلة    قائمة الخطيب تتقدم رسميا لخوض انتخابات النادى الأهلى    محمد زيدان يتعرض لأزمة صحية ونقله لأحد المستشفيات    سيف الدرع نجم مصري يحلق بكرة اليد فى العالمية بقميص برشلونة    وزارة النقل تناشد المواطنين المشاركة بالتوعية للحفاظ على مرفق السكك الحديدية    الداخلية تواصل ضرباتها ضد المخالفات بضبط 4124 قضية كهرباء و1429 بالمواصلات    أنا اللى هحلق الأول.. جريمة قتل مأساوية داخل محل حلاقة فى أكتوبر    ضبط أحد الأشخاص و3 سيدات لقيامهم بممارسة الأعمال المنافية للآداب بمقابل مالي بالإسكندرية    سامح حسين: فوجئت بفكرة فيلم استنساخ واتمنيت منوصلش للزمن ده    "فيها إيه يعنى" يحقق انطلاقة قوية بأكثر من 5 ملايين جنيه فى يومين فقط    اليوم العالمى للابتسامة.. 3 أبراج البسمة مش بتفارق وشهم أبرزهم الجوزاء    حفلة الإنس والشياطين: ورأيت كاتبًا يتسكع فى فن القصة القصيرة    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    حكم البيع الإلكترونى بعد الأذان لصلاة الجمعة.. الإفتاء تجيب    نجاح أول جراحة قلب مفتوح داخل مستشفى النصر التخصصى ببورسعيد    «استشاري حساسية» يحذر أجهزة الجيم ملوثة 74 مرة أكتر من الحمامات    7 قرارات جمهورية مهمة وتكليفات رئاسية حاسمة للحكومة ورسائل قوية للمصريين    «نظام اللعب السبب».. رد مفاجئ من سلوت بعد غياب محمد صلاح عن التسجيل    «العمل» تحرر 6185 محضرًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 22 يومًا    مخرج «استنساخ»: سامح حسين مغامر واعتبره رمزًا تأثرت به كثيرًا    انتخابات مجلس النواب.. أسماء محافظات المرحلة الثانية    السد العالي والناس الواطية!    جامعة قناة السويس تشارك في معرض تراثنا الدولي (صور)    محافظ الإسكندرية يعلن الانتهاء من رصف وإعادة الشيء لأصله في 16 شارعاً (صور)    استشاري تغذية علاجية: الأضرار المحتملة من اللبن تنحصر في حالتين فقط    فوائد السمك للطفل الرضيع وشروط تقديمه    مواعيد مباريات الجمعة 3 أكتوبر.. البنك الأهلي ضد المصري والدوري الإنجليزي    الصين تدعو لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    الزمالك يختتم تدريباته اليوم استعدادًا لمواجهة غزل المحلة    بريطانيا..مقتل 2 وإصابة 4 في هجوم دهس وطعن خارج كنيس يهودي    القبض على قاتل شاب بقرية ميت كنانة في القليوبية إثر خلاف مالي    إسرائيل تستهدف منظومة دفاعية لحزب الله في جنوب لبنان    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 3-10-2025 في محافظة قنا    تصريح صادم من سماح أنور عن المخرجة كاملة أبو ذكري    الفيضان قادم.. والحكومة تناشد الأهالي بإخلاء هذه المناطق فورا    ترامب يستغل الإغلاق الحكومي لشن عمليات فصل وعقاب سياسي    ليلى علوي تنهار من البكاء خلال مهرجان الإسكندرية.. اعرف التفاصيل    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    مواقيت الصلاة اليوم وموعد خطبة الجمعة 3-10-2025 في بني سويف    «كوكا حطه في جيبه».. أحمد بلال ينتقد بيزيرا بعد مباراة القمة (فيديو)    الشاعر مصطفى حدوتة بعد ترشح أغنيته للجرامي: حدث تاريخي.. أول ترشيح مصري منذ 20 عامًا    سورة الكهف يوم الجمعة: نور وطمأنينة وحماية من فتنة الدجال    بالصور.. مصرع طفلة وإصابة سيدتين في انهيار سقف منزل بالإسكندرية    مختار نوح: يجب محاسبة محمد حسان على دعواته للجهاد في سوريا    اللجنة النقابية تكشف حقيقة بيان الصفحة الرسمية بشأن تطبيق الحد الأدنى للأجور    رابط التقييمات الأسبوعية 2025/2026 على موقع وزارة التربية والتعليم (اعرف التفاصيل)    سعر التفاح والموز والفاكهة في الأسواق اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025    «أفضل صفقة».. باسم مرسي يتغزل في مهاجم الزمالك    نائب محافظ سوهاج يكرم 700 طالب و24 حافظًا للقرآن الكريم بشطورة| فيديو وصور    حزب الإصلاح والنهضة يدشّن حملته الانتخابية للنواب 2025 باستعراض استراتيجيته الدعائية والتنظيمية    أتربة عالقة في الأجواء .. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الجمعة 3 أكتوبر 2025    «هيدوب في بوقك».. طريقة سهلة لعمل الليمون المخلل في البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع القبائل فى السودان على السلطة والنفوذ
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 01 - 2011

يتجاهل الإعلام الدولي والعربي الحديث عن إمكانات تقسيم دولة مثل جنوب السودان الوليدة‏,‏ ويركز فقط لاغير علي احتمالات تقسيم شمال السودان‏,‏ علي الرغم من أن الجنوب يعيش فوق فوهة بركان. ينذر باشتعال صراعات ونزاعات حادة ودامية قد تصل إلي الحرب الأهلية الداخلية بعد أن تنتهي أشباح الصراع بين الشمال والجنوب‏,‏ويدخل الجميع في نفق الوضع الجديد بتناقضاته وحساسياته‏,‏ ومع غياب اللحظة الراهنة فإن الحشد والتكتل لمواجهة عدو مشترك تنتهي مبرراته بقيام الدولة والاستقلال وتتفرغ كل الأطراف في الجنوب لتصفية الحسابات القديمة وهي كثيرة ومتعددة مهما بقي الكثير منها لفترة طويلة تحت الرماد‏,‏ وتواجه دولة الجنوب حقول ألغام واسعة النطاق في مقدمتها تعدد الأجناس حتي لو اتحدوا في لحظة تحت مظله غامضة هي الزنوجة والهوية الإفريقية في مواجهة العروبة والهوية العربية والإسلام‏,‏ ففي الواقع وعلي الأرض هناك‏500‏ قبيلة يتمسك كل منها بأصولها وهويتها تختلف لغاتها ولهجاتها وتتصادم مصالحها وطموحاتها وتتوزع بين الأديان السماوية المسيحية والإسلام‏,‏ ويبقي جانبا مهما منها علي انتمائه لعقائده القديمة الموروثة‏.‏
وكما يوجد في شمال السودان في دارفور ميليشيات مسلحة وحركات تمرد ضد الحكومة وفي بعض المناطق الأخري‏,‏ فإن جنوب السودان وعلي امتداد العقود الماضية كانت توجد به ميليشيات مسلحة وحركات تمرد تعمل ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان‏,‏ وتصل لحظات الصدام فيما بينها إلي درجة عالية من الاقتتال الدامي والمروع‏,‏ وترصد التقارير الدولية أن هناك نحو‏50‏ فصيلا مسلحا في السودان غالبيتها العظمي في الجنوب‏,‏ وهي فصائل تتقاتل فيما بينها وتتصارع‏,‏ وشهد الجنوب هدوء نسبيا في المعارك الدائرة بينها انتظارا للحظة الانفصال والاستقلال باعتبارها المعركة الكبري لكل الأطراف‏,‏ وإن كان ذلك لا ينفي أن الحركة الشعبية كان لها ذراع سياسية في الشمال بحكم وجودها في الحكومة السودانية‏,‏ وبحكم وجودها في البرلمان السوداني‏,‏ مع وجودها في الشارع بحكم ملايين المهاجرين من الجنوب إلي الشمال الذين يتمركزون بالدرجة الأولي في العاصمة الخرطوم‏,‏ وفي أم درمان بحثا عن فرص العمل والرزق والحياة‏,‏ وتصل بعض التقديرات إلي أحاديث عن‏4‏ ملايين لاجيء جنوبي في الشمال‏,‏ وهو رقم لو صح لكان معناه أن نصف سكان الجنوب من اللاجئين بالشمال وهي اشكالية كبيرة في المستقبل القريب‏.‏
الصراعات المسلحة داخل الحركة الشعبية والمجازر الدموية
وهناك تاريخ دام من الصراع داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان‏,‏ وفي عام‏1991‏ حاول قادة بالحركة من قبائل الشلك والنوير الإطاحة بزعيم الحركة جون جارانج‏,‏ وتشير التقديرات إلي أن حركة التمرد راح ضحيتها نحو مائة ألف قتيل في قري قبيلة الدنكا صاحبة الثقل البشري الكبير بين قبائل الجنوب‏,‏ وذلك في منطقة النيل الأعلي‏,‏ كما حدثت مجازر داخلية بين قبائل الجنوب مع وفاة جون جارانج الغامضة في حادث سقوط طائرة في أغسطس عام‏2005‏ بعد توقيع اتفاق السلام بين الشمال والجنوب‏,‏ وهناك رفض واسع النطاق لسطوة وسيطرة قبيلة الدنكا علي الحركة الشعبية‏,‏ وعلي الجيش الشعبي والحكومة والمؤسسات الأمنية والمدنية‏,‏ وهي ظاهرة يطلق عليها المعارضون دنكاقراطية علي غرار الأوتوقراطية التي هي علامة مسجلة لحكم الأقلية الديني بحكم الدور المؤثر للكنيسة والانتماء المسيحي في توزيع المناصب القيادية العليا إلي درجة الاحتكار التام الذي يستبعد المسلمين ويستبعد الوثنيين حتي وإن حافظ علي درجة ما من درجات التوازن في توزيع المناصب القيادية في هرم الحركة الشعبية التي تستأثر بالحكم منذ توقيع اتفاق السلام‏,‏ وتدير دفة الأمور السياسية والعسكرية والاقتصادية‏.‏
وقد سعت الحركة الشعبية عقب التمرد ضد جون جارانج عام‏1991‏ إلي إرضاء القبائل الكبري النوير والشلك بالمشاركة مع قبيلة الدنكا في قمة هرم السلطة‏,‏ ويرأس الحركة الشعبية سلفا كير‏,‏ وهو في الوقت نفسه يشغل منصب رئيس الوزراء ونائب رئيس جمهورية السودان لشئون الجنوب حتي يعلن الانفصال الرسمي في‏9‏ يوليو المقبل وفقا لترتيبات اتفاق السلام‏,‏ وتتحدث التقارير الصحفية عن ان زوجته يهودية وهو من الدنكا التي يقال إنه ينتمي إليها نحو‏50%‏ من الجنوبيين‏,‏ مع الأخذ في الاعتبار عدم توافر بيانات وإحصائيات موثقة ودقيقة عن توزيعات الانتماء القبلي أو الديني أو العقيدي في الجنوب‏,‏ والرجل الثاني في الحكومة والحركة هو رياك مشار من قبيلة النوير التي ينتمي إليها‏,‏ كما يقال نحو‏20%‏ من الجنوبيين‏,‏ أما الرجل الثالث فهو جيمس داني من قبيلة الباري الممثلة لقبائل المنطقة الاستوائية‏,‏ حيث تقع العاصمة جوبا‏,‏ ويشغل باقان أموم منصب الأمين العام للحركة الشعبية‏,‏ وهو وزير في الحكومة وينتمي إلي قبيلة الشلك التي يقال إنها تمثل‏5%‏ من الجنوبيين‏,‏ ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن جميع الوزراء وقيادات الحركة مسيحيون يغلب عليهم المذهب الكاثوليكي‏,‏ في حين ينتمي البعض إلي المذهب البروتستانتي‏,‏ وليس هناك وزراء من المسلمين‏,‏ كما أن غالبية أعضاء البرلمان من المسيحيين‏,‏ وهناك أقلية من المسلمين‏,‏ وكذلك الحال في قيادة الجيش الشعبي الذي يشكل واقعيا جيش الجنوب الرسمي‏,‏ وكذلك الحال في المؤسسات الأمنية والشرطة‏.‏
ومع تصاعد شكوي قبائل الجنوب من هيمنة قبيلة الدنكا علي مفاصل المؤسسات الحكومية والجيش والشرطة‏,‏ فإن الحركة الشعبية تسعي خلال السنوات الأخيرة إلي لعبة الترضيات للقبائل‏,‏ خاصة مع اتفاق السلام وحصول حكومة الجنوب علي‏50%‏ من إيرادات النفط التي تشير التقديرات إلي أن قيمتها تصل إلي نحو ملياري دولار سنويا منذ توقيع اتفاق السلام عام‏2005,‏ حيث توضح المصادر أن جملة ما حصلت عليه حكومة الجنوب يبلغ‏9‏ مليارات دولار حتي الاستفتاء‏,‏ ويستوعب الجيش الشعبي الجزء الأكبر والمهم من هذه الإيرادات‏,‏ وتعد تشكيلاته البوابة الرئيسية للترضيات من خلال استحداث تشكيلات عسكرية جديدة ورتب عسكرية كثيرة لإرضاء قبيلة هنا وقبيلة هناك بالرتب والرواتب‏,‏ كما يتم توزيع مناصبه القيادية بأسلوب يشابه التوزيع القائم في الحركة الشعبية بين القبائل الكبري‏,‏ وقد صنع ذلك الواقع حساسيات عديدة‏,‏ ويعتبره الكثيرون من قبائل الاستوائية مثل الباري والمنداري والزندي بمثابة مصادرة للسلطة والنفوذ بالاتفاق بين القبيلتين الأكبر الدنكا والنوير اللتين تسعيان للتحول إلي قبائل أرستقراطية تتحكم في مقدرات الجنوب وموارده‏,‏ بما يحقق مصالحها بالدرجة الأولي‏,‏ وعلي حساب باقي القبائل‏.‏
قبائل الجنوب المساندة للشمال وقنبلة جيش الرب الاوغندي
وفي النطاق القبلي‏,‏ فإن هناك إشكاليات أخري مهمة ترتبط بوقائع تاريخ الحرب الأهلية منذ اشتعالها في عام‏1983,‏ في مقدمتها أن هناك نحو‏30‏ قبيلة جنوبية كانت دائما علي خط الموالاة مع جيش الحكومة السودانية وكانت لها فصائلها المسلحة المنتشرة حتي الآن في الجنوب مثل جيش جوزيف كوني‏,‏ وهناك أيضا مشكلة جيش الرب للمقاومة الأوغندي الذي ينتشر أيضا في الكونجو‏,‏ ويمتد حاليا في إفريقيا الوسطي ومناطق متفرقة من الجنوب‏,‏ وقد دخل طرفا في حرب الجنوب لفترات متقطعة‏,‏ واتهمت حكومة الخرطوم باستخدامه في حربها ضد الجنوب‏,‏ مع الأخذ في الاعتبار أن جيش الرب يقود حربا ضد الحكومة الأوغندية منذ نحو عقدين من الزمن‏,‏ ومع انحياز الحكومة وعلاقاتها الوثيقة بالحركة الشعبية‏,‏ ودورها الكبير في مدها بالسلاح والعتاد كوسيط في أغلب الاحيان لأطراف دولية في مقدمتها أمريكا وإسرائيل‏,‏ فإن هناك صراعا طبيعيا بين جيش الرب والحركة الشعبية‏,‏ وفي ظل الطابع العنصري لجيش الرب واستهدافه بالأساس للأوغنديين من جنس الأشولي ونجاحه في إجبار نحو مليونين منهم علي هجر قراهم ومنازلهم‏,‏ فإن هذا الجيش عنصر تأجيج للصراع العرقي الجنسي في منطقة شرق إفريقيا امتدادا إلي دولة الجنوب الوليدة‏.‏
ومما يزيد هواجس الصراع والحرب الأهلية في دولة الجنوب الوليدة أن منطقة شرق إفريقيا شهدت علي امتداد السنوات الماضية حروبا أهلية دامية ارتكزت علي صراع الأعراق والجنس والقبائل وكان أكثرها دموية ومأساوية الحرب الأهلية في رواندا التي راح ضحيتها أكثر من مليوني مواطن وعنوانها الكبير الصراع بين قبائل الموتو وقبائل التوتسي‏,‏ علي الرغم من أن كليهما قبائل زنجية هويتها إفريقية‏,‏ مما يثبت أن أحاديث الزنوجة والهوية الإفريقية لا تملك مضمونا حقيقيا علي أرض الواقع‏,‏ وأنها تستخدم ويتم تفعيلها فقط في نطاق مخططات وافدة من الخارج‏,‏ أما الصراع الحقيقي فإنه قائم بين أبناء الجنس الواحد إذا جاز استخدام هذا التعبير علميا وعلي الرغم من عودة الاستقرار نسبيا إلي رواندا‏,‏ فإن ذيول الميليشيات العسكرية للتوتسي والهوتو مازالت موجودة عبر الحدود‏,‏ خاصة في الكونجو‏,‏ وانتقال عدوي التوتسي والهوتو التي تمت بمباركة من بلجيكا وفرنسا وأمريكا‏,‏ وبدعم للأطراف المتحاربة بالأسلحة والذخيرة والمؤن‏,‏ ويرفض التدخل لحماية البشر العاجزين عن حماية أنفسهم في مواجهة مجازر الآباء من الجماعية وفقا لمعيار الهوية فقط لا غير‏.‏
مطالب عودة الجيش الشعبي للثكنات وقيام الحكم المدني
وتواجه دولة الجنوب الوليدة إشكالية شديدة الأهمية ترتبط بضرورة إقامة الحكم المدني وفرض سطوته وسيطرته علي الدولة الوليدة‏,‏ وإنهاء المرحلة الراهنة التي تحكم فيها الجيش الشعبي في مقاليد الأمور بحكم ظروف الصراع والحرب بين الشمال والجنوب‏,‏ ومع إعلان قيام الدولة فإن عودة الجيش الشعبي إلي ثكناته بالمعني الكامل للكلمة‏,‏ وفصل الدولة عن الجيش يصبح هو التحدي الأول والكبير لأنه يعني ترك أمور وشئون الحكم للمواطنين يقررونها عبر صناديق الاقتراع‏,‏ كما قرروا اختيار الانفصال والاستقلال عبرها‏,‏ كما تواجه الدولة الوليدة إشكالية فصل الدولة عن الكنيسة بوزنها الضخم والمؤثر في مسيرة الانفصال والاستقلال‏,‏ وبغير تجاوز هذين الأمرين المهمين‏,‏ فإن غياب الدولة المدنية لابد وأن يعني صراعات وحروبا أهلية طاحنة علي أسس عرقية وقبلية وجنسية ودينية وعقائدية‏,‏ خاصة أن واقع الحال يشير إلي افتقاد المواطن للأمن حتي في العاصمة جوبا‏,‏ وهو حال كل العواصم الإفريقية جنوب الصحراء بصورة تهدد الاستثمار والتنمية والأعمال والأنشطة‏,‏ وكذلك الحياة الطبيعية والاعتيادية للمواطن‏.‏
ولو بقيت الأوضاع علي ما هي عليه في جنوب السودان واستمرت المؤسسة العسكرية تحكم الدولة الجديدة‏,‏ فإن مستقبل التنمية يصبح في خطر شديد بحكم أن الغالبية العظمي من الإيرادات تستحوذ عليها بالفعل المؤسسة العسكرية المتضخمة والتي يصعب تسريح الجانب الرئيسي منها من الخدمة‏,‏ وهو ما يعني استمرار حرمان المواطن الجنوبي من حلم التمتع بثمار التنمية في ظل الاستقلال‏,‏ خاصة أن دول شرق إفريقيا كما دول غرب إفريقيا جنوب الصحراء تعاني جميعا سطوة النظم العسكرية علي مقاليد الحكم بها‏,‏ وتوجيه الموارد العامة والمساعدات الخارجية للإنفاق علي الجيش وقوي الأمن واستيراد السلاح في صفقات فساد مروعة بديلا عن استيراد الغذاء وتوفيره‏,‏ وبديلا عن المشروعات التنموية الضرورية‏,‏ كما أن هذه النظم تجيد دائما اختلاق حالة التوتر الداخلي‏,‏ وكذلك التوتر مع الجيران عبر الحدود لتبرير إنفاقها العسكري الكبير‏,‏ ولتبرير القمع والاستبداد‏,‏ وللتغطية علي الفساد الضخم في نظم الحكم وقياداته‏,‏ وتسعي هذه النظم لاسترضاء الدول الغربية وأمريكا للصمت عليها من خلال تحولها إلي أنياب لتنفيذ مخططاتها داخل القارة الإفريقية‏,‏ ومثال ذلك نظام يوري موسيفيني في أوغندا الذي يشارك بنحو نصف قوات حفظ السلام في الصومال إرضاء لأمريكا في مواجهتها ضد الجماعات الإسلامية المسلحة في الوقت نفسه الذي يستخدم فيه حركة جيش الرب المعارضة كفزاعة لتدفق المساعدات بغير أن يكون هناك مسعي حقيقي للسيطرة علي التمرد وإنهائه علي امتداد عقدين من الزمن‏.‏
‏***‏
تضمنت اتفاقية السلام عام‏2005‏ أن يعمل الطرفان في الجنوب والشمال حتي تكون الوحدة جاذبة لمواطني الجنوب‏,‏ وللأسف الشديد فإن طرفي الاتفاق عملا في الاتجاه العكسي تماما حتي يصبح قرار الوحدة مرفوضا وغير جاذب وحتي يصبح قرار الانفصال هو القرار الوحيد الجاذب والمتاح‏,‏ وحتي يتحول إلي طوق ونجاة وأمل وحيد في مستقبل أفضل‏,‏ وأعلن سلفا كير بوضوح وصراحة مطلقة أنه يصوت لمصلحة الانفصال‏,‏ كما أعلن الأمر نفسه قادة الحركة الشعبية‏,‏ في حين سهل قادة السودان وحكامه بكل السبل والوسائل الطريق أمام الانفصال حتي وإن جاءت تصريحاتهم بالحديث عن الوحدة‏.‏
ويجسد أسين بارث ايدي نائب وزير الخارجية النرويج الذي يقدم المشورة للحكومة السودانية والجنوب بشأن قضايا النفط حقيقة الأوضاع المأساوية التي تنتظر الجانبين في الشمال والجنوب‏,‏ مع استفتاء الانفصال بقوله‏:‏ إن الطرفين مؤهلان تماما لتدمير بعضهما بعضا‏,‏ لكن علي حساب تدمير نفسيهما‏.‏
ويعزز هذا التنبؤ الإشكالية الواقعية التي لا يمكن إهمالها أو إنكارها والقائلة إن جنوب السودان يملك حدودا جغرافية مترامية مع الشمال تمتد بطول‏2500‏ كيلومتر‏,‏ وأن هناك حركة بشرية دائمة عبر هذه الحدود لقبائل الشمال والجنوب بحثا عن المرعي والرعي علي مدي العام‏,‏ وأن هذه الحركة البشرية تضم‏9‏ ملايين مواطن‏,‏ بما يعني عدم إمكان الوقوف في وجهها بأي صورة من صور التنظيم والضبط‏,‏ وأن الدولة الجديدة يستحيل عليها ضبط هذه الحركة البشرية الطبيعية بين الشمال والجنوب‏.‏
وتبقي قنبلة أبيي المتفجرة‏,‏ وهي المنطقة الغنية بالنفط مع سعي قبيلة الدنكا نقوك للسيطرة عليها‏,‏ وطرد قبائل المسيرية العربية المسلمة منها‏,‏ علي الرغم من أن المنطقة ضمن الحدود المعترف بها دوليا سنة‏1956,‏ حيث تقع المنطقة شمال الخط الحدودي للشمال بنحو‏49‏ كيلومترا‏,‏ وتضم نحو‏15%‏ من إجمالي النفط الذي يسعي الجنوب للسيطرة عليه‏,‏ وتتحدث الأنباء في الفترة الأخيرة عن تصعيد خطير في أزمة أبيي يرتبط بأحاديث عن قيام الجيش الشعبي بتلغيم المراعي وتجمعات المياة المتوافرة لحرمان المسيرية من الرعي وإجبارها علي النزوح من المنطقة‏,‏ وهي أمور يمكن أن تتسبب في اشتعال نيران مواجهات مسلحة واسعة النطاق‏,‏ ليس فقط بين المسيرية والجيش الشعبي‏,‏ ولكن بين الشمال والجنوب‏,‏ خاصة أن أبيي تخضع وفقا لاتفاق السلام لإدارة الرئيس السوداني مباشرة حتي يتم الاتفاق النهائي علي وضعها‏,‏ وهو الأمر الذي يشك كثيرا في حدوثه‏,‏ بما يبقي علي الألغام المتفجرة لتشعل النيران بين الشمال والجنوب في أي وقت واي لحظة ؟‏!‏
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.