رئيس "الجبهة الوطنية": الفرص متساوية في الترشح لانتخابات "النواب".. والشفافية تحكم الاختيار    محافظ المنوفية يبحث سبل تنفيذ برامج تدريبية تُعد الطلاب لسوق العمل المحلي    25 صورة جوية حديثة.. مسار مترو الأنفاق يشق شوارع الإسكندرية    ما هي تفاصيل المقترح الأمريكي الجديد للهدنة في غزة؟    اهتمام غير متوقع.. دي خيا مرشح للعودة إلى مانشستر يونايتد    "ما السبب؟".. رد حاسم من لجنة الحكام على طلب الأهلي بإيقاف معروف    طالب يخفي لوحات سيارته للهروب من المخالفات.. وتحرك عاجل من الداخلية    "الصحة" تعقد اجتماعًا لبحث مستجدات "زراعة الأعضاء".. واستعراض "حالة استثنائية"    قرار جديد من محافظ الوادي الجديد بشأن سن القبول بالمدرسة الرسمية الدولية    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    سموتريتش يتضامن مع عضو بالكنيست بعد منعه من دخول أستراليا    "عين شمس" ضمن أفضل 700 جامعة عالميا وفق تصنيف شنغهاي 2025    بداية التعاملات .. ارتفاع الذهب 20 جنيها فى مصر.. وحركة ملحوظة فى الأونصة وعيار 21    الجهاز الفني للزمالك يستقر على مهاجم الفريق في لقاء مودرن سبورت    بعثة يد الزمالك تطير إلى رومانيا لخوض معسكر الإعداد للموسم الجديد    أرباح "أموك" للزيوت المعدنية ترتفع طفيفا إلى 1.55 مليار جنيه في 6 أشهر    "نفسي ابقى أم".. اعترافات المتهمة بخطف طفل في مستشفى الوايلي    "كان بيطفي النار".. إصابة شاب في حريق شقة سكنية بسوهاج (صور)    بعد رحيل تيمور تيمور.. شريف حافظ: الموضوع اتكرر كتير    "صيف بلدنا" ببورسعيد يواصل لياليه باستعراضات متنوعة لفرقة المنيا للفنون الشعبية|صور    الفنانة مي عز الدين تخطف الأنظار فى أحدث ظهور من إجازتها الصيفية    المفتي يوضح حكم صلاة الجنازة على الغريق المفقود    برلماني: هل تمتلك "الزراعة"خطة واضحة لرفع كفاءة الإنتاج تكنولوجيًّا؟    مقترح برلماني لتعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا    غلق 152 من المحال لعدم الالتزام بقرار الغلق ترشيدًا للكهرباء    غرق شاب بأحد شواطئ مدينة القصير جنوب البحر الأحمر    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: دخول 266 شاحنة مساعدات منذ الجمعة والاحتلال سهل سرقة معظمها    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    بالفيديو.. الغرف التجارية: متابعة دائمة من الأجهزة الرقابية لتطبيق التخفيضات خلال الأوكازيون    الجمعة.. ويجز يحيي حفلًا بمهرجان العلمين    إيرادات أفلام موسم الصيف.. "درويش" يتصدر شباك التذاكر و"روكي الغلابة" يواصل المنافسة    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    "ذا ناشيونال": مصر وقطر يعدان مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    إصابة 14 شخصا إثر حادث سير في أسوان    نشأت الديهي يكشف مخططات «إخوان الخارج» لاستهداف مصر    وزيرة التضامن الاجتماعي: دعم مصر لقطاع غزة لم يكن وليد أحداث السابع من أكتوبر    أسعار اللحوم اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025 في أسواق الأقصر    «التعليم» ترسل خطابًا بشأن مناظرة السن في المرحلة الابتدائية لقبول تحويل الطلاب من الأزهر    وفاة شاب صدمته سيارة مسرعة بطريق القاهرة – الفيوم    "الأغذية العالمى": نصف مليون فلسطينى فى غزة على شفا المجاعة    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    «الصحة» تكشف عن 10 نصائح ذهبية للوقاية من الإجهاد الحراري    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    إسرائيل تقر خطة احتلال مدينة غزة وتعرضها على وزير الدفاع غدا    محافظة بورسعيد.. مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    التعليم تحسم الجدل : الالتحاق بالبكالوريا اختياريا ولا يجوز التحويل منها أو إليها    دار الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    ارتفاع سعر اليورو اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    كم سجل عيار 21 الآن؟ أسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات الاثنين 18 أغسطس 2025    "2 إخوات أحدهما لاعب كرة".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة إمام عاشور نجم الأهلي    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    رضا عبد العال: خوان ألفينا "هينَسي" الزملكاوية زيزو    ماكرون: لا أستبعد أن تعترف أوكرانيا بفقدان أراضيها ضمن معاهدة سلام    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع القبائل فى السودان على السلطة والنفوذ
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 01 - 2011

يتجاهل الإعلام الدولي والعربي الحديث عن إمكانات تقسيم دولة مثل جنوب السودان الوليدة‏,‏ ويركز فقط لاغير علي احتمالات تقسيم شمال السودان‏,‏ علي الرغم من أن الجنوب يعيش فوق فوهة بركان. ينذر باشتعال صراعات ونزاعات حادة ودامية قد تصل إلي الحرب الأهلية الداخلية بعد أن تنتهي أشباح الصراع بين الشمال والجنوب‏,‏ويدخل الجميع في نفق الوضع الجديد بتناقضاته وحساسياته‏,‏ ومع غياب اللحظة الراهنة فإن الحشد والتكتل لمواجهة عدو مشترك تنتهي مبرراته بقيام الدولة والاستقلال وتتفرغ كل الأطراف في الجنوب لتصفية الحسابات القديمة وهي كثيرة ومتعددة مهما بقي الكثير منها لفترة طويلة تحت الرماد‏,‏ وتواجه دولة الجنوب حقول ألغام واسعة النطاق في مقدمتها تعدد الأجناس حتي لو اتحدوا في لحظة تحت مظله غامضة هي الزنوجة والهوية الإفريقية في مواجهة العروبة والهوية العربية والإسلام‏,‏ ففي الواقع وعلي الأرض هناك‏500‏ قبيلة يتمسك كل منها بأصولها وهويتها تختلف لغاتها ولهجاتها وتتصادم مصالحها وطموحاتها وتتوزع بين الأديان السماوية المسيحية والإسلام‏,‏ ويبقي جانبا مهما منها علي انتمائه لعقائده القديمة الموروثة‏.‏
وكما يوجد في شمال السودان في دارفور ميليشيات مسلحة وحركات تمرد ضد الحكومة وفي بعض المناطق الأخري‏,‏ فإن جنوب السودان وعلي امتداد العقود الماضية كانت توجد به ميليشيات مسلحة وحركات تمرد تعمل ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان‏,‏ وتصل لحظات الصدام فيما بينها إلي درجة عالية من الاقتتال الدامي والمروع‏,‏ وترصد التقارير الدولية أن هناك نحو‏50‏ فصيلا مسلحا في السودان غالبيتها العظمي في الجنوب‏,‏ وهي فصائل تتقاتل فيما بينها وتتصارع‏,‏ وشهد الجنوب هدوء نسبيا في المعارك الدائرة بينها انتظارا للحظة الانفصال والاستقلال باعتبارها المعركة الكبري لكل الأطراف‏,‏ وإن كان ذلك لا ينفي أن الحركة الشعبية كان لها ذراع سياسية في الشمال بحكم وجودها في الحكومة السودانية‏,‏ وبحكم وجودها في البرلمان السوداني‏,‏ مع وجودها في الشارع بحكم ملايين المهاجرين من الجنوب إلي الشمال الذين يتمركزون بالدرجة الأولي في العاصمة الخرطوم‏,‏ وفي أم درمان بحثا عن فرص العمل والرزق والحياة‏,‏ وتصل بعض التقديرات إلي أحاديث عن‏4‏ ملايين لاجيء جنوبي في الشمال‏,‏ وهو رقم لو صح لكان معناه أن نصف سكان الجنوب من اللاجئين بالشمال وهي اشكالية كبيرة في المستقبل القريب‏.‏
الصراعات المسلحة داخل الحركة الشعبية والمجازر الدموية
وهناك تاريخ دام من الصراع داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان‏,‏ وفي عام‏1991‏ حاول قادة بالحركة من قبائل الشلك والنوير الإطاحة بزعيم الحركة جون جارانج‏,‏ وتشير التقديرات إلي أن حركة التمرد راح ضحيتها نحو مائة ألف قتيل في قري قبيلة الدنكا صاحبة الثقل البشري الكبير بين قبائل الجنوب‏,‏ وذلك في منطقة النيل الأعلي‏,‏ كما حدثت مجازر داخلية بين قبائل الجنوب مع وفاة جون جارانج الغامضة في حادث سقوط طائرة في أغسطس عام‏2005‏ بعد توقيع اتفاق السلام بين الشمال والجنوب‏,‏ وهناك رفض واسع النطاق لسطوة وسيطرة قبيلة الدنكا علي الحركة الشعبية‏,‏ وعلي الجيش الشعبي والحكومة والمؤسسات الأمنية والمدنية‏,‏ وهي ظاهرة يطلق عليها المعارضون دنكاقراطية علي غرار الأوتوقراطية التي هي علامة مسجلة لحكم الأقلية الديني بحكم الدور المؤثر للكنيسة والانتماء المسيحي في توزيع المناصب القيادية العليا إلي درجة الاحتكار التام الذي يستبعد المسلمين ويستبعد الوثنيين حتي وإن حافظ علي درجة ما من درجات التوازن في توزيع المناصب القيادية في هرم الحركة الشعبية التي تستأثر بالحكم منذ توقيع اتفاق السلام‏,‏ وتدير دفة الأمور السياسية والعسكرية والاقتصادية‏.‏
وقد سعت الحركة الشعبية عقب التمرد ضد جون جارانج عام‏1991‏ إلي إرضاء القبائل الكبري النوير والشلك بالمشاركة مع قبيلة الدنكا في قمة هرم السلطة‏,‏ ويرأس الحركة الشعبية سلفا كير‏,‏ وهو في الوقت نفسه يشغل منصب رئيس الوزراء ونائب رئيس جمهورية السودان لشئون الجنوب حتي يعلن الانفصال الرسمي في‏9‏ يوليو المقبل وفقا لترتيبات اتفاق السلام‏,‏ وتتحدث التقارير الصحفية عن ان زوجته يهودية وهو من الدنكا التي يقال إنه ينتمي إليها نحو‏50%‏ من الجنوبيين‏,‏ مع الأخذ في الاعتبار عدم توافر بيانات وإحصائيات موثقة ودقيقة عن توزيعات الانتماء القبلي أو الديني أو العقيدي في الجنوب‏,‏ والرجل الثاني في الحكومة والحركة هو رياك مشار من قبيلة النوير التي ينتمي إليها‏,‏ كما يقال نحو‏20%‏ من الجنوبيين‏,‏ أما الرجل الثالث فهو جيمس داني من قبيلة الباري الممثلة لقبائل المنطقة الاستوائية‏,‏ حيث تقع العاصمة جوبا‏,‏ ويشغل باقان أموم منصب الأمين العام للحركة الشعبية‏,‏ وهو وزير في الحكومة وينتمي إلي قبيلة الشلك التي يقال إنها تمثل‏5%‏ من الجنوبيين‏,‏ ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن جميع الوزراء وقيادات الحركة مسيحيون يغلب عليهم المذهب الكاثوليكي‏,‏ في حين ينتمي البعض إلي المذهب البروتستانتي‏,‏ وليس هناك وزراء من المسلمين‏,‏ كما أن غالبية أعضاء البرلمان من المسيحيين‏,‏ وهناك أقلية من المسلمين‏,‏ وكذلك الحال في قيادة الجيش الشعبي الذي يشكل واقعيا جيش الجنوب الرسمي‏,‏ وكذلك الحال في المؤسسات الأمنية والشرطة‏.‏
ومع تصاعد شكوي قبائل الجنوب من هيمنة قبيلة الدنكا علي مفاصل المؤسسات الحكومية والجيش والشرطة‏,‏ فإن الحركة الشعبية تسعي خلال السنوات الأخيرة إلي لعبة الترضيات للقبائل‏,‏ خاصة مع اتفاق السلام وحصول حكومة الجنوب علي‏50%‏ من إيرادات النفط التي تشير التقديرات إلي أن قيمتها تصل إلي نحو ملياري دولار سنويا منذ توقيع اتفاق السلام عام‏2005,‏ حيث توضح المصادر أن جملة ما حصلت عليه حكومة الجنوب يبلغ‏9‏ مليارات دولار حتي الاستفتاء‏,‏ ويستوعب الجيش الشعبي الجزء الأكبر والمهم من هذه الإيرادات‏,‏ وتعد تشكيلاته البوابة الرئيسية للترضيات من خلال استحداث تشكيلات عسكرية جديدة ورتب عسكرية كثيرة لإرضاء قبيلة هنا وقبيلة هناك بالرتب والرواتب‏,‏ كما يتم توزيع مناصبه القيادية بأسلوب يشابه التوزيع القائم في الحركة الشعبية بين القبائل الكبري‏,‏ وقد صنع ذلك الواقع حساسيات عديدة‏,‏ ويعتبره الكثيرون من قبائل الاستوائية مثل الباري والمنداري والزندي بمثابة مصادرة للسلطة والنفوذ بالاتفاق بين القبيلتين الأكبر الدنكا والنوير اللتين تسعيان للتحول إلي قبائل أرستقراطية تتحكم في مقدرات الجنوب وموارده‏,‏ بما يحقق مصالحها بالدرجة الأولي‏,‏ وعلي حساب باقي القبائل‏.‏
قبائل الجنوب المساندة للشمال وقنبلة جيش الرب الاوغندي
وفي النطاق القبلي‏,‏ فإن هناك إشكاليات أخري مهمة ترتبط بوقائع تاريخ الحرب الأهلية منذ اشتعالها في عام‏1983,‏ في مقدمتها أن هناك نحو‏30‏ قبيلة جنوبية كانت دائما علي خط الموالاة مع جيش الحكومة السودانية وكانت لها فصائلها المسلحة المنتشرة حتي الآن في الجنوب مثل جيش جوزيف كوني‏,‏ وهناك أيضا مشكلة جيش الرب للمقاومة الأوغندي الذي ينتشر أيضا في الكونجو‏,‏ ويمتد حاليا في إفريقيا الوسطي ومناطق متفرقة من الجنوب‏,‏ وقد دخل طرفا في حرب الجنوب لفترات متقطعة‏,‏ واتهمت حكومة الخرطوم باستخدامه في حربها ضد الجنوب‏,‏ مع الأخذ في الاعتبار أن جيش الرب يقود حربا ضد الحكومة الأوغندية منذ نحو عقدين من الزمن‏,‏ ومع انحياز الحكومة وعلاقاتها الوثيقة بالحركة الشعبية‏,‏ ودورها الكبير في مدها بالسلاح والعتاد كوسيط في أغلب الاحيان لأطراف دولية في مقدمتها أمريكا وإسرائيل‏,‏ فإن هناك صراعا طبيعيا بين جيش الرب والحركة الشعبية‏,‏ وفي ظل الطابع العنصري لجيش الرب واستهدافه بالأساس للأوغنديين من جنس الأشولي ونجاحه في إجبار نحو مليونين منهم علي هجر قراهم ومنازلهم‏,‏ فإن هذا الجيش عنصر تأجيج للصراع العرقي الجنسي في منطقة شرق إفريقيا امتدادا إلي دولة الجنوب الوليدة‏.‏
ومما يزيد هواجس الصراع والحرب الأهلية في دولة الجنوب الوليدة أن منطقة شرق إفريقيا شهدت علي امتداد السنوات الماضية حروبا أهلية دامية ارتكزت علي صراع الأعراق والجنس والقبائل وكان أكثرها دموية ومأساوية الحرب الأهلية في رواندا التي راح ضحيتها أكثر من مليوني مواطن وعنوانها الكبير الصراع بين قبائل الموتو وقبائل التوتسي‏,‏ علي الرغم من أن كليهما قبائل زنجية هويتها إفريقية‏,‏ مما يثبت أن أحاديث الزنوجة والهوية الإفريقية لا تملك مضمونا حقيقيا علي أرض الواقع‏,‏ وأنها تستخدم ويتم تفعيلها فقط في نطاق مخططات وافدة من الخارج‏,‏ أما الصراع الحقيقي فإنه قائم بين أبناء الجنس الواحد إذا جاز استخدام هذا التعبير علميا وعلي الرغم من عودة الاستقرار نسبيا إلي رواندا‏,‏ فإن ذيول الميليشيات العسكرية للتوتسي والهوتو مازالت موجودة عبر الحدود‏,‏ خاصة في الكونجو‏,‏ وانتقال عدوي التوتسي والهوتو التي تمت بمباركة من بلجيكا وفرنسا وأمريكا‏,‏ وبدعم للأطراف المتحاربة بالأسلحة والذخيرة والمؤن‏,‏ ويرفض التدخل لحماية البشر العاجزين عن حماية أنفسهم في مواجهة مجازر الآباء من الجماعية وفقا لمعيار الهوية فقط لا غير‏.‏
مطالب عودة الجيش الشعبي للثكنات وقيام الحكم المدني
وتواجه دولة الجنوب الوليدة إشكالية شديدة الأهمية ترتبط بضرورة إقامة الحكم المدني وفرض سطوته وسيطرته علي الدولة الوليدة‏,‏ وإنهاء المرحلة الراهنة التي تحكم فيها الجيش الشعبي في مقاليد الأمور بحكم ظروف الصراع والحرب بين الشمال والجنوب‏,‏ ومع إعلان قيام الدولة فإن عودة الجيش الشعبي إلي ثكناته بالمعني الكامل للكلمة‏,‏ وفصل الدولة عن الجيش يصبح هو التحدي الأول والكبير لأنه يعني ترك أمور وشئون الحكم للمواطنين يقررونها عبر صناديق الاقتراع‏,‏ كما قرروا اختيار الانفصال والاستقلال عبرها‏,‏ كما تواجه الدولة الوليدة إشكالية فصل الدولة عن الكنيسة بوزنها الضخم والمؤثر في مسيرة الانفصال والاستقلال‏,‏ وبغير تجاوز هذين الأمرين المهمين‏,‏ فإن غياب الدولة المدنية لابد وأن يعني صراعات وحروبا أهلية طاحنة علي أسس عرقية وقبلية وجنسية ودينية وعقائدية‏,‏ خاصة أن واقع الحال يشير إلي افتقاد المواطن للأمن حتي في العاصمة جوبا‏,‏ وهو حال كل العواصم الإفريقية جنوب الصحراء بصورة تهدد الاستثمار والتنمية والأعمال والأنشطة‏,‏ وكذلك الحياة الطبيعية والاعتيادية للمواطن‏.‏
ولو بقيت الأوضاع علي ما هي عليه في جنوب السودان واستمرت المؤسسة العسكرية تحكم الدولة الجديدة‏,‏ فإن مستقبل التنمية يصبح في خطر شديد بحكم أن الغالبية العظمي من الإيرادات تستحوذ عليها بالفعل المؤسسة العسكرية المتضخمة والتي يصعب تسريح الجانب الرئيسي منها من الخدمة‏,‏ وهو ما يعني استمرار حرمان المواطن الجنوبي من حلم التمتع بثمار التنمية في ظل الاستقلال‏,‏ خاصة أن دول شرق إفريقيا كما دول غرب إفريقيا جنوب الصحراء تعاني جميعا سطوة النظم العسكرية علي مقاليد الحكم بها‏,‏ وتوجيه الموارد العامة والمساعدات الخارجية للإنفاق علي الجيش وقوي الأمن واستيراد السلاح في صفقات فساد مروعة بديلا عن استيراد الغذاء وتوفيره‏,‏ وبديلا عن المشروعات التنموية الضرورية‏,‏ كما أن هذه النظم تجيد دائما اختلاق حالة التوتر الداخلي‏,‏ وكذلك التوتر مع الجيران عبر الحدود لتبرير إنفاقها العسكري الكبير‏,‏ ولتبرير القمع والاستبداد‏,‏ وللتغطية علي الفساد الضخم في نظم الحكم وقياداته‏,‏ وتسعي هذه النظم لاسترضاء الدول الغربية وأمريكا للصمت عليها من خلال تحولها إلي أنياب لتنفيذ مخططاتها داخل القارة الإفريقية‏,‏ ومثال ذلك نظام يوري موسيفيني في أوغندا الذي يشارك بنحو نصف قوات حفظ السلام في الصومال إرضاء لأمريكا في مواجهتها ضد الجماعات الإسلامية المسلحة في الوقت نفسه الذي يستخدم فيه حركة جيش الرب المعارضة كفزاعة لتدفق المساعدات بغير أن يكون هناك مسعي حقيقي للسيطرة علي التمرد وإنهائه علي امتداد عقدين من الزمن‏.‏
‏***‏
تضمنت اتفاقية السلام عام‏2005‏ أن يعمل الطرفان في الجنوب والشمال حتي تكون الوحدة جاذبة لمواطني الجنوب‏,‏ وللأسف الشديد فإن طرفي الاتفاق عملا في الاتجاه العكسي تماما حتي يصبح قرار الوحدة مرفوضا وغير جاذب وحتي يصبح قرار الانفصال هو القرار الوحيد الجاذب والمتاح‏,‏ وحتي يتحول إلي طوق ونجاة وأمل وحيد في مستقبل أفضل‏,‏ وأعلن سلفا كير بوضوح وصراحة مطلقة أنه يصوت لمصلحة الانفصال‏,‏ كما أعلن الأمر نفسه قادة الحركة الشعبية‏,‏ في حين سهل قادة السودان وحكامه بكل السبل والوسائل الطريق أمام الانفصال حتي وإن جاءت تصريحاتهم بالحديث عن الوحدة‏.‏
ويجسد أسين بارث ايدي نائب وزير الخارجية النرويج الذي يقدم المشورة للحكومة السودانية والجنوب بشأن قضايا النفط حقيقة الأوضاع المأساوية التي تنتظر الجانبين في الشمال والجنوب‏,‏ مع استفتاء الانفصال بقوله‏:‏ إن الطرفين مؤهلان تماما لتدمير بعضهما بعضا‏,‏ لكن علي حساب تدمير نفسيهما‏.‏
ويعزز هذا التنبؤ الإشكالية الواقعية التي لا يمكن إهمالها أو إنكارها والقائلة إن جنوب السودان يملك حدودا جغرافية مترامية مع الشمال تمتد بطول‏2500‏ كيلومتر‏,‏ وأن هناك حركة بشرية دائمة عبر هذه الحدود لقبائل الشمال والجنوب بحثا عن المرعي والرعي علي مدي العام‏,‏ وأن هذه الحركة البشرية تضم‏9‏ ملايين مواطن‏,‏ بما يعني عدم إمكان الوقوف في وجهها بأي صورة من صور التنظيم والضبط‏,‏ وأن الدولة الجديدة يستحيل عليها ضبط هذه الحركة البشرية الطبيعية بين الشمال والجنوب‏.‏
وتبقي قنبلة أبيي المتفجرة‏,‏ وهي المنطقة الغنية بالنفط مع سعي قبيلة الدنكا نقوك للسيطرة عليها‏,‏ وطرد قبائل المسيرية العربية المسلمة منها‏,‏ علي الرغم من أن المنطقة ضمن الحدود المعترف بها دوليا سنة‏1956,‏ حيث تقع المنطقة شمال الخط الحدودي للشمال بنحو‏49‏ كيلومترا‏,‏ وتضم نحو‏15%‏ من إجمالي النفط الذي يسعي الجنوب للسيطرة عليه‏,‏ وتتحدث الأنباء في الفترة الأخيرة عن تصعيد خطير في أزمة أبيي يرتبط بأحاديث عن قيام الجيش الشعبي بتلغيم المراعي وتجمعات المياة المتوافرة لحرمان المسيرية من الرعي وإجبارها علي النزوح من المنطقة‏,‏ وهي أمور يمكن أن تتسبب في اشتعال نيران مواجهات مسلحة واسعة النطاق‏,‏ ليس فقط بين المسيرية والجيش الشعبي‏,‏ ولكن بين الشمال والجنوب‏,‏ خاصة أن أبيي تخضع وفقا لاتفاق السلام لإدارة الرئيس السوداني مباشرة حتي يتم الاتفاق النهائي علي وضعها‏,‏ وهو الأمر الذي يشك كثيرا في حدوثه‏,‏ بما يبقي علي الألغام المتفجرة لتشعل النيران بين الشمال والجنوب في أي وقت واي لحظة ؟‏!‏
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.