أصدرت هيئة قصور الثقافة ضمن «سلسلة الذخائر» طبعة جديدة من كتابيْ «تهافت الفلاسفة» ل«أبى حامد الغزالى» (ت 505ه) و«تهافت التهافت»، فى جزءين لابن رشد (ت 595ه) يُفنِّد فيه آراء الغزالي، بتحقيق د.«سليمان دنيا» أ.مساعد بكلية أصول الدين الذى تناول الحياة الفكرية ل «الغزالي»، مبينا أنه طرح من ميزانه كل ما سوى العقل والحواس، فلم ينته إلى يقين، وطلب الحقيقة عند الفلاسفة فوجدهم مختلفين، ولا اتقان عندهم لمذهبهم، يحكمون بظن وتخمين، من غير تحقيق ولا يقين، فألّف فى نقدهم وهدم مذاهبهم. فاهتدى إلى أن العقل هو وحده سبيل العلم اليقينى. وقال الغزالى عن سبب تأليفه الكتاب إنه رأى هذه الطائفة: «يعتقدون فى أنفسهم التميز بمزيد الفطنة والذكاء، رفضوا وظائف الإسلام، ولم يقفوا عند توقيفاته وقيوده، فلما رأيت هذا، انتدبت لتحرير هذا الكتاب». وجاء «تهافت الفلاسفة» فى أربع مقدمات، وعشرين مسألة فى الإلهيات والطبيعيات، وخاتمة قضى فيها بوضوح بتكفيرهم ومن يعتقد اعتقادهم. واستدل الغزالى بمخالفة أرسطو أستاذه أفلاطون على بطلان مذهبهم، وأن كلام المترجمين عنهم لم ينج من تحريف وتبديل. وفى الثانية ذهب إلى أن خلاف الفلاسفة والمتكلمة والباطنية والمتصوفة ثلاثة أقسام. وفى الثالثة بين أن هدفه من كتابه هدم مزاعم الفلاسفة لا غير. وفى الرابعة فند ادعاءهم أن معرفة الرياضيات ضرورة لمعرفة العلوم الإلهية التى تستعصى على الأفهام الذكية. ومن المسائل العشرين: إبطال دعاواهم بأزلية وأبدية العالم، وأن الأول (الله تعالي) لا يعلم الجزئيات، وإن النفس جوهر قائم بنفسه ليس بجسم ولا عرض، وباستحالة الفناء على النفس البشرية، وإنكارهم بعث الأجساد. تهافت التهافت وفى بداية كتاب «تهافت التهافت» عرّف المحقق بصاحبه «ابن رشد»، وبيّن أنه أراد بكتابه إظهار تناقض أفكار الغزالي، ففى تعليقه على نقده لرأى الفلاسفة فى كيفية علم الله يقول: «الكلام فى علم البارى سبحانه بذاته وبغيره مما يحرم على طريق الجدال فى حال المناظرة فضلا عن أن يثبت فى كتاب». ويذهب «ابن رشد» فى كتابه إلى قصور أكثرية أقاويل الغزالى عن رتبة اليقين والإقناع، وفنّد مسائله العشرين، ورد على الغزالى فى اعتراضه على أدلة الفلاسفة بأربعة ردود. وفى مسألة «قِدَم العالم» يرى أن كتاب الغزالى كان ينبغى أن يُسمى «تهافت أبى حامد». وذكر شيئا من رأى أبو حامد عن نظرية الفلاسفة حول نشأة العقول والنفوس: «إنها تحكمات.، وهو على التحقيق ظلمات فوق ظلمات، لو أورد جنسه فى الفقهيات لقيل إنها ترهات لا تفيد غلبة الظنون». فقال ابن رشد: «لا يبعد أن يعرض مثل هذا للجهال مع العلماء، وللجمهور مع الخواص»، وإن «أمثال هذه الأقوال لاينبغى أن تتلقى بها آراء العلماء وأهل النظر»، وإنه «كان الواجب أن يذكر الآراء التى حركتهم إلى هذه الأشياء حتى يقايس السامع بينها وبين الأقاويل التى يروم هو إبطالها». وحول مسألة عجز الفلاسفة عن الاستدلال على وجود صانع للعالم، رد ابن رشد: «إن مذهب الفلاسفة فى إثبات وجود الله أقرب إلى العقل من مذهب أهل السنة ومذهب الدهرية»، لكنه يوافق رأى الغزالى فى عجزهم عن إقامة الدليل على أن الله واحد. وفى قولهم إن وجود الأول بسيط، رد ابن رشد على قول الغزالى متسائلا: «بم عرفتم ذلك.. أبضرورة العقل أم بنظره؟». واعتراضه على دعواهم بأن النفس الإنسانية جوهر قائم بنفسه ببراهين العقل، وإنكاره دعواهم دلالة مجرد العقل عليه، والاستغناء عن الشرع فيه، دفع ابن رشد للقول: «وأما أبو حامد فلما أخذ النوع الواحد من نوعى الانقسام ونفاه عن المعقولات كلية،عاند بالقسم الثانى الموجود فى قوة البصر، وقوة التخيل، فاستعمل فى ذلك قولا سفسطائيا. وعلم النفس أغمض وأشرف من أن يدرك بصناعة الجدل. ومع هذا فإنه لم يأت برهان ابن سينا على وجهه».