يراهن البعض على أن المشاركة الشعبية سيكون لها دور فاعل فى دحر العمليات الإرهابية المتصاعدة أخيرا بمحافظات الصعيد، ولكن القارئ لخريطة التركيبة القبلية المتشابكة فى تلك المحافظات، يعلم أن هذا الرهان يحتاج إلى دعائم كثيرة ليكون رهانا صائبا. ثمة استراتيجية تتبعها وزارة الداخلية لمجابهة الإرهاب فى الجنوب، من خلال إرسال ضباط مباحث وقوات خاصة من أبناء تلك المحافظات، وينتمون لنفس القبائل الثلاث الرئيسية ( الهوارة العرب الأشراف) المنتشرة هناك، لكى يجد هؤلاء الضباط دعما ومشاركة شعبية من عائلاتهم فى أثناء المواجهات الأمنية التى تدور فى الجبال المترامية على الحدود. وهذا الأسلوب فى التعامل مع ملف الإرهاب والمتمثل فى مواجهة إرهابيى الجنوب بضباط شرطة من نفس أبناء الجنوب، قد يدفع كبار القبائل والعائلات إلى التدخل وإقناع من ينتمون إلى الحركات الإسلامية، بترك السلاح وتسليم أنفسهم للشرطة من منطلق حقن المواجهة بين أبناء العم ( إرهابى شرطي). ظهر الثلاثاء الثامن عشر من شهر يوليو الماضى استشهد ضابط شرطة خلال تبادل لإطلاق النار مع مسلحين، بعد قيام قوة من الشرطة بمداهمة منطقة المغارات الجبلية بمنطقة «أبوتشت» شمال قنا، عقب ورود معلومات باختباء عناصر متشددة موالية لتنظيم الدولة الإسلامية، وتتصل هذه المنطقة الجبلية بثلاث محافظات أخرى هى الأقصر وسوهاج والوادى الجديد. الضابط الذى استشهد هو الرائد أحمد عبدالفتاح جمعة، ينتمى إلى (أولاد يحيي) وهو من قبيلة «هوارة» المنتشرة فى محافظة قناوالمحافظات المجاورة، وقائد الخلية الإرهابية يدعى عمرو سعد الشويخي، الذى ينتمى إلى قرية الشويخات إحدى فروع قبيلة الأشراف، وأحد المتهمين فى التخطيط لتفجير كنيستى طنطاوالإسكندرية فى أبريل الماضي. هذه الحادثة كفيلة بنقل المواجهة بين الشرطة والإرهابيين، إلى مواجهة ثأرية بين قبيلتين من أكبر القبائل فى الصعيد (الهوارة والأشراف)، مما يكون له تأثير كبير على كبار العائلات لسرعة التدخل ووقف شلالات الدم المحتملة. والمتابع لما يحدث خلال الأيام الماضية، يرى أن جميع الهجمات الإرهابية السابقة يربطها خيط رفيع توصلت إليه الجهات الأمنية، مفاده أن شباب الحركات الإسلامية المتمركزة فى عدد من محافظات الصعيد لهم دور مباشر فيها. حيث توصلت المعلومات إلى تورط خلية إرهابية من 15 شخصا، جميعهم ينتمون إلى قبيلة «الأشراف» بمحافظة قنا فى التفجيرين الانتحاريين اللذين استهدفا كنيستين للأقباط الأرثوذكس فى مدينتى الإسكندريةوطنطا فى أبريل الماضي، كما أن الحادثين اللذين وقعا أخيرا وراح ضحيتهما ضابطان قام بهما شباب الحركات الإسلامية فى محافظتى قناوالأقصر فى الجنوب أيضا. ولكى يتم إعادة تجربة المشاركة الشعبية التى حدثت فى التسعينيات لمواجهة الإرهاب بتلك المحافظات، يجب أن يتم تغيير استراتيجية الشرطة، وأن يتم نقل أكبر عدد من ضباط محافظات الصعيد بالخدمة بمحافظاتهم، حتى يكون لهم ظهير شعبى وعائلى يساندهم فى معرفة دهاليز وخبايا الجبال هناك، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إجبار كبار العائلات على التدخل وتسليم كل من له صلة بأى عملية إرهابية إلى الشرطة.