وسط الطبيعة الحارة، وأشعة الشمس المحرقة، والتي يبدو أنها أثرت في السلوك الشخصي لقاطنيها، وفي المنطقة التي لا صوت يعلو على صوت القبيلة فيها، من الصعب أن تجد إنتماء أبنائها لشئ أكبر من إنتمائهم لها، والذي يتساوى – دون مبالغة – في الإنتماء الديني. يتواجد في صعيد مصر، أهم ثلاث قبائل، تنحدر منها كل القبائل العربية في كل مكان، أهمها وأكبرها وأكثرها نفوذا قبيلة الهوارة، تليها العرب، ثم الأشراف. قبيلة الهوارة وهى الأغنى مالًا والأكثر قوة ونفوذًا على الأرض، وبرغم أنها ليست الأكثر عددًا، إلا أن رجالها هم الأكثر شراسة وحكمًا في المحافظات المنتشرة فيها، حيث تنتشر في "الأقصر، قنا، سوهاج، الفيوم، الإسكندرية، مطروح، سيناء، جنوبسيناء، البحيرة"، ويتمركز الأكثر "شراسة" منهم في المنطقة الجبلية المحيطة بالجبل الشرقي والغربي بمحافظتي قناوسوهاج. ولا يذهب "الهواري" لأي مؤتمر سياسي أو انتخابي أو حتى ندوة أو حدث هام، فمكانتهم تجبر أصحاب المؤتمرات والأحداث بالوصول إليهم في أماكنهم، ولغناهم الفاحش، يسكن قادتهم القصور التاريخية، بداية من قصر كبيرهم شيخ العرب همام بمدينة فرشوط بقنا، إلى أفخم القصور بجنوبسوهاج، خاصة بمدينتي دار السلام والبلينا. تنحدر "الهوارة" من المغرب العربي، وترتبط بنسب مع قبائل مماثلة في المغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا، ومن أبرز عاداتهم، رفضهم لزواج فتياتهم لأي شاب من قبيلة أخرى، ويقول الإعلامي أسامة الهواري، "الهوارية لا يتزوجها إلى هواري، ولو حتى تم قتلها، لا يمكن نزوجها لحد من قبيلة تانية." ويضيف خالد النجار الهواري، أبرز قادتهم بشمال قنا، أن تعليم الفتيات بالنسبة لهم، "خط أحمر"، لا يمكن أن يتخطاه أحد، معلنًا أن أي هواري يقوم بتعليم بناته، بالتأكيد غير متمسك بعاداتهم، ولا يشرفهم أن يربطهم به علاقة قرابة، مختتما "فنحن في زمن وعالم آخر لا يعرفه إلا أبناء الأصول." قبيلة العرب تلى قبيلة الهوارة في النفوذ، قبيلة العرب، والتي تزيد في عدد سكانها عن الهوارة، إلا أن انتشارها يبدأ من أسوان ويمتد إلى محافظة الجيزة شمالاً، ومنهم تنحدر قبائل الهلايلة والجعافرة والأروزشين بأسوان. وتعتبر "العرب" من القبائل المتحررة نوعًا ما عن بقية القبائل، فهم الأكثر تعليمًا والأهدأ عصبية عن البقية، ويتميزون بإنتشارهم في الوظائف الهامة بالدولة، عدا الجيش والشرطة، وكثير من نواب مجلسي الشعب والشورى، ينتمون للعرب من الأساس، فأكثرهم يعمل بالزراعة والتجارة والنقل. وتتزوج فتاة العرب من أي شاب في القبائل الأخرى، دون شروط أو قيود سوى حسن السيرة والسلوك التمسك بالأصول الإسلامية. قبيلة الأشراف يظن الكثير، أن الأشراف في مصر هم فقط أشراف قنا، وفي الحقيقة يُقدر عددهم في الصعيد بوجه عام، ال60 بالمائة، والذين يُعتبروا أكبر تجمع للأشراف بالعالم، وينقسموا إلى قسمين، الجمامزة، وهم من نسل الأمير جمال الدين الجماز الشريف، وهم من نسل سيدنا الحسن بن علي بن أبي طالب، وكانوا حكام المدينةالمنورة وقد أقطعهم الملك المؤيد يوسف بن السلطان صلاح الدين الأيوبي نصف أراضي قنا، فانتقلوا إليها وسكنوا بها حتى اليوم. والأشراف العنقاوية وكانوا حكام مكةالمكرمة، في عهد العثمانيين، وهم من نسل الأمير الشريف عنقا بن وبير من نسل سيدنا الحسن بن علي بن ابي طالب، وكانوا مقربين من الأتراك، وأراد العثمانيين أن يأخذوا من الجمامزة الأراضي التي منحهم السلطان يوسف في قنا، فذهب الجمامزة إلى أبناء عمومتهم العنقاوية في مكة، وطلبوا منهم أن يتوسطوا عند الخليفة العثماني حتى يترك لهم أراضيهم، وكان المقابل أن نجح العنقاوية في الوساطة، وكان لهم نصب أراضي الجمامزة بقنا، ومنها سكنوا فيها إلى اليوم. وإستخدمت الحكومات المصرية، منذ عهد عبدالناصر إلى يومنا هذا، تلك القبائل من أجل مصالحها فقط، فإستخدمها ناصر في تشكيل الإتحاد الاشتراكي للتصدي للنفوذ الإخواني والإقطاعي، وسيطر عليها شباب القبائل لعقود من الزمن، كما استخدمها مبارك في تشكيل الحزب الوطني.