خمسة عقودٍ كاملة مرّت على رحيلها.. ومع ذلك ما زال اسمها يشعل الدنيا كلما ذُكر، وكأن الزمن يتوقف إجلالًا لصوتٍ لم يزل يعلو فوق الضجيج. أم كلثوم.. «الست».. «كوكب الشرق» الذي لم يغِب يومًا، بل ظلّ يدور في وجدان الأمة كما لو أن حفلات الخميس ما تزال تُذاع في البيوت، وكأن صوتها قادر - وحده - على طي المسافات وإحياء الذاكرة. واليوم، تعود الأسطورة إلى قلب المشهد من جديد. ليس عبر أغنية مجهولة أو تسجيل نادر، بل عبر فيلم يشعل الجدل من أوّل ثانية لبروموه، ويفتح باب الأسئلة القديمة: من يجرؤ على تجسيد أم كلثوم؟ هل يمكن للحاضر أن يعيد رسم ملامح صوتٍ صنع وجدان القرن؟ وهل ما نراه محاولة استعادة أم مغامرة محفوفة بشغف الجماهير وغضبهم؟ بين دفاع ينتظر العرض وهجوم يسبق الحكم، وبين ذاكرة لا تقبل التزييف ورغبة في إعادة قراءة المسيرة، يرتفع اسم أم كلثوم ليزيح ضجيج المنصات، ويضعنا أمام حقيقة واحدة: الاقتراب من «الست» ليس مشروعًا فنيًا فقط.. بل امتحان ثقافي يصل حدّ القداسة. أفلام صنعت ملامح السينما الغنائية وهكذا... يأتى هذا الملف ليضع بين يدي القارئ ليس مجرد قصة مطربة خالدة، بل رحلة امرأة غيّرت شكل الفن العربى، وهزّت الوجدان الجمعى، ونجحت بعد نصف قرن من الرحيل في أن تظل موضوعًا للدهشة وللحب وللجدل الذي لا ينطفئ. ◄ يتجدد مع فيلم منى زكي.. جدل تجسيد الأسطورة تصدر اسم أم كلثوم منصّات التواصل الاجتماعى فور طرح الإعلان الرسمي لفيلم «الست» وتأكيد موعد إطلاقه في السينمات يوم 10 ديسمبر المقبل، ورغم أن ظهور أي عمل جديد عن كوكب الشرق يفتح باب الجدل المعتاد، فإن الانقسام هذه المرة بدا أكثر حدة بين فريق مهاجم يرى المشروع مغامرة غير محسوبة، وآخر مدافع يمنح العمل فرصة قبل الحكم، وصوت ثالث يدعو للانتظار حتى العرض. الاقتراب من سيرة أم كلثوم ظل دائمًا مُهمة شديدة التعقيد، فهى ليست مُجرد مطربة استثنائية، بل رمز فني وسياسي عبرت مسيرتها القرن كله وشهدت تحولات ثقافية كبرى، وتعاملت مع أهم الشعراء والملحنين وصناع الوعى فى مصر والعالم العربي، لذلك فإن أى محاولة لتقديم سيرتها ذاتية كانت أو غيرية تثير عاصفة من النقاش. جاء البرومو الأول لفيلم «الست» ليشعل الجدل مجددًا، حيث بدت منى زكى وهى تجسد كوكب الشرق فى مراحل عمرية مختلفة، مستعرضة محطات فنية وشخصية من رحلتها، وكشف الإعلان عن عدد من الأسماء المشاركة منها عمرو سعد فى دور الرئيس جمال عبدالناصر، محمد فراج فى دور أحمد رامى، إلى جانب قائمة طويلة من ضيوف الشرف تضم: كريم عبدالعزيز، آسر ياسين، أحمد أمين، أمينة خليل، نيللى كريم، سيد رجب، طه دسوقى وغيرهم، والفيلم من تأليف أحمد مراد، وإخراج مروان حامد. ويُقدم رحلة صعود أم كلثوم منذ مغادرتها قريتها الصغيرة نحو القاهرة، وصولًا إلى تربّعها على عرش الطرب العربى لعقود طويلة باعتبارها أعظم صوت عرفته المنطقة، ويتوقف الفيلم أيضًا عند الجانب الإنسانى والطبى فى حياتها، ومنها أزمتها الصحية المعروفة بإصابتها بمرض مناعى نادر «فرط نشاط الغدة الدرقية» وما صاحبه من جحوظ فى العينين وتهديد لمستقبلها الغنائى نظراً لخطورة العلاجات الجراحية على أحبالها الصوتية آنذاك. ◄ اقرأ أيضًا | كواليس تحضيرات نسمة محجوب ومنى زكي لأغاني أم كلثوم بفيلم «الست» ◄ قصة حياتها بالسينما والمسرح والدراما.. سيرة مُلهمة لطالما كانت كوكب الشرق، أم كلثوم، أيقونة لا يمكن تكرارها، وكل محاولة لتقديم حياتها على الشاشة أو المسرح تواجه تحديًا كبيرًا، كيف يمكن نقل سيرة فنانة أسطورية، لها صوت وشخصية وحضور لا ينسى، أمام جمهور يعرف كل تفصيلة عنها عبر عقود من الزمن؟! قدمت عدة أعمال فنية محاولات مختلفة، تراوحت بين النجاح الباهر والفشل الفنى، ومن بينها مسلسلات، أفلام، وثائقيات، ومسرحيات. يعد مسلسل "أم كلثوم" 1999 للنجمة صابرين واحدًا من أنجح الأعمال التى جسدت حياة كوكب الشرق، تناول المسلسل قصة حياة أم كلثوم منذ النشأة وحتى القمة، مع التركيز على مسيرتها الفنية وعلاقتها بالسياسة والتحديات التى واجهتها. في نفس العام، قدمت الفنانة فردوس عبد الحميد فيلم "كوكب الشرق"، الذي ركز على العلاقات العاطفية لأم كلثوم ودورها في الأحداث الوطنية مثل الثورة المصرية عام 1952 وحرب 1967. الفيلم الوثائقى الأمريكي "أم كلثوم.. صوت يشبه مصر" 1996 إخراج ميشال جولدمان وعلق عليه عمر الشريف بصوته، حاول نقل جوانب من حياة الست للجمهور الدولى، حيث قدم قيمة توثيقية عالية، لكنه كان محدودًا فى قدرته على نقل الروح الحقيقية لأم كلثوم. وفى 2017 قدم فيلم «البحث عن أم كلثوم» للمخرجة شيرين نيشات، الشخصية من منظور رمزى للمرأة القوية التى تتجاوز العقبات، عبر مقارنة بين حياة الست والتحديات التى تواجهها النساء الإيرانيات. شاركت ياسمين رئيس في البطولة, الفيلم محاولة جريئة لإعادة تقديم أيقونة مصرية من منظور خارجى، لكنه اصطدم بصعوبة فهم الثقافة المحلية، مما أثار جدلا كبيرا فى مصر. قدمت مسرحية «سيرة حب» على خشبة مسرح البالون تجربة استعراضية فريدة عن حياة الموسيقار بليغ حمدى، واشتملت على تجسيد شخصية أم كلثوم عبر الأداء الموسيقى والتمثيلى، بمشاركة نهلة خليل، إيهاب فهمي، ومجدى صبحى، إخراج د. عادل عبده وتأليف أيمن حكيم. المسرحية نجحت فى تقديم تجربة متكاملة بصريًا وسمعيًا، حيث جمع العرض بين الغناء والدراما والإضاءة والديكور بطريقة مرنة وسريعة التغيير.