إن بحثت عن كلمة واحدة تلخص بها بايجاز وقائع ورسائل افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية أمس الأول، فلن تعثر على أوقع وأشمل من القوة، فمصر بدت عفية وعصية على الانكسار والرضوخ لكائن من كان، ومعنوياتها تلامس السماء، ومؤشر ثقتها فى نفسها مستقر عند حده الأعلى. القوة بمفهومها الشامل والاستراتيجى، قوة العقيدة العسكرية المصرية المبنية على أن القوات المسلحة مؤسسة وطنية مهمتها الدفاع عن تراب هذا الوطن، وأن أفرادها وضباطها وقياداتها يؤمنون ايمانا لا يتزعزع بذلك وعلى أتم استعداد للتضحية بأعز ما يملكون وهو أرواحهم لحماية الأمن القومى المصرى، ويدركون أن الشعب يثق فى جيشه ثقة لا حدود لها وغير قابلة للنقصان، ويقدر تضحياته واسهاماته الجليلة، ويجيدون قراءة المشهد الاقليمى والدولى بكل ما فيه من تحديات ومخاطر تحاصر فكرة الدولة الوطنية، واستقرار وأمن الشرق الأوسط، ومخططات لتفتيت الجيوش الوطنية، وافساح المجال للنمو الشيطانى للميليشيات. ولم يكن استعراض ما يوجد بقاعدة محمد نجيب من أسلحة ومعدات متطورة سوى رسالة تحذير للقاصى والدانى بشأن جاهزية الجيش المصرى للرد على مَن يمد يده فى وجه مصر بسوء، أو يهدد الأمن القومى العربى، وأظهر جيشنا تفوقه بفضل ما يضمه من طاقات بشرية مدربة تدريبا عاليا تجعله يقف رأسا برأس مع جيوش بعض القوى الكبرى فى عالمنا اليوم، مع الوضع فى الاعتبار ان القوة المصرية للردع والأمان وليست للعدوان والبغى، لكنها على استعداد لمواكبة تطورات الاحداث فى محيطنا الاقليمى الملتهب فى ظل المحاولات الإيرانية للعربدة فيه وفرض أمر واقع بتدخلها فى شئون بعض البلدان العربية مستغلة أوضاعها غير المستقرة، بهدف كسب مناطق نفوذ جديدة، والانتهاكات الإسرائيلية فى مدينة القدسالمحتلة، وتعدياتها على المسجد الأقصى وتعمدها اشعال حرب دينية لا تبقى ولا تذر، وهو ما سيتبعه توفير وقود للجماعات المتطرفة والإرهابية تستغله لجر قدم كثير من الشباب للالتحاق بها، وتكثيف ضرباتها وعملياتها الإرهابية القذرة متعللة بنصرة الفلسطينيين، والتصدى للهجمة الإسرائيلية على الأقصى الشريف، وسوف تسعى بعض هذه الجماعات للتنسيق فيما بينها والالتحام لزيادة رقعة انتشارها ووجودها. صلابة عود الجيش المصرى ويقظته رسالة طمأنينة للمصريين وللعرب، وأنه كان ولا يزال عمود الخيمة، وهو ما يفسر الحملات الشرسة التى يتعرض لها كل حين من الداخل ومن أشباه الدول، وقنوات التحريض واذكاء الفتن، مثل الجزيرة القطرية، والتابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، وليت الذين يتطاولون على قواتنا المسلحة ينظرون فى عيون «عاليا» وغيرها من أبناء شهداء الجيش والشرطة المدنية ليروا كم هم أقزام ونكرات، فهؤلاء الأبناء مع شعورهم بلوعة فراق احبائهم وحزنهم عليهم لا يخالجهم شك بأن آباءهم استشهدوا لغاية نبيلة فى ميدان الكرامة والشرف وليس الخسة والنذالة والخيانة، وينتظرون أن يكبروا ليكملوا مهمتهم، وأن الوطنى الحق يحمى جيشه ولا يطعنه فى ظهره، لا فى السلم ولا فى الحرب، بينما يواجه متطرفين وارهابيين باعوا وطنهم مقابل حفنة دولارات تأتى من قطر وأخواتها، ويتمسحون بالدين ويتاجرون به. أبناء الشهداء بدون قصد وضعوا أيديهم الصغيرة على حقيقة أن المؤسسة العسكرية المصرية تغرس فى نفوس أبنائها الإحساس بالمسئولية وعظمها، فلا يتهرب احد منهم من الخدمة فى أماكن تمركز الإرهابيين فى سيناء وخارجها، وتابعوا عدد الضباط والأفراد الذين يطلبون الالتحاق بوحدات سيناء، وظهر هذا الشق جليا بتأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسى الدائم مساندة مصر لأشقائها العرب، وانها لن تتخلى عنهم، وأن أمن الخليج جزء من أمن مصر القومى. رسالة عظم المسئولية وثيقة الصلة بقوة الوفاء للوطنيين المخلصين الذين تحملوا عبء المسئولية فى أوقات عصيبة حرجة، وأن الوطن لا ينساهم مهما مر الزمن، وما تعرضوا له من ظلم لم يمنحهم التقدير الواجب فى حياتهم، فعطاؤهم وعرقهم لم يذهب هدرا، وآخر الأمثلة كان اطلاق اسم محمد نجيب على أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط ليرفع عنه الغبن الذى لاقاه فى حياته وبعد مماته مع أنه كان أول رئيس بعد ثورة 23 يوليو، وشغل المنصب فى لحظة فارقة فيها ما فيها من الصعوبات الممكن تخيلها مع انتقال بلادنا من نظام ملكى لجمهورى، وتآمر جماعة الإخوان على الجمهورية الوليدة، ومجلس قيادة الثورة، ولم يكترثوا سوى ببسط سيطرتهم على مقاليد السلطة، وتعاونوا مع قوى أجنبية، منها بريطانيا والولايات المتحدة لكى تكون لهم الغلبة والسلطان على جموع المصريين، وتأسيس دولتهم الاخوانية، ولما لفظهم المصريون الذين استوعبوا خطتهم الشيطانية سعوا لمعاقبته بإعداد خطط تخريبية لا تخطر على بال ابليس شخصيا، منها تفجير القناطر الخيرية لإغراق الوادى، وبعدها ينطقون كذبا أنهم مسالمون ودعاة سلم!. آخر رسائل قاعدة محمد نجيب أنه لا مكان للاحباط واليأس، فالمصريون من البناة العظام الذين ابهروا العالم القديم والحديث بمنجزاتهم التى يوصف بعضها بالمعجزات، وربما كان ذلك سببا فى جلدهم وقوة تحملهم، لأن الآباء والأجداد عاصروا أزمات ومصاعب أعقد وأعنف بكثير مما نراه الآن، وأن طاقتهم على الصبر والاحتمال تستمد من حرصهم على كيان الوطن وتماسكه، وهو ما لا يفهمه الذين يمشون بين المصريين بالشائعات والمعلومات المحرفة والأكاذيب، فالمصرى حصيف ويميز جيدا بين الطيب والخبيث، وبين الكذاب والصادق، وبين الوطنى والخائن، رحم الله محمد نجيب ومعه شهداء مصر الابرار. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي;