بعيدا عن حماسة المقالات والخطب النارية المعتادة فى المناسبات الوطنية تظل ثورة 23 يوليو عام 1952 بقيادة جمال عبد الناصر علامة مضيئة أحدثت تغييرا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا طال شوق المصريين إليه. تلك هى الصورة على حقيقتها دون أية رتوش فقد كانت يوليو عنوانا لبداية تحقيق الحلم فى صنع شخصية مستقلة لمصر وامتلاك الإرادة الوطنية الخالصة وبناء قوة ذاتية تلبى احتياجات الحاضر وتتواءم مع طموحات المستقبل وتستنهض الهمم لضمان غد أفضل. ولأن ثورة يوليو 1952 كانت بمثابة زلزال ارتجت له قواعد الاستعمار القديم فى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وجدت مصر نفسها طرفا فى مواجهات وصدامات ومعارك سواء فى المحافل السياسية أو فى ميادين القتال أو ضد أشكال عنيفة وخبيثة من أساليب الحرب النفسية التى استهدفت محاصرة العقول وإرجاف القلوب بل وصل الأمر إلى حروب التجويع والضغط على البطون.. ورغم كل ذلك لم تنحن هامة مصر ولم تتراجع عن أفكارها وخططها ومبادئها. ولعل أعظم ما فى ثورة 23 يوليو أنها أجبرت الجميع على الاعتراف بأنها أكبر وأشمل من مجرد فكرة سياسية لإسقاط الملكية كنظام بائد وإقامة جمهورية رئاسية تلبى حلما يشتاق إليه المصريون منذ أيام الفراعنة لكى يحكموا أنفسهم بأنفسهم فقد كانت ثورة يوليو مشروعا اجتماعيا شاملا يستهدف صنع مجتمع جديد بعيدا عن تطرف الأفكار اليسارية أو توحش القيم الرأسمالية من خلال صياغة إنسانية تستلهم أفكارها وحروفها ومعانيها من تراث هذا الشعب وتقاليده. ومن الإصلاح الزراعى إلى تأميم قناة السويس إلى بناء السد العالى إلى اتفاقية الجلاء إلى كسر احتكار السلاح إلى دخول عصر التصنيع إلى مجانية التعليم وإدخال الكهرباء ومياه الشرب النقية إلى الريف تتحدد أهم عناوين ناصر وثورة يوليو لكى تبقى مجدا مقيما فى تاريخ الوطنية المصرية مهما قيل عن أخطاء وعثرات لا تخلو منها أى تجربة إنسانية على طول التاريخ! خير الكلام: الناس منهم خالد بفعاله أبدا ومنهم مهمل وغثاء! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله