دروس يوليو... وآفاق يناير(4) في الفصل المهم من كتاب الدكتور زكي نجيب محمود مجتمع جديد أو الكارثة والذي يجيء تحت عنوان: نريدها ثورة فكرية يتحدث الرجل مشيرا إلي أنه رغم مرور25 عاما علي قيام ثورة23 يوليو عام 1952 عند توقيت صدور هذا الكتاب عام 1977. فإن كل ما حققته الثورة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لم يكتمل بثورة تخرج من عباءة المنوال الفكري القديم الذي مازال كما كان منذ قرون علي حد تعبيره! والمنوال الفكري القديم الذي يعنيه المؤلف الفيلسوف قوامه عناصر كثيرة لعل أهمها جميعا هو الركون إلي سلطة فكرية نستمد منها الأسانيد, ومثل هذه السلطة الفكرية تتمثل عادة في نصوص بعينها محفوظة في الكتب وإن تكن تتمثل أحيانا كذلك في أقوال يتبادلها الناس وهي التي تسمي بالعرف أو بالتقاليد. وبناء علي هذا الموقف تكون الفكرة التي يقدمها رجل الفكر صوابا إذا هي اتسقت مع ما أقرته السلطة الفكرية في الكتب المحفوظة أو في الأقوال المأثورة, كما تكون الفكرة خطأ إذا جاءت مخالفة لما أقرته تلك السلطة.. ومن هنا اشتد سلطان الماضي علي الحاضر وأصبح البرهان الذي لا يرد هو تسويق الشواهد من كل الأقدمين حيث انحصرت قوة الإبداع الفكري في القدرة علي إيجاد السند من القول الموروث. إن المعيار الذي نميز به بين درجات العلماء يوشك أن يكون: كم حفظ الرجل؟ وكم في وسعه أن يأخذ من المحفوظ لكل سياق ما يناسبه؟.. ولقد تعلو فيه النصوص المحفوظة وقد تنخفض, لكنها نصوص قائمة علي كل حال نتخذها سقفا لا نجاوزه برؤوسنا مهما أجزنا لأنفسنا بعد ذلك من حرية الحركة تحت ذلك السقف الحاجز.. فإذا قلت إن الثورة لم تشمل حياتنا الفكرية فإنما أردت إن أقول أن هذا النمط الفكري كان قائما قبل الثورة وظل قائما بعدها.. إنه المنوال القديم نفسه نسج عليه الآباء في عصور ضعفهم ومازلنا ننسج! وغدا نواصل الإبحار مع رؤي وأفكار أديبنا الراحل زكي نجيب محمود التي تضمنت نقدا موضوعيا لثورة يوليو 1952... وهو نقد من أرضية الفهم والتأييد للظروف المحيطة بالثورة الأم التي لا يمكن أن نفصلها عن ثورة يناير الوليدة من ذات الرحم.. رحم الوطنية المصرية! خير الكلام: أحسن لك أن تعمل وتتعثر من أن تتمني وتتعذب! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله