الصدام بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوتركيا بات من الصعب تجنبه، فلا يمكن لأمريكا التخلى عن أكراد سوريا، ورقتها الأخيرة والمهمة فى الأزمة السورية، ولا الأتراك يمكنهم قبول تمدد وتسليح الأكراد، الذى يهدد تماسك تركيا، لهذا وقفت الدبابات التركية على مشارف بلدة عفرين، لوخز الأكراد فى مؤخرتهم، ليتوقفوا عن التقدم لتحقيق الأهداف الأمريكية، ويطالبوا بتدخل أمريكى قوى لوقف التهديدات التركية. الصدام التركى - الأمريكى ترك بصماته على الأزمة القطرية، التى لا يمكن فهم أبعادها بمعزل عن تحركات التكتل القوى الذى يجمع تركياوقطر وجماعة الإخوان، وهو التكتل الذى أخذ يبتعد خطوة خطوة، عن التحالف الدولى بقيادة أمريكا إلى درجة التعارض وربما الصدام. كان التكتل التركى - القطري، الإخوانى قد احتفظ باستقلالية نسبية داخل التحالف الدولي، وهو ما أزعج السعودية والإمارات، خصوصا مع توسع نشاط الخلايا الإخوانية فى دول الخليج وخارجها، والذى أثار المخاوف من أطماع هذا التكتل الذى يمتلك العديد من عناصر القوة، فالمال والإعلام بحوزة قطر، والقوة العسكرية والاقتصادية لدى تركيا، وجماعة الإخوان لديها شبكة تنظيم دولى واسعة، لكن هزائم جماعة الإخوان وسقوطها من حكم مصر وتونس، والضربات التى تلقتها تشكيلاتها العسكرية فى سوريا وليبيا قلصت أحلام أردوغان وحاكم قطر، لكن التكتل ظل متماسكا، وبدأ يشق طريقا خاصا، بوصفه قوة إقليمية كبيرة قادرة على التأثير فى مجريات الأحداث، حتى وإن تعارضت مع مصالح الولاياتالمتحدة ودول الخليج ، وكان مجيء إدارة ترامب نقطة تحول فى توجهات التكتل التركى - القطرى الإخواني، فقد رأى ترامب أن جماعة الإخوان لم تعد مجدية، وأنها جزء من إرث خطة أوباما التى يمقتها، وفى مقابل التقارب التركى مع روسياوإيران، اتجه ترامب للاعتماد على أكراد سوريا بدلا من أردوغان المتقلب والطامح إلى تحقيق أمجاده الشخصية، وأرسل الأسلحة الحديثة والمدربين وقوات جوية وبرية انتشرت فى عدة قواعد داخل المنطقة الكردية فى سوريا، وهو ما أثار جنون أردوغان الذى وجد أن عرشه يزداد تشققا، كلما اشتدت شوكة الأكراد، وأطلق قواته لتمنع تواصل الشطر الكردى الشرقى عن الشطر الغربي، للحيلولة دون فرض أمر كيان كردى مستقل كأمر واقع. ومع استدارة أردوغان نحو روسياوإيران، كان على قطر أن تلحق بالقاطرة التركية، وتقترب بحذر من روسياوإيران والعراق وتبتعد عن التحالف الدولي، وفى خطوة لافتة، أرسلت قطر وفدا إلى بغداد حمل معه نحو 700 مليون دولار إلى حيدر العبادى رئيس الوزراء العراقي، وقال الوفد القطري: إن المال مقابل الجهود المبذولة للإفراج عن القطريين الذين تم اختطافهم فى أثناء الصيد فى صحراء الأنبار العراقية، بينهم أعضاء فى الأسرة الحاكمة، وهى حكاية لا تخلو من الغموض، فلا يمكن الاستمتاع بالصيد فى مكان بهذه الخطورة، تنتشر فيه الجماعات المسلحة. ضاقت كل من السعودية والإمارات بالتحركات القطرية المعاكسة، فى الوقت الذى كان فيه ترامب غاضبا من تهديدات أردوغان باجتياح مناطق الأكراد، وسعيه لإفساد خطة الاعتماد على الأكراد فى بسط الهيمنة الأمريكية على أكبر قدر من أراضى دولة داعش المنهارة، لتتلاقى الإرادة الأمريكية مع الدول الأربع المتضررة من السياسة القطرية، ليصدر قرار الحصار وقائمة المطالب من قطر عقب قمة الرياض بين ترامب والحكام العرب. لكن إدارة ترامب، سرعان ما ترددت فى شد الحبل حول عنق حاكم قطر، فالتوقيت حساس وصعب، خاصة مع وصول قوات تركية إلى الدوحة، لأن الصدام مع تركيا سيجعل القوات الأمريكية فى شمال سوريا محاصرة، ومحاطة تماما بالأعداء، من إيران والحشد الشعبى العراقى والجيش السورى وحزب الله وأخيرا تركيا، والمعارك على الأراضى السورية مرشحة للتصعيد مع بدء معركة السيطرة على الحدود السورية العراقية، وإذا حدث الصدام ستنتقل تركيا إلى التحالف الروسى - الإيراني، ليزداد الوضع الأمريكى سوءا وتخرج بهزيمة صعبة، ويخسر حلف الناتو الدور والموقع التركي، لهذا قررت واشنطن إرسال وزير خارجيتها تيلرسون فى مهمة مكوكية بين الرياض والكويت والدوحة، لتخفيف حدة الاحتقان ونزع فتيل الأزمة وتأجيل الانفجار. هكذا ألقى المأزق الأمريكى فى سوريا بظلاله على الأزمة القطرية، وأبطأ اتخاذ أى قرارات ضد قطر، لتجنب انفجار الأزمة المكتومة مع تركيا، لكن الدول العربية الأربع أصبحت فى وضع صعب، فلا يمكنها الصمت على تجاوزات قطر، ولا يمكن أن تدخل فى أزمة مع أمريكا وأوروبا، خاصة أن الرابح من الأزمة هو التحالف الروسى الإيرانى السوري، فرغم عداء إيران مع قطروتركيا والإخوان بسبب سوريا، فإنها مستعدة للتقارب معهم لتوسيع الهوة داخل التحالف الدولي، وإحباط أى محاولة لإثارة صراع سنى شيعى. احتواء أمريكا للأزمة يستلزم التخلص من أردوغان باستغلال الأزمة الداخلية فى تركيا، والتى تجلت اخيرا فى المسيرة المليونية المنددة بسياسات أردوغان، انطلقت من أنقرة حتى اسطنبول، وقطعت 450 كيلو مترا، وهو إنذار شديد اللهجة، ورسالة بأن أردوغان لا يقف على أرض صلبة، خاصة أن جمهور المسيرة كان من مختلف الاتجاهات والمكونات، وهو ما سبب صدمة قوية لأردوغان المتباهى بشعبيته وضعف المعارضة، متجاهلا أن القمع قد يخفى حجم المعارضة لبعض الوقت، لكنه يمكن أن يتحول إلى انفجار عنيف ومفاجئ، ليصبح أردوغان ضحية ربيع تركي، يمكن أن يطبق على رقبة إمبراطور الربيع العربى. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد