في مشهد مسرحي, أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن لديه صورا ومشاهد فيديو تثبت تورط الولاياتالمتحدةالأمريكية في تزويد الجماعات الإرهابية بالأسلحة, بما فيهم جماعة داعش. قيمة هذا الإعلان أنه جاء من أقرب حلفاء أمريكا في التحالف الدولي لمحاربة داعش, وأن تركيا هي الممر الرئيسي لأسلحة هذه الجماعات, وأن الخلاف الأمريكي التركي وصل إلي الذروة قبل أن يترك الرئيس الأمريكي أوباما البيت الأبيض بعد3 أسابيع. الرد الأمريكي كان أكثر إثارة, فقد وصف تصريحات أردوغان بالمضحكة, ونفي أن أمريكا أمدت المسلحين بصواريخ مضادة للطائرات, مع أن أردوغان لم يحدد نوع الأسلحة التي سجلها بالصورة والفيديو, وتجاهل رد المتحدث باسم البيت الأبيض أن أوباما ظهر علي شاشات التليفزيون وهو يوقع قرار تزويد المسلحين بصواريخ مضادة للطائرات, صحيح أن القرار صدر منذ أيام قليلة, ويحتاج إلي وقت لتفعيله, لكن مثل هذه العمليات لا تعتمد علي قرارات مذاعة علي الفضائيات, ولا حتي أي نوع من الإعلان, فالمنوط بعمليات كهذه هي أجهزة المخابرات التي لا يتم الكشف عن عملياتها السرية, وتكفي نظرة سريعة علي أحد مستودعات الأسلحة التي تم العثور عليها في شرق حلب لنعرف أنواع الأسلحة والدول التي صنعتها والدول التي استوردتها, فقد كان المستودع يمتليء بأنواع من الأسلحة المصنعة في خمس دول في شرق أوروبا, وفيه دبابات وصواريخ ومدفعية وذخائر تكفي الجماعات المسلحة, التي كانت محاصرة سنوات طويلة. أهم دلالات هذا الإشتباك التلفزيوني بين أوباما وأردوغان أن أردوغان خطا خطوة واسعة بجانب بوتين, تاركا أوباما علي هامش الأحداث, مستغلا الخلاف بين أوباما وخليفته ترامب, والذي وصل إلي حد التشهير والتشكيك في شرعية انتخاب ترامب, عندما طلب أوباما التحقيق في التأثير الروسي علي سير الانتخابات, باختراق حاسبات وزارة الخارجية, ونشر بعض الأسرار التي تدين هيلاري كلينتون في ذروة الحملة الإنتخابية, وهكذا يكون أردوغان قد تقرب من ترامب, الذي يتوقع أن تكون له مواقف مختلفة كثيرا عن أوباما, وأن تتوقف الولاياتالمتحدة عن دعم أكراد سوريا, الذين يهددون بالإنفصال, وهو أكبر خطر يهدد وحدة تركيا. لكن أردوغان الهائج من سلوك أوباما كان مثخنا بالجراح في معركة مدينة الباب, عندما تلقت قواته هزيمة قاسية علي أعتاب الباب, عندما فقد عشرات الجنود, والعديد من الدبابات والآليات, والأفظع هو وقوع جنود أسري, جري بث فيديو بالتفاصيل المروعة لخطوات إحراق إثنين منهم أحياء, بعد إذلالهما وهم يخرجان من قفص حديدي مقيدين بالسلاسل, وهو ما أحدث صدمة في تركيا, دفعت أردوغان لقطع الإنترنت, في محاولة للحد من تأثير هذا الحادث المروع, والذي سيكون له تأثير قوي علي قرارات أردوغان في الفترة المقبلة, وأن يمضي قدما مع روسيا وإيران في خطوات حل الأزمة السورية, إنتظارا لمواقف ترامب, الذي قال أثناء الحملة الإنتخابية إنها ستعتمد علي الشراكة مع روسياوتركيا في ضرب الإرهاب, وليس لإسقاط النظام السوري. خطوات أردوغان لا تخلو من المخاطر, فكل خطوة يخطوها مع بوتين وإيران تبعده خطوات عن حلفائه القدامي, وأهمهم السعودية وقطر وجماعة الإخوان, ولم يعد بالإمكان الاحتفاظ بصداقة أو تعاون كل الفرقاء, ولن يكفي تصريحه بضرورة إبعاد حزب الله من سوريا, واقتراح انضمام السعودية وقطر إلي مفاوضات الآستانة في كازاخستان كافية لتهدئة أصدقائه القدامي, فهو يعرف, وهم أيضا يعرفون أن طريق الآستانة لن يقود إلا إلي حل تضع موسكو وطهران أهم معالمه, ولا يمكن أن يحقق شيئا يذكر, لا للولايات المتحدة, ولا للسعودية أو قطر.