الإنسان هو الكائن الفنان: خُلق الإنسان بطاقة اختصه الله بها من بين كافة الكائنات الحية، طاقة الخيال، وتزوده هذه الطاقة بالقدرة على تشكيل كل ما يمور بعالمه الداخلى وما يحيط به من عالمه الخارجى. وتثمر الطاقة والقدرة المنتج الإبداعى: الفن. يبدع الإنسان المنتج الفنى ليوازى به – رمزيا – واقعه المعاش، والغاية أن يتغير هذا الواقع ليصير أكثر إنسانية ونبالة وعدالة وسلاما. ولنا ها هنا ثلاث وقفات: الأولى: الفن – مفهوما مجردا – جملة من الفنون، ينسب الواحد منها إلى المادة التى يشكلها: الأدب يشكل اللغة، والموسيقى تشكل التتابع الزمنى، والتصوير يشكل الضوء والنور والظل، والعمارة تشكيل الفراغ، والنحت يشكل الكتلة. الثانية: الفن الواحد – مفهوما مجردا – جملة من الأنواع: الأدب شعر وملحمة وسيرة وقصة ورواية، والموسيقى صافية ومغناة، والرقص فردى وثنائى وجماعى .. الخ. الثالثة: فى عصرنا هذا تعاظم درس الفن وتراكمت فتوحات واكتشافات ونتائج جمة، بخاصة ما انتهى إليه العلماء والدارسون من درس المواد التى تشكلها الفنون، ومن الدرس المقارن لما يصطنعه الفنانون من أدوات وإجراءات. لذا يشهد عصرنا الراهن أهم حركة تاريخية كبرى فى تاريخ الفن: تداخل الأنواع فى كل فن وتداخل الفنون فيما بينها. إنه زمن: تآزر الفنون أحمد الشوكى موهوب من أبناء هذا العصر ومبدعى هذا الأفق. شاعر تتداخل فى منتجه الأنواع الأدبية. وموسيقى تتداخل فى منتجه الأنواع الموسيقية. وفى منتجه – شعرا وموسيقى – تتآزر الفنون. والشأن ليس الفنون فحسب بل التداخل والتآزر بين كل الأحياء والأشياء حتى ذات الأنا فى جدلها الإنسانى مع ذات الآخر، ينتهى كلاهما إلى واحد حتى ليهتف كل منهما للآخر: يا أنا. هذه الألحان تحكى عند ذاتى سر ذاتك. فلها حلوى شفاهك ولها نجوى ابتسامك. بل إن التداخل والتآزر قد صارا فى هذه التجربة العصرية الفريدة قانوناً لوحدة الأشياء والأحياء ولوحدة الزمان منذ البدء، الميلاد، ومنذ لحظة الدروج والنشوء، وأمر (كن): وأعود كما عاد الماء إلى الماء وكما عادت كل الأشياء امرأة غيرت العمر العادى – فأعادت فى التكوين – رقصت ليلة ميلادى رقصا شرقيا مجنونا – أصبحت المجنون يا متعة أعصابى – يا موسيقى حجراتى والعمر الميمون – يا واحدتى – يا كاشفتى من سيقبل كفى مثلك يا صاحبتى ..؟ قال اللامعقول ليا – كن فأكون. وتمضى إبداعات أحمد الشوكى فى هذا الأفق، تآزر الفنون.