الأبناء ..إنهم أثمن ما يملك الإنسان بعد الوالدين. فمن أجلهم يعمل الناس ويكدون ويكدحون. ومن أجلهم يبذل الناس الغالى والنفيس لإرضائهم وتلبية إحتياجاتهم، وللدفاع عنهم يجود الناس ولو بأرواحهم من أجل توفير غد أفضل للابن والابنة. إنها سُنة من سنن الحياة وأمر غريزى موجود منذ بداية البشرية ذاتها وسيستمر أيضا إلى أن يشاء الله. وعندما خرجت الجماهير فى ثورة يناير 2011 فإنها كانت تطالب بغد أفضل للأبناء، وعندما خرجت الجماهير مجددا فى 30 يونيو 2013 فإن المطلب كان حماية مستقبل مصر، أى الأبناء والأجيال القادمة، من الانزلاق فى هوة الضياع والتشريد ومحاول النهوض والانطلاق لتوفير حياة أفضل للوطن وللأبناء من الأجيال القادمة. ويعد التعليم أحد المحاور الرئيسية التى توصل أى أمة فى أى زمان ومكان إلى أهدافها المنشودة فى مجالات التنمية والتفوق العلمى والتكنولوجى والتنمية المجتمعية. ويستعد الكثير من أولياء الأمور فى مصر حاليا لإلحاق أطفالهم الصغار بمجموعة من المدارس المتميزة التى تم الإعلان عنها (النيل، الألمانى، اليابانى). وجذب مشروع المدارس المصرية اليابانية بوزارة التربية والتعليم الانتباه، حيث وصفه المطلعون على الشأن التعليمى فى مصر بالمشروع الأول من نوعه الذى يتناول النمو المتكامل للشخصية، وهو ما تسعى الوزارة إلى تطبيقه، بالاستفادة من خبرات اليابانيين فى المدارس المصرية. وقد بدأت مصر تفكر فى نقل التجربة اليابانية فى التعليم، بعد الزيارة الرسمية للرئيس عبد الفتاح السيسى لليابان العام الماضى، وتم الإعلان عن المشاركة بين مصر واليابان من أجل تعزيز التعليم من خلال أنشطة "التوكاتسو" (أسلوب التعليم اليابانى). ولكن ما الذى يقوله اليابانيون أنفسهم فى تعريفهم لبرنامجهم التعليمى التربوى؟ إنهم يرون فى اليابان أن تعليم الطفل من مختلف الجوانب يشكل هدفا أمام العديد من البلدان مع انتشار العولمة. وأن النجاح فى الحياة لا يعتمد على الذكاء وحده، بل يتعلق أيضا بالاستقرار العاطفى والقيم والسلوك والمهارات الاجتماعية. وهم يؤكدون أن اهتمام الجميع منصب على قدرات التواصل والتعاون مع الآخرين، والسلوك والقيم التى تمكننا من "العمل" فى عالم متعدد الثقافات، وإتقان مهارات التفكير العليا، بالإضافة إلى المعارف الأساسية والمتقدمة فى مختلف المجالات. وهم يرون أن أهم وظائف المدرسة الابتدائية هو إيجاد "ذكريات سعيدة" فى أذهان التلاميذ الصغار. وقد رصد اليابانيون اتجاه العديد من المنخرطين فى العملية التربوية من أنحاء العالم إلى مطالبة المدارس بالقيام بدور أكبر فى تطوير الطفل بشكل "شامل". وفى اليابان يضم المنهاج الدراسى الرسمى فى اليابان "حصصا" (يتحدثون عن حصص وليس عن مدارس كاملة) لتعليم الطفل الشامل. وتعد فترة الأنشطة الخاصة (توكوبيتسو كاتسودو) والتى تدعى اختصارا "توكاتسو" أحد العناصر المركزية فى الطريقة اليابانية لتعليم الطفل الشامل. ولم يتم تقديم مفهوم التوكاتسو خارج اليابان حتى الآن إلا فيما ندر. وحتى نفهم ماهية التوكاتسو بشكل أفضل علينا إدراك أن اليابانيين يسعون من خلاله إلى تطوير الطفل ليكون متوازنا بشكل كامل. فهم يدركون أنه فى سبيل النجاح فى مجتمع الغد السريع التغير، نجد أنه من المهم ضمان تنمية متوازنة لثلاثة عناصر لدى كل طفل وهى : الفكر والفضيلة (الأخلاق) والجسد. وهذا بهدف حصول كل طفل على أساس متين من الكفاءة الأكاديمية (تاشكانا جاكوريوكو) والعواطف الغنية (يوتاكانا كوكورو) والنمو البدنى الصحى (سوكوياكانا كارادا). وإنه لمن المتعارف عليه أن مستوى التعليم والمهارات التى تحصل عليها القوى العاملة (وهم أطفالنا وشبابنا فى المدارس والمعاهد والجامعات) هى التى يتولد عنها المعرفة العلمية التى يقوم عليها أساس تقدمنا وتطورنا. إن الآلاف من أطفال مصر إذا استطاعوا الذهاب إلى مدرسة تقدم تدريس على درجة مرتفعة من الجودة؛ فإن ذلك سيؤدى بشكل مباشر إلى تحريك ودفع مواهبهم، وعندها سيكون من السهل أن نجد لدينا فى مصر مجموعة من الطلبة توازى أو تفوق قدراتهم بيل جيتس أو زويل أو غيرهم من العلماء والخبراء الذين غيروا وجه العالم. وهنا يلح سؤال هام لم يتم تقديم إجابة حاسمة عليه حتى الآن، وهو: لماذا لجأنا إلى نموذج يابانى على الرغم من تطبيق عدة نماذج إنجليزية وأمريكية وفرنسية وألمانية فى العقود السابقة، وهى مستمرة إلى اليوم؟ وهل ثبت فشل تطبيق النماذج سالفة الذكر بشكل تام حتى يتم تخصيص أعداد كبيرة من المدارس وبشكل عاجل لتطبيق المشروع اليابانى؟ وكيف سيتم "التعامل مع" الغالبية العظمى من الطلبة المصريين ممن سيتدفقون مع بداية العام الدراسى الجديد على مدارسهم التى تتبنى فسيفساء من النماذج المختلفة بداية من نموذج شرشر ونهاية بالنموذج الألمانى واليابانى؟! إن إنتظار نتائج التجربة سيستغرق سنوات ستشهد تعديلات على النموذج الذى يتم تطبيقه والذى نتمنى أن يكون تعديل إلى الأفضل بما يتماشى مع آمالنا فى مستقبل أفضل لأبنائنا ولمصرنا الغالية. لمزيد من مقالات طارق الشيخ;