بعد ثورتي 25 يناير و3 يوليو، وضع الشعب المصري آمالا كبيرة علي نخبته السياسية والثقافية لقيادة عملية التحول السياسي، ووضع مصر على عتبة الانطلاق وتحقيق المكانة التي تستحقها بالداخل والخارج، والعبور بمصر إلي بر الأمان، ولكن سرعان ما تبخرت تلك الأحلام بعد الفشل الذريع الذي منيت به تلك النخبة ليس في قيادة الحياة السياسية وإرساء ملامح الديمقراطية فحسب، وإنما فشلهم أيضًا في قيادة أحزابهم، التي انهارت وتصدعت من الداخل بسبب الخلافات الشخصية التي سيطرت علي المشهد العام، خاصة أن النخبة التي ظهرت بعد 25 يناير و30 يونيو لم تجد التعامل مع التحديات التي واجهت المجتمع، أو الشعب بشكل عام، بحيث لم تفهم لغته وتعاملت معه بقدر كبير من الاستعلاء السياسي، كما أن مفاهيمهم كانت متأخرة عن مفاهيم الشباب، واهتماماتهم لم تركز علي القضايا الملحة والمستقبلية التي تهم المواطن، وكان خطابهم نخبويا لا يفهمه المواطن البسيط. ومع مرور الوقت بدأت تتكشف حقائق هذه النخبة التي لم يكن يتوقع أحد أن تكون نهايتها السياسية بهذا الشكل وتلك السرعة، وأثبتت الأيام أنها لم تكن لديها خبرة بالعمل السياسي الحقيقي، ولم تكن علي دراية بالشعب وهمومه، ولم تعمل إلا من أجل الحفاظ على مصالحها الشخصية والبحث عن الشهرة وتولي المناصب القيادية، وكانوا السبب الرئيسى لفشل الحالة السياسية في الفترة بين ثورتي يناير ويونيو، حيث حاولت النخبة ورجال الأعمال والمنظمات الحقوقية أن تسيطر عليها تحت الرداء الحزبي. والدرس الكبير الذي استفاده الجميع من هذه الحقبة أن الشخصيات العلمية والحقوقية الناجحة، ليس بالضرورة أن تكون شخصية سياسية ناجحة قادرة علي قيادة البلاد وتحقيق نجاحات سياسية، خاصة أن سمات الشخصية السياسية الناجحة تختلف عن سمات الشخصية العلمية. ومن الأحزاب الشاهدة علي فشل النخبة والنشطاء السياسيين الحزب المصري الديمقراطي الذي كان يضم بين مؤسسيه مجموعة من القامات العلمية الكبيرة في جميع المجالات الطبية والاقتصادية والقانونية والصحفية بالإضافة إلي رجال الأعمال، من أمثال الدكتور محمد أبو الغار، والدكتور محمد غنيم، والفقيه الدستوري محمد نور فرحات، وحازم الببلاوي، وداوود عبد السيد، والدكتور زياد بهاء الدين، وهاني شكر الله، وميرفت التلاوي، وكان يراهن الشعب المصري علي هذه النخبة وكان يتوقع لها مستقبل سياسي كبير، ولكنهم فشلوا فى ممارسة العمل السياسي، وفشلوا في أول انتخابات تشريعية يخوضوتها في تاريخهم، ففي انتخابات مجلس الشعب عام 2012 التي خاضها الحزب ضمن تحالف الكتلة المصرية الذي كان يضم حزب المصريين الأحرار والتجمع، لم يحصل حزب المصري الديمقراطي إلا علي 16 مقعدا فقط من أصل 498 مقعدا في حين حصل التحالف علي 34 مقعدا. وبعد فشل حزب المصري الديمقراطي في تحقيق أهدافه التي كان يسعي إليها بسبب الخلافات التي ضربت الحزب من الداخل فضلت بعض النخب اعتزال الحياة السياسية، والبعض الآخر انضم إلي تحالفات أخري. ومن النخب التي فشلت في الحياة السياسية أيضا وكان يعقد الشباب عليها أمالا كبيرة الدكتور محمد البرادعي الرئيس الأسبق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحائز على جائزة نوبل للسلام 2005، الذي عاد إلي مصر في أعقاب ثورة يناير للمشاركة في العملية السياسية بعد سقوط مبارك، ولكن سرعان ما تبخرت أمال وأحلام الشباب في البرادعي بعد الإخفاق الكبير الذي شهده حزب الدستور الذي أسسه البرادعي والذي كان يسعي من خلاله الوصول إلي رئاسة مصر، وكان يحلم البرادعي بضم 5 ملايين مصري للحزب، وبعد قرابة العام من الإعلان عن نيته خوض انتخابات الرئاسة تراجع عن هذه الفكرة. وعن أسباب فشل النخبة في العمل السياسي قال الدكتور صلاح فوزي عضو لجنة الإصلاح التشريعي، إن كثيرا من النخب عبارة عن ظاهرة صوتية نشأت عندما اتيحت لهم فرصة الوقوف أمام كاميرا ووضع أمامهم ميكروفون، فالنخبة أحيانا تولد بقانون المصادفة وقانون الفرصة مشيرا إلي أن عددا كبيرا من النخب اختفت ولم يعد لها وجود لأن وجودها كان عارضا، لأنهم تمسكوا بالظاهرة الصوتية ووقفوا عندها، ولم يفعلوا أي شيء، ومصر تحتاج إلي ثقافة الأفعال بدل من ثقافة الأقوال التي تنتهجها كثيرا من النخب. وأوضح أن من أسباب فشل النخبة أنهم ليسوا مدربين علي إيجاد الكوادر ويعتمدون علي حزب الزعيم، والأحزاب التي تقام علي أساس الزعامة لا تستطيع أن تحقق أي نجاح وتفشل مع مرور الوقت، فالحزب الناجح الذي يعتمد علي كوادره وعلي انتشاره في عموم الدولة. وأضاف صلاح فوزي: من أسباب فشل النخبة أيضا أنهم لم يتدرجوا في السلم السياسي مشيرا إلي أن السياسي الناجح هو الذي يتدرج في ممارسة السياسة بداية من المحليات ومرورا بالبرلمان وحتي تولي المناصب القيادية، فالمحليات هي مصنع كبار السياسيين. ومن جانبه قال الدكتور سامي عبد العزيز عميد كلية إعلام القاهرة الأسبق إن النخبة لم تستطع أن تحقق أي نجاح سياسي يذكر لأنها لا تعرف مفاتيح الشعب المصري ولا تجيد لغته، ولم تتحدث بلغة الشعب ولم يركزوا علي القضايا الداخلية التي تهم المواطن المصري، كما أن اختياراتهم لمساعديهم كانت من شباب متغرب، متشرب لمفاهيم لا تتماشي مع المجتمع المصري وثقافته، مما أفقدهم تعاطف الرأي العام. وأوضح أنه مع مرور الوقت تكشفت حقيقة هذه النخبة وأنهم كانوا يبحثون عن مصلحتهم الشخصية وكانوا يسعون للمنصب ولم تكن مصلحة الوطن نصب أعينهم، مشيرا إلي أنهم كانوا يجمعون بين المتناقضات، فتجدهم يفتحون أذرعهم لكل الاتجاهات الفكرية المتناقضة، فمرة تجدهم يضعون أيديهم في أيد اليمين، ومرة في أيد اليسار ومرة أخري في أيد الإخوان، وليس هناك شخص في العالم يستطيع أن يجمع بين هذه المتناقضات. وأشار عبد العزيز إلي أن البعض حاول إظهار أن هناك التفافا من الشباب حول هذه النخبة وهو عكس الحقيقة، موضحا أنه كان التفاف الأقلية وأصحاب الصوت العالي وليس أصحاب الحس الوطني العالي الذين كانوا يبحثون عن مصلحة الوطن، وهذه الأقلية هي التي أطلقت علي البرادعي أيقونة الثورة وهو عكس الحقيقة، متسائلا هل الشباب الذي كان يقف خلف النخبة هم الشباب المصري الحقيقي «الفلاح والعامل»، الذين يمثلون أغلبية الشباب فى مصر. وأوضح أن بعض الشباب الذي كان ملتف حول هذه النخبة كان شبابا مضللا ومخدوعا, ولكنهم مع مرور الوقت اكتشفوا حقيقة هذه النخبة التي لم تكن تعمل إلا لمصلحتها. ومن جانبه قال النائب حاتم باشات عضو مجلس النواب عن حزب المصريين الأحرار إن فشل النخبة في الحياة السياسية في مصر لعدم وجود قواعد شعبية لهم، وقلة خبرتهم في العمل السياسي، وانعدام القبول السياسي، إضافة لعدم وجود برامج حقيقية، مشيرا إلي إن الشعب المصري كان حقل تجارب للنخبة في الفترة ما بين 25 يناير وحتي 30 يوينو. وأشار باشات إلي أن بعض النخب أمثال الدكتور محمد البرادعي كان يستغل الوقت والظروف التي تمر بها مصر لتحقيق مكاسب شخصية، كما كان لديه أجندة خاصة يريد تنفيذها، وكان يحرض بعض دول العالم علي مصر، ولكن الوعي السياسي للمواطن المصري خاصة بعد 30 يونيو أجهض كل مخططاته. وأوضح أن الشخصية العلمية قد تكون مفيده في العمل السياسي ولكنها ليست الأساس فالسياسي الناجح، يجب أن يكون صاحب موهبة ولديه إرادة بأن يكون سياسيا ناجحا، وأن يعمل علي ثقل موهبته السياسية بالعلم. ومن جانبه قال إبراهيم الشهابي أمين شباب حزب الجيل الديمقراطي، بعد ثورة 25 يناير شهدت مصر حالة من الفوضي والسيولة السياسية وانتشرت ظاهرتان الأولي امتلاك رجال الأعمال الأحزاب والثانية تخفي منظمات حقوقية تحت الرداء الحزبي، وكلا الطرفين سواء كان رجال الأعمال أو المنظمات الحقوقية ليس لهم مدارس سياسية أو فكرية تستطيع أن تنشئ برامج وتنظيمات حزبية حقيقية. وأوضح أن البرادعي ليس صاحب تاريخ سياسي كبير ويعتبر من أحد أسباب فشل الحالة السياسية في الفترة التي بين ثورتي يناير ويونيو، مشيرا إلي أن أسباب فشله السياسي بداية من الجمعية الوطنية للتغيير وصولا لحزب الدستور، وعدم معرفته بالشارع المصري، وضعف الكاريزما السياسية، وقلة خبرته السياسية.