الجماهير المصرية التفت حول نداء ثورة 25 يناير الشهير «عيش حرية كرامة إنسانية»، أملا فى اسقاط من افقروا الشعب، وسلبوا حقوقه وتسببوا فى تأخر البلاد سياسيا واقتصاديا وثقافيا، واليوم تحل الذكرى السادسة. ولكن ما برحت الثورة تتحسس خطاها حتى انقض عليها الغلواء ودعاة الدين بالباطل، وانتفض المصريون من جديد رفضا للوصاية المشروطة، واطلقت الشرارة بثورة الشعب والجيش «30 يونيو»، والتف الجميع حول الرئيس عبدالفتاح السيسى لبدء مرحلة جديدة من النضال الوطنى تحدد ملامح الطريق والنهوض بالوطن وأهله، بعدما تخلف لسنوات طويلة. وتبدأ مصر الانطلاق إلى رحاب واسعة تحقق التقدم المنشود وتلحق بركب التقدم وسط مجتمع قوى متماسك لا يقصى أحدا من ابنائه وتياراته وينهى حالة الصداع والانقسام. منذ وضع الشعب المصرى بعد ثورة 25 يناير، آمالا كبيرة على نخبته السياسية والثقافية لقيادة عملية التحول السياسي، ووضع مصر على عتبة الانطلاق وتحقيق المكانة التى تستحقها بالداخل والخارج، والعبور بمصر إلى بر الأمان، ولكن سرعان ما تبخرت تلك الأحلام بعد الفشل الذريع الذى منيت به تلك النخبة ليس فى قيادة الحياة السياسية وإرساء ملامح الديمقراطية فحسب، وإنما فشلهم أيضًا فى قيادة أحزابهم، التى انهارت وتصدعت من الداخل بسبب الخلافات الشخصية التى سيطرت على المشهد العام، خاصة أن النخبة التى ظهرت بعد 25 يناير لم تجد التعامل مع التحديات التى واجهت المجتمع، أو الشعب بشكل عام، بحيث لم تعد تفهم لغته وتتعامل معهم بقدر كبير من الاستعلاء السياسي، كما أن مفاهيمهم لا تتماشى مع المجتمع وثقافته، واهتماماتهم لم تركز على القضايا الملحة والمستقبلية التى تهم المواطن، وكان خطابهم نخبويا لا يفهمه المواطن البسيط. ومع مرور الوقت بدأت تتكشف حقائق هذه النخبة التى لم يكن يتوقع أحد أن تكون نهايتها السياسية بهذا الشكل وتلك السرعة، وأثبتت الأيام أنها لم تكن لديها خبرة بالعمل السياسى الحقيقي، ولم تكن على دراية بالشعب وهمومه، ولم تعمل إلا من أجل الحفاظ على مصالحها الشخصية والبحث عن الشهرة وتولى المناصب القيادية، وكانوا السبب الرئيس لفشل الحالة السياسية فى الفترة بين ثورتى يناير ويونيو، التى حاولت النخبة ورجال الأعمال والمنظمات الحقوقية أن تسيطر عليها تحت الرداء الحزبي. والدرس الكبير الذى استفاده الجميع من هذه الحقبة أن الشخصيات العلمية والحقوقية الناجحة، ليس بالضرورة أن تكون شخصية سياسية ناجحة قادرة على قيادة البلاد وتحقيق نجاحات سياسية، خاصة أن سمات الشخصية السياسية الناجحة تختلف عن سمات الشخصية العلمية. ومن الأحزاب الشاهدة على فشل النخبة والنشطاء السياسيين حزب المصرى الديمقراطى الذى كان يضم بين مؤسسيه مجموعة من القامات العلمية الكبيرة فى جميع المجالات الطبية والاقتصادية والقانونية والصحفية بالإضافة إلى رجال الأعمال، من أمثال الدكتور محمد أبو الغار، والدكتور محمد غنيم، والفقيه الدستورى محمد نور فرحات، حازم الببلاوي، وداود عبد السيد، والدكتور زياد بهاء الدين، وهانى شكر الله، وميرفت التلاوي، وكان يراهن الشعب المصرى على هذه النخبة وكان يتوقع لهم مستقبلا سياسيا كبيرا، ولكنهم فشلوا العمل السياسي، وفشلوا فى أول انتخابات تشريعية يخوضونها فى تاريخهم، ففى انتخابات مجلس الشعب عام 2012 التى خاضها الحزب ضمن تحالف الكتلة المصرية الذى كان يضم حزب المصريين الأحرار والتجمع، لم يحصل حزب المصرى الديمقراطى الحصول إلا على 16 مقعدا فقط من أصل 498 فى حين حصل التحالف على 34 مقعدا. وبعد فشل حزب المصرى الديمقراطى فى تحقيق أهدافه التى كان يسعى إليها بسبب الخلافات التى ضربت الحزب من الداخل فضلت بعض النخب اعتزال الحياة السياسية، والبعض الآخر انضم إلى تحالفات أخري. ومن النخب التى فشلت فى الحياة السياسية أيضا وكان يعقد الشباب عليها آمالا كبيرة الدكتور محمد البرادعى الرئيس الأسبق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحائز على جائزة نوبل للسلام 2005، الذى عاد إلى مصر فى أعقاب ثورة يناير للمشاركة فى العملية السياسية بعد سقوط مبارك، ولكن سرعان ما تبخرت آمال وأحلام الشباب فى البرادعى بعد الإخفاق الكبير الذى شهده حزب الدستور الذى أسسه البرادعى كان يسعى من خلاله إلى الوصول إلى رئاسة مصر، بعد الإعلان عن نيته الترشح فى الانتخابات الرئاسية، وقام بتأسيس حزب الدستور فى مايو 2012، بمشاركة عدد من الشخصيات العامة أمثال الدكتور أحمد حرارة والسفير سيد قاسم و الدكتور أحمد دراج، وكان يحلم البرادعى بضم 5 ملايين مصرى للحزب، وبعد قرابة العام من الإعلان عن نيته خوض انتخابات الرئاسة تراجع عن هذه الفكرة. بعد أحداث فض اعتصام رابعة العدوية تقدم البرادعى باستقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية، وترك مصر وتخلى عنها فى فترة صعبة من تاريخها، فترة كانت فيها مصر فى أمس الحاجة لكل أبنائها، ولم يتوقف الأمر على هذا الحد بل بدأ البرادعى يحرض على مصر، ليعلن بذلك انهيار الآمال والأحلام التى علقها الشباب عليه، الأمر الذى دعا البعض للمطالبة بإسقاط الجنسية عنه. وعن أسباب فشل النخبة فى العمل السياسى قال الدكتور سامى عبد العزيز عميد كلية إعلام القاهرة الأسبق إن النخبة لم تستطع أن تحقق أى نجاح سياسى يذكر لأنها لا تعرف مفاتيح الشعب المصرى ولا تجيد لغته، ولم تتحدث بلغة الشعب ولم يركزوا على القضايا الداخلية التى تهم المواطن المصري، كما أن اختياراتهم لمساعديهم كانت من شباب متغرب، متشرب لمفاهيم لا تتماشى مع المجتمع المصرى وثقافته، مما أفقدهم تعاطف الرأى العام. وأوضح أنه مع مرور الوقت تكشفت حقيقة هذه النخبة وأنهم كانوا يبحثون عن مصلحتهم الشخصية وكانوا يسعون للمنصب ولم تكن مصلحة الوطن نصب أعينهم، مشيرا إلى أنهم كانوا يجمعون بين المتناقضات، فتجدهم يفتحون أذرعهم لكل الاتجاهات الفكرية المتناقضة، فمرة تجدهم يضعون أيديهم فى أيدى اليمين، ومرة فى أيدى اليسار ومرة أخرى فى يد الإخوان، وليس هناك شخص فى العالم يستطيع أن يجمع بين هذه المتناقضات. ومن جانبه قال إبراهيم الشهابى أمين شباب حزب الجيل الديمقراطي، بعد ثورة 25 يناير شهدت مصر حالة من الفوضى والسيولة السياسية وانتشرت ظاهرتان الأولى امتلاك رجال الأعمال الأحزاب والثانية تخفى منظمات حقوقية تحت الرداء الحزبي، وكلا الطرفين سواء كان رجال الأعمال أو المنظمات الحقوقية ليس لهم مدارس سياسية أو فكرية تستطيع أن تنشئ برامج وتنظيمات حزبية حقيقة. وأوضح أن البرادعى ليس صاحب تاريخ سياسى كبير ويعتبر من أحد أسباب فشل الحالة السياسية فى الفترة التى بين ثورتى يناير ويونيو، مشيرا إلى أن أسباب فشله السياسى بداية من الجمعية الوطنية للتغيير وصولا لحزب الدستور، عدم معرفته بالشارع المصري، وضعف الكاريزما السياسية، وقلة خبرته السياسية. أرجعت أيضا الدكتورة نهى بكر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية،سبب كثرة الاحزاب وعدم فاعليتها الى أن كافة الدول التى مرت بثورات نتج عنها تضخم فى عدد الأحزاب ،وعدم استطاعتها الوصول إلى الشارع، لعدة أسباب،أهمها عدم وجود رؤية او برامج لدى هذه الاحزاب ،وإن كانت لديها برامج فلا يتم تطبيقها لضعف الموارد المالية لتلك الأحزاب، وضعف القدرات البشرية لقلة عدد أعضائها. وأوضحت أن كثيرًا من الأحزاب المستجدة ليس لديها الخبرة السياسية وتفتقد للقاعدة الموجودة فى الشارع، حيث إنها لم تعمل فترة كافية حتى يتم التعرف عليها. ويؤكد مؤسس حزب مستقبل وطن محمد بدران أن الحزب ظهير سياسى للوطن وليس للرئيس. وفى ابريل 2013 انطلق محمود بدران بحملة شبابية اطلق عليها اسم مستقبل وطن بكل محافظات مصر، لدعم الرئيس السيسى واستطاعت الحملة جمع اكبر عدد من التوكيلات واكبر عدد من الشباب، سرعان ما تحولت الحملة لحزب سياسى عقب ثورة 30 يونيو، حيث تم تدشينه فى 22 يوليو 2014 واعلن بدران وقتها عن ممولى الحزب وكان على رأسهم أحمد ابو هشيمة وكامل ابو على وفرج عامر. وبدأ اسم حزب مستقبل وطن يسطع بين الاحزاب السياسية المصرية باعتباره الحزب الشبابى الوحيد . وخاض بدران الانتخابات البرلمانية طامحا فى حصاد الاكثرية من المقاعد وبالفعل حقق انتصارات كبيرة واحتل المركز الثانى بعد حزب المصريين الاحرار، وحصد 53 مقعدا برلمانيا فى سابقة هى الاولى من نوعها . ووضع بدران أهدافا لحزبه ومنها الحفاظ على كرامة وحقوق المواطن المصرى سواء داخل مصر او خارجها وايضا العمل على تدريب وتمكين الشباب وتثقيفهم وتأهيلهم واكتسابهم للخبرات من ذوى الخبرات والمطالبة بتمكينهم فى مواقع قيادية ودعم التجربة الشبابية. وفى مؤتمر كبير خصصه بدران لعرض رؤيته السياسية عشية افتتاح مجلس النواب الجديد، رفض الانضمام لائتلاف دعم الدولة المصرية، وقال بدران إن الوطنية لا توهب لأحد فى انتقاد مبطن لمقرر الائتلاف اللواء الراحل سامح سيف اليزل. كما شدد رئيس حزب مستقبل وطن آنذاك فى المؤتمر أمام أعضائه ونوابه، على أن الحزب لن يسمح لاى فريق أو جماعة تحاول الاستحواذ على مجلس النواب المقبل وتقوم بتحويله لتورتة تحاول توزيعها كيفما تشاء . وأكد أن الوطنية ودعم الدولة للجميع ولا تخص فئة معينة. بيد أن امسقبل وطن شدد وهو يرفض آنذاك الانضمام لإئتلاف دعم الدولة المصرية على تأكيد دعمه وتأييده الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كل خطواته وقراراته. وبعد هذا الإعلان بساعات قلائل، أكد أحمد سامى المتحدث الإعلامى للحزب أن انسحاب الحزب من الائتلاف المذكور يعود لتحفظه بشأن كيفية إدارة الائتلاف والشخص الذى يتحكم فيه دون تسميته، وكذلك لتجاهله العديد من الكتل البرلمانية للأحزاب.