قوات الدفاع الشعبى والعسكرى تنظم عددًا من الأنشطة والفعاليات    د.أيمن عاشور: سنقوم لأول مرة بمتابعة الخريجين لمعرفة مدى حاجة سوق العمل لكل تخصص    حملات مكثفة لاسترداد وتحصيل مستحقات الدولة بالوادي الجديد    تعديلات قانون الإيجار القديم 2024 للشقق السكنية والمحلات    رئيس هيئة الرعاية الصحية يشارك في الجلسة الختامية لملتقى الصحة الإفريقي 2024    محافظ كفرالشيخ يتابع جهود الزراعة للمحاصيل الصيفية وندوات توعوية للمزارعين    3500 طفل معرضون للموت بسبب سوء التغذية في غزة    أخبار الأهلي : الأهلي يكشف حقيقة انتهاء عقد كولر بنهاية الموسم    ليفربول يسعى للتعاقد مع صفقة جديدة    رئيس مصايف الإسكندرية ينفي وجود اشتباكات بالشوم والعصا بين رواد أحد شواطئ شرق    تفاصيل مشاجرة شاطئ جزيرة الدهب في الإسكندرية    مصرع طفل صعقًا بالكهرباء داخل محل في المنيا    مسؤول حماية مدنية فى السويس يقدم نصائح لتجنب حرائق الطقس شديد الحرارة    طلاق الإعلامية دانية الشافعي مقدمة برامج mbc 3    غزة: 15517 شهيدًا من الأطفال منذ بدء الحرب ووضع إنساني كارثي    السياحة: مقترح بإطلاق تطبيق لحجز تأشيرة الدخول إلى مصر والمناطق الأثرية والسياحية    أحكام الأضحية.. ما هي مستحبات الذبح؟    جامعة طنطا تطلق قافلة تنموية شاملة بمحافظة البحيرة بالتعاون مع 4 جامعات    نتيجة الإبتدائية والإعدادية الأزهرية 2024 بالاسم "هنا الرابط HERE URL"    بالأسماء.. إصابة 17 شخصًا في حادث تصادم بالبحيرة    بوتين: أوروبا عاجزة عن حماية نفسها أمام الضربات النووية على عكس روسيا والولايات المتحدة    بايدن يعلن عن مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 225 مليون دولار    المتحدث باسم وزارة الزراعة: تخفيضات تصل ل30% استعدادًا لعيد الأضحى    وزير الصناعة يستعرض مع وزير الزراعة الروسى إنشاء مركز لوجيستى للحبوب فى مصر    تكبيرات عيد الأضحى 2024.. تستمر ل عصر رابع يوم    غدا محاكمة أم وعشيقها في واقعة قتل الطفلة ريتاج بمدينة نصر    تزامنًا مع الموجة الحارة.. وكيل «صحة الشرقية» يتفقد مستشفى الحسينية ويوجه بتطوير الخدمات    زيادة ألف جنيه في دواء شهير لارتفاع ضغط الدم    استطلاع: غالبية الألمان تحولوا إلى رفض العدوان الإسرائيلي على غزة    تعرف على موعد عزاء المخرج محمد لبيب    "الهجرة": نحرص على المتابعة الدقيقة لتفاصيل النسخة الخامسة من مؤتمر المصريين بالخارج    استبعاد كوبارسي مدافع برشلونة من قائمة إسبانيا في يورو 2024    الأمم المتحدة: شن هجمات على أهداف مدنية يجب أن يكون متناسبا    أوقفوا الانتساب الموجه    إيرادات الخميس.. "شقو" الثالث و"تاني تاني" في المركز الأخير    كيف تحمي نفسك من مخاطر الفتة إذا كنت من مرضى الكوليسترول؟    الناقد السينمائي خالد محمود يدير ندوة وداعا جوليا بمهرجان جمعية الفيلم غدا    مفتى السعودية يحذر من الحج دون تصريح    الأوقاف: افتتاح أول إدارة للدعوة بالعاصمة الإدارية الجديدة قبل نهاية الشهر الجاري    "البحوث الفنية" بالقوات المسلحة توقع بروتوكول مع أكاديمية تكنولوجيا المعلومات لذوي الإعاقة    «التعليم العالي»: تحالف جامعات إقليم الدلتا يُطلق قافلة تنموية شاملة لمحافظة البحيرة    وزير الزراعة يعلن فتح اسواق فنزويلا أمام البرتقال المصري    ميسي يعترف: ذهبت إلى طبيب نفسي.. ولا أحب رؤيتي    الانتخابات الأوروبية.. هولندا تشهد صراع على السلطة بين اليمين المتطرف ويسار الوسط    الموسيقات العسكرية تشارك في المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية    "الإفتاء": صيام هذه الأيام في شهر ذي الحجة حرام شرعا    الأنبا باخوم يترأس قداس اليوم الثالث من تساعية القديس أنطونيوس البدواني بالظاهر    الزمالك يقترح إلغاء الدوري    محمد صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في ليفربول بموسم 2023-2024    التعليم العالى: إدراج 15 جامعة مصرية فى تصنيف QS العالمى لعام 2025    ضياء السيد: حسام حسن غير طريقة لعب منتخب مصر لرغبته في إشراك كل النجوم    المتحدة للخدمات الإعلامية تعلن تضامنها الكامل مع الإعلامية قصواء الخلالي    محافظ أسوان: طرح كميات من الخراف والعجول البلدية بأسعار مناسبة بمقر الإرشاد الزراعي    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    مفاجأة.. دولة عربية تعلن إجازة عيد الأضحى يومين فقط    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبيل عمر يكتب
القاهرة 30 يونيو.. المواطن والشارع والسلطة مشاهد لشعب يصحح مسار التاريخ ويحافظ على وطنه من التفتيت والحرب الأهلية هل يمكن أن توجد علاقة بين القاهرة 30، والقاهرة 30 يونيو؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 06 - 2017

يبدو السؤال غريبا للغاية، القاهرة 30 فيلم سينمائي، عن رواية للمبدع الرائع نجيب محفوظ، والقاهرة 30 يونيو ثورة على واقع مرفوض، صنعها شعب تمرد على مؤامرة كبرى، كانت تعمل على تفتيت وطنه وإشعال نيران حرب أهلية وتحويل مواطنيه إلى لاجئين؟
من أين تأتي العلاقة أذن بين الفيلم والثورة؟
الفيلم عن رواية هي تحريض على الثورة ضد أوضاع اجتماعية ظالمة تخنق أناسا وتقتلع جذورهم الإنسانية، وتفسد عليهم كل شئ في حياتهم، ولنجيب محفوظ روايتان كتبهما بعد عام 1945، تفسران لنا الدوافع التي تغلي في نفوس المصريين ليتمردوا ويثوروا على واقعهم وهما «القاهرة الجديدة» و«بداية ونهاية».
صحيح أن أبطال القاهرة الجديدة لم يندفعوا إلى الثورة، وهرستهم الأوضاع التي فرضت عليهم، فخسروا أنفسهم وإنسانيتهم، لكن أبطال القاهرة 30 يونيو 2013 ثاروا فعلا، خرجوا إلى كل الشوارع والميادين والأزقة والحارات، يهتفون للجماعة «النهاردة العصر.. أخر يوم في القصر»، مُصرين على أن يكونوا مواطنين في دولة عصرية لا رعية في إمارة دينية، وغيروا مسار تاريخ المنطقة العربية كلها.
لم يكن الطريق سهلا أو ممهدا، بل كان محفوفا بالمخاطر ويهدده الدم المراق من على جانبيه، فالجماعة لها تنظيم خاص وتاريخ في العنف هم ينكرونه بالرغم من الوثائق والبراهين والأدلة الدامغة عليه، بينما الناس لا يملكون إلا الرغبة في الحفاظ على الوطن والحلم في طرد الكابوس، والإرادة التي تُلين الصخر.
المدهش أن الرئيس القادم من الجماعة الدكتور محمد مرسي هو الذي رسم أول خطوة في 30 يونيو 2013، هو الذي حفر قبر رئاسته بقرار عودة مجلس الشعب المنحل بناء على حكم من المحكمة الدستورية بفساد القانون الذي جرت على أساسه الانتخابات، ثم أكمل كل الخيوط والخطوط بدأب عجيب، حتى اكتملت اللوحة العبقرية لشعب مصر في كل محافظة، ومدينة، ومركز، وقرية وكفر ونجع، فوجد نفسه وجماعته وحلفاءه خارجها، فألوان اللوحة وتكويناتها مختلفة تماما عن ألوانهم وتكويناتهم، فكان الخروج حتميا.
فعلا سيناريو أغرب من الخيال..
-1-
في صباح 30 يونيو بدت شوارع القاهرة شبه خالية، ومحالها مغلقة ونوافذ البيوت والبلكونات مرفوع عليها أعلام مصر ولافتات مكتوب عليها عبارات تشي بما يريده أصحابها «ارحل»، « يسقط يسقط حكم المرشد» وهكذا.
كانت حالة سيولة المرور رائعة ، إنه اليوم الموعود الذي سيهرع فيه الناس إلى الشوارع، فمكثوا في بيوتهم يستعدون له، يترقبون الموقف وينتظرون أن تهدأ الشمس الملتهبة ويتبدد صهدها مع غيابها خلف الأفق الغربي، فدرجة الحرارة كما أعلنت هيئة الأرصاد تجاوزت 35 درجة.
قبلها بثلاث ساعات، تحديدا في الفجر تحرك موكب الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء من بيته في جولة تفقدية بالقاهرة، بدأها بميدان التحرير والمناطق المحيطة به، ثم إلى ميدان مصطفي محمود ورمسيس، وإلى قصر الاتحادية، يراجع على الواقع إجراءات الأمن وحماية المنشأت، ثم استقر في مبني وزارة الاستثمار في شارع صلاح سالم الملاصقة لأرض المعارض ، ولم يذهب إلى مكتبه في مقر مجلس الوزراء، وقلده عدد من الوزراء وهجروا مكاتبهم منهم وزراء التعليم والتعليم العالي والاوقاف والصحة.
كانت شائعات قد ترددت أن الرئيس مرسي سوف يُحدث تعديلا وزاريا موسعا، يتخلى فيه عن الدكتور هشام قنديل، لتخفيف حالة الاحتقان في البلد، لكن الدكتور سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان كما كانوا يصفونه وقتها، عقد معه اجتماعا سريا، طمأنه خلاله إلى تأييد الحزب له ومساندته الحكومة في عملها.
-2-
لم يفلح قرار وزارة المالية صرف معاشات يوليو بالعلاوة الجديدة يومها في تحريض ما يقرب من تسعة ملايين مواطن على الوقوف أمام مكاتب البريد والبنوك في أنحاء البلاد لاستلام المعاش، ربما لأنهم خمنوا أن أغلب الموظفين لن يذهبوا إلى أعمالهم، وهذا ما حدث فعلا، فبدت المكاتب الحكومية مهجورة، ليس في القاهرة فقط وإنما في كل محافظات مصر، ولم تقترب نسبة الحضور من 40 ٪ إلا في محافظة دمياط فقط، ولم تتجاوز 10 ٪ في المنوفية والدقهلية، أما في البحيرة وسوهاج وأسيوط وكفر الشيخ وبني سويف والإسماعيلية، فقد أغلقت أبواب تلك المكاتب بالجنازير.
أما في مجمع تحرير بالقاهرة، فقد وقف على بابه مجموعة من الالتراس والمعاقين ومنعوا الدخول وطردوا الموظفين الذين جاءوا مبكرا، وقال محسن رشاد منسق ثوار من أجل تراب مصر المعاقين: إن المعاقين قادرون على إسقاط الرئيس إذا لم يستطع الأسوياء ذلك.
في نفس الوقت كان الأستاذ محمد عطية مدير إدارة غرب القاهرة بالمجمع يجمع مستندات إدارته الضرورية، من دفاتر الحضور والانصراف والمرتبات والمخازن، وبيانات الطلاب والنتائج..الخ، استعدادا للرحيل عن المبني والانتقال بموظفيه، ثلاثة آلاف وخمسمائة موظف، إلى مدرسة السبتية، كمقر مؤقت، وقد عمل حسابه، فحين يحتل المتظاهرون ميدان التحرير، لا يعرف أحد متى يغادرونه ويعودون إلى بيوتهم
وأيضا اختفت طوابير السيارات أمام محطات الوقود لأول مرة منذ شهور، فمن هو الذي يغامر وينزل بسيارته في وقت تتجمع فيه رياح الثورة لتهب على وطن محتقن؟
وبالرغم من حرارة الجو إلا أن بعض المناطق سبقت في إعلان تمردها في الثامنة صباحا كما حدث في مدينة الشهداء بالمنوفية والزقازيق بالشرقية، وهتفت النساء: صوت المرأة ثورة وليس عورة.
أما في قرية كفر الترعة القديم بمحافظة الدقهلية، وهي مسقط رأس خيرت الشاطر نائب المرشد العام والرجل الحديدي في التنظيم، فقد خرج أهلها يحملون صورا لخيرات ومحمد بديع، ومحمد مرسي وعصام العريان، وعليها علامات أكس حمراء بطول كل صورة.
في المقابل ظل ميناء الإسكندرية يعمل بكامل طاقته تحت حماية الجيش والشرطة.
-3-
لأسباب كثيرة يمكن التنبؤ بها كان فتحي في شقته بحي البساتين، منخرطا في صناعة قنبلة يدوية، وهي صناعة خطيرة لا يُؤْمِن جانبها، فانفجرت القنبلة فيه ودمرت جزءا كبيرا من شقته، فتحي في الأربعينيات من عمره، كان سجينا سابقا ولا يعرف عنه أي ميول تشددية، ربما كان يتاجر في تلك الأنواع من الأسلحة على قدر الحال.
على امتداد اليوم قبضت أجهزة الأمن على تجار سلاح في ثلاث محافظات: القاهرة والسويس وشمال سيناء، وضبطت أنواعا مختلفة من أسلحة كانت على الطريق لأيدي المشترين: آر بي جي، رشاشات ألية، قنابل يدوية، طلقات بوصة ونصف بوصة، ستة صواريخ طول كل منها متر ونصف المتر.
واغتيل مفتش جنوب سيناء بأكثر من 36 طلقة أخترقت جسده.
-4-
على منتصف النهار خرج أهالي قرية دفرة، مركز طنطا بالغربية، وقطعوا الطريق الزراعي القاهرة -الإسكندرية في الاتجاهين بالحجارة الضخمة، وهو نفس ما فعله أهل قرية طوخ طنبيشا الواقعة بين مدينتي بنها وقويسنا، وتكرر الشىء نفسه على طريق دمياط المنصورة، وطريق الصعيد الزراعي في أكثر من منطقة.
لم تنتظر أسيوط هدأة الشمس وأغرت أهلها بأن يكتسبوا بعضا من سخونتها، فنزلوا إلى الشوارع بعد الظهيرة يرفعون اعلام مصر بداخلها الهلال والصليب، يهتفون ضد الجماعة والرئيس الذي منها، وملأوا محيط مبني ديوان عام المحافظة، لكن أنصار الجماعة لم يتركوهم واعتلوا أسطح العمارات المواجهة لمبني المحافظة وأطلقوا أعيرة نارية وخرطوش، فسقط أول شهداء أسيوط «أبانوب عادل»، وبعده محمد عبد الحميد، ولم يتخل المتظاهرون عن الميدان وأصروا على البقاء فيه إلى أن يرحل مرسي وجماعته عن حكم مصر.
وهتفوا : لو ابو الهول ساب مصر أحنا مش حنسيبها.
-5-
بعد ساعات طويلة تجاوزت الشمس قلب السماء ومالت إلى الغرب، وتخففت من لهيبها إلى حد ما، فراحت ملايين الأقدام تهرول خارجة من بيوتها على امتداد البلاد من أسوان إلى مطروح، وتتجمع في مسيرات متجهة إلى الميادين الرئيسية بالمدن والمراكز، في مشهد لم تره مصر ولا العالم من قبل.
وفى القري والنجوع راحت الناس تدور في حواريها وأزقتها، ثم تقف على الزراعيات، وهي الطرق الرئيسيّة..منهم ناس بسطاء لم يسبق لأي منهم أن خرج في مظاهرة أو حتى خطرت على باله، كانوا أول مرة في حياتهم يتجمعون معا ويهتفون معا: أدي للي ظلمك ميت شلوت.. مصر حترجع بنت بنوت، كدابين كدابين..ضحكوا علينا بالدِّين.
كانت مصر في الشوارع، كتلا من الجرانيت البشرية تزلزل أساسات الجماعة وتجرفها في طريقها..
كان قضاة مصر قد بدأوا اعتصاما أمام دار القضاء العالي، ووقفوا يحيطهم الجلال في مدخل الدار المهيبة، ويقولون لشعبهم أن مؤسسة العدالة جزء منهم تشاركهم في إزالة الغمة التي حاقت بهم تحت وطأة الاضطراب والارتباك والمخاوف، نعم الشعوب أحيانا ترتكب حماقات وتعمل حسابات خاطئة، من أول اليابان إلى الولايات المتحدة، بعضها يعيد تصحيحها بسرعة وبعضها لا يفعل فتسقطه حساباته الخاطئة في الهاوية..وهاهم المصريون يعدلون المسار المرتبك.
وعلى مقربة من القضاء تجمع بضع مئات من الصحفيين يتراصون معا في شارع عبد الخالق ثروت، يهتفون ويتهيأون للتحرك إلى ميدان التحرير.
على الجانب الأخر من نهر النيل أمام وزارة الثقافة اندفع روائيون وشعراء ورسامون وموسيقيون وممثلون ومخرجون ومؤرخون ومصورون ومهندسو ديكور وصوت، ونقاد أدب وسينما، وأساتذة فلسفة وصحفيون وعلماء اجتماع وسياسة واقتصاد في مسيرة ضخمة هبطت من ديوان وزارة الثقافة التي كانوا يعتصمون بها، رافضين أخونة الثقافة، إلى شارع 26 يوليو، متجهة إلى الميدان، حاملين قباقيب خشبية يدقون بها كما لو أنهم عازفون في اوركسترا القاهرة السيمفوني يلعبون سوناتا «الرحيل الأخير» للرئيس المغضوب عليه.
لم يختلف حال المصريين في الإسكندرية في ميدان سيدي جابر أو القائد إبراهيم عنهم في إسماعيلية أو بورسعيد أو طنطا أو دمنهور أو السويس أو دسوق أو سوهاج أو أسوان أو مطروح..الخ..الكل في الشارع إلا غير القادرين.
بل لم يختلف حالهم في واشنطن ونيويورك والرياض وأوتاوا وباريس ولندن وجنيف وبرلين وأمستردام وملبورن وسيدني، فقد خرجوا بالاعلام والهتافات نفسها.
لكن السيدة أمينة السيد لم تستطع النزول وهي قادرة، أمينة من أسرة كبيرة العدد إخوة وأخوات عندهم أطفال، اتفقت الأسرة على عمل قرعة، ومن تُصبه يكن من نصيبه أن يجلس في البيت مع الأطفال، وينزل الآخرون إلى الاتحادية، واختارت القرعة أمينة، فجلست في البلكونة رافعة علم مصر تهتف، وكلما مرت من أمام عمارتها مسيرة ترتفع حدة الهتاف والتلويح بالعلم : «كان لازم أحس أن أنا في الميدان».
لكن بعض الأسر المصرية من سكان المهندسين نزلوا إلى الشارع وهم يحملون بعضا من «كَنَّبْ» شققهم، دلالة على أن حزب الكنبة لن يجلس صامتا، وسيشارك في المظاهرات بالكنب الساكت.
أما «السيد رضوان» فقد تظاهر ب»بدلة إعدام» حمراء، في يده الكارت الأحمر، وهو كارت حمله ملايين المصريين، وهو بمنزلة قرار طرد للجماعة من ملعب الحياة المصرية، أما رضوان البالغ من العمر 49 سنة فقال عن بدلة الإعدام: عايز أعرفهم أن حقي برقبتي.
و«محمد ريشة» وبالرغم من بلوغه سن الستين، وهى سن يميل صاحبها إلى السلوك الهادئ. الانفعال المحدود، فقد خرج إلى شارع ولي العهد بحي حدائق القبة مقيدا نفسه بسلاسل حديدية ولابسا قناعا عليه وجه الرئيس محمد مرسي.
هذه مجرد صور، من ألاف الصور المبتكرة عاشها المصريون تعبيرا عن رفضهم للجماعة ومرشدها ورئيسها.
-6-
على الضفة الاخرى من نهر القاهرة 30 يونيو، كانت الجماعة غارقة في عالم افتراضي، عالم من تصورات صاحبتها طول تاريخها منذ تأسيسها في عام 1928، لم تدرك أن البيئة الحاضنة لهم تغيرت وانقلبت عليهم في عامين فقط، فكتب عصام الحداد مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الدولية على صفحته بالفيسبوك بيانا قال في بعضه: مشهدان يتمثلان في تجمعين، الأول في ميدان رابعة العدوية يؤيد الرئيس، والثاني في ميدان التحرير يعبر عن المعارضة وبغض النظر عن الفارق الكبير في الاعداد، حيث تزيد الاعداد في رابعة بدرجة كبيرة فإن التجمعين يعدان تعبيرا سلميا عن الرأي.
يبدو من البيان أن عصام الحداد جاهل بعلم الإحصاء والاعداد، أو كعادة الجماعة يكذب بسهولة، لكن ليس هذا هو المدهش في البيان، المدهش أن البيان مكتوب باللغة الإنجليزية، اي لم يكن يخاطب المصريين، وإنما كان يخاطب الذين يدعمون الجماعة وساعدوها للوصول للسلطة وحكم مصر، ويطمئنهم بأن 30 يونيو مجرد تعبير عن الرأي وليس عملية طرد.
الرئيس محمد مرسي نفسه بالرغم من قلقه الشديد، حاول أن يتصرف طبيعيا، صحيح هو لم يمكث في قصر الاتحادية، وخرج إلى مقر الحرس الجمهوري ومنه إلى قصر القبة يتابع من غرفة العمليات الخاصة ثورة شعبه عليه، لكنه اعتمد الحركة الدبلوماسية للسفراء والقناصل العاملين في الخارج كأن شيئا لم يحدث.
وكان قد سبق للرئيس أن أجرى حوارا مع جريدة الجارديان الإنجليزية برر فيه عدم استقالته وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بأن ذلك يقوض الشرعية، ولماذا يفعل «فلن تكون هناك ثورة ثانية في مصر»، ومعارضوه ليسوا بالقوة الكبيرة، «وسائل الإعلام فقط هي التي بالغت في تقدير قوتهم».
يبدو أن الجماعة هي التي نصبت لنفسها الفخ الذي وقعت فيه..وصفت بوابة الحرية والعدالة ما يحدث بأنه «مظاهرات وهمية»، وقال إيمن على مستشار الرئيس إنه يثق أن الشعب على قدر كبير من الوعي وستمر المظاهرات على خير، لكن لم يحدد ما هو الخير المقصود، هل بأن تصل إلى هدفها أو تعود إلى عقبيها، وقال الدكتور فريد إسماعيل عضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة إن الرئيس محمد مرسي سيستكمل مدته الرئاسية، وسنلجأ إلى العنف في مظاهرات 30 يونيو لو حدثت محاولات لنشر الفوضى.
وظلت تنسج خيوط هذا الفخ بإصرار وقوة واستفزاز طول شهر يونيو.
عقد حزب الحرية والعدالة مؤتمرا صحفيا بالإسكندرية مع الأحزاب والحركات الإسلامية، طالبوا خلاله الرئيس إجراء استفتاء شعبي على حل المحكمة الدستورية ومحاكمة أعضائها بتهمة الخيانة العظمي، لأنهم عملوا على هدم مؤسسات الدولة «يقصدون حكم المحكمة ببطلان قانون انتخابات مجلس الشعب المنحل».
النائب العام المستشار طلعت عبد الله يحيل بلاغات ضد مجموعة من الشخصيات العامة المعارضة إلى النيابة بتهمة قلب نظام الحكم والخروج على الشرعية الدستورية وإثارة الفوضى وتكدير الأمن العام والسلم الاجتماعي.
أصدر الرئيس قرارا بتعيين 17 محافظا جديدا، اكثر من نصفهم إخوان: دمياط، القليوبيه، بني سويف، الإسماعيلية، المنوفية، الغربية، الدقهلية، كفر الشيخ والبحيرة، والأغرب تعيين عادل الخياط من الجماعة الإسلامية محافظا للأقصر وكان متهما في عمليات القتل الجماعي التي وقعت في معبد حتشبسوت عام 1997، وسقط فيها 58 سائحا قتيلا.
بث جلسة وطنية مع القوي السياسية والشخصيات العامة على الهواء مباشرة دون علمهم، وكانت الجلسة تناقش البدء في بناء سد النهضة وأخطاره المائية على مصر، مما تسبب في أزمتين داخلية وخارجية، وحاولت المخابرات المصرية الاتصال بالرئاسة وإيقاف البث لخطورته على الأمن القومي، لكن الرئاسة لم تستجب.
قطع العلاقات مع سوريا في حشد كبير من أنصار الرئيس في الصالة المغطاة باستاد القاهرة، وكان مكتب الإرشاد العالمي قد عقد اجتماعا قبلها في مقر الجماعة بالقاهرة وحضره إخوان سوريا.
وهتفت الحشود في الصالة: ثورة عزيمة إيمان .. المرسي بيضرب في المليان ، إسقاطا على ما يمكن أن يحدث للمعارضين في 30 يونيو، وقال عاصم عبد الماجد قيادي من الجماعة الإسلامية: قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، ولو سقطت الشرعية فسوف تسقط جميع التشريعات في الدولة، إن الحرب الأهلية ستقضى على جميع أشكال الحياة في الدولة ولن يبقى هناك أفران للخبر ولا بنزينات للسولار.
-7-
كانت تهديدات الجماعة وانصارها وحلفائها هي وقود ثورة القاهرة 30 يونيو..
فشل أبطال القاهرة 30 واستسلموا لمصيرهم البائس..
قفز أبطال القاهرة 30 يونيو وأمسكوا قرص الشمس بأيديهم وصححوا مسار حياتهم.
في الفجر خرج قنديل إلى ميدان التحرير وراقب مرسي الثورة من غرفة عمليات خاصة
فتحي انفجرت فيه قنبلة يدوية والمبدعون يعزفون بالقباقيب والسيد رضوان لَبْس بدلة الإعدام الحمراء
عائلات من المهندسين تنزل إلى الشارع ب «الكنب» لتقول إن حزب الكنبة هو البطل
أبطال 30 يونيو يتمردون على المصير البائس لشخصيات القاهرة 30


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.