الأول "جامعيين": التحاقي بالقوات المسلحة كان حلم الطفولة وشرف العمر    وزير الاتصالات: تنفيذ عدد من المشروعات لتوظيف تكنولوجيا المعلومات وتقنيات الذكاء الاصطناعى فى إدارة الموارد المائية    ترامب يغادر البيت الأبيض بعد قليل متجها إلى الشرق الأوسط    نتنياهو: الحرب لم تنته لأن جزءًا من أعدائنا يبني قدراته ويستعد للهجوم علينا    الخارجية الفلسطينية تؤكد أهمية ربط خطة ترمب للسلام بمرجعيات القانون الدولي    الصحفي الذي لم يغادر الميدان إلا شهيدًا.. من هو صالح الجعفري الذي اغتيل على يد ميليشيات مسلحة في غزة؟    منتخب مصر يتقدم على غينيا بيساو بهدف نظيف في الشوط الأول    تدريبات تأهيلية لثلاثي الزمالك خلال مران اليوم    تريلا تدهس توك توك أعلى كوبري بدمياط ومصرع شخص جراء الحادث    "السياحة": منصة رحلة تتيح زيارة 112 موقع أثري في مقدمتها الأهرامات والمتحف الكبير    عضو بالحزب الجمهوري الأمريكى: السيسي أنقذ الشعب الفلسطيني من التهجير    وائل جسار يُحيى حفلا غنائيا فى لبنان الأربعاء المقبل    وكيل صحة سوهاج: انطلاق الفحص الطبى الشامل لطلاب المدارس لمدة 3 أشهر    تعرف على تشكيل كرواتيا ضد جبل طارق بتصفيات المونديال    «مدبولي» يتلقى مكالمة هاتفية من نظيره الجزائري لمتابعة تحضيرات اللجنة العليا المصرية الجزائرية المشتركة    التحريات تكشف تفاصيل جديدة في حادث سقوط السقالة بمدينة السادات في المنوفية    أحمد موسي: كانت هناك محاولات لإفشال مفاوضات شرم الشيخ لكن ترامب ضغط لإجرائها    خطوات إضافة مواليد على بطاقة التموين 2025    نتائج اليوم الثاني لمنافسات الكبار ببطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي بالعاصمة الإدارية    بيحبوا يصحوا بدري.. 5 أبراج نشيطة وتبدأ يومها بطاقة عالية    هل التدخين يبطل الوضوء؟ أمين الفتوى: يقاس على البصل والثوم (فيديو)    أسامة الجندي: القنوط أشد من اليأس.. والمؤمن لا يعرف الإثنين أبدًا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : أول الحذر..ظلمة الهوى000؟!    إصابة أولمو تربك حسابات فليك قبل مباراة جيرونا    قافلة طبية بجامعة الإسكندرية لفحص وعلاج 1046 مواطنًا بالمجان في الكينج مريوط (صور)    بسبب عدم مشاركته ضد بلغاريا.. حارس تركيا يترك المعسكر دون إذن    قيادات وأساتذة جامعات بقائمة المعينين بمجلس الشيوخ.. بالأسماء    بعد حادث الوفد القطري.. رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري يستقبل سفير مصر في الدوحة    تأجيل إستئناف المتهم الرئيسي ب " تظاهرات الألف مسكن "    أوسكار عودة الماموث.. فيلم يخطو نحو الإبهار البصري بقصة إنسانية مؤثرة    20 أكتوبر.. انطلاق جولة «كورال وأوركسترا مصر الوطني» بإقليم القناة وسيناء    الخريف.. موسم الانتقال والحنين بين دفء الشمس وبرودة النسيم    تأجيل الدعوى المقامة ضد إبراهيم سعيد لمطالبته بدفع نفقة ابنه    رئيس وزراء لبنان يطلب من الخارجية تقديم شكوى ضد إسرائيل في مجلس الأمن    رئيس منطقة مطروح الأزهرية يكرم الطالبة هاجر إيهاب فهمي لتفوقها في القرآن والخريدة البهية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة الأقصر    دمياط: فصل المياه في بعض المناطق منتصف الليل حتى الثامنة صباحا    مصر تدين الهجوم على مركز لإيواء النازحين بمدينة الفاشر السودانية    الخريف موسم الانتقال... وصراع المناعة مع الفيروسات الموسمية    بالأسماء.. الرئيس السيسي يُصدر قرارا بتعيينات في مجلس الشيوخ    نجوم الأهلي في زيارة حسن شحاتة بالمستشفى للاطمئنان على حالته الصحية    سويلم يلتقى نائب وزير البيئة والزراعة السعودى ضمن فعاليات أسبوع القاهرة الثامن للمياه    "سلامة الغذاء" تنفذ 51 مأمورية رقابية على السلاسل التجارية في أسبوع    إصابة 5 فى تصادم سيارة ملاكى وتوك توك وتروسكيل بطريق برج نور أجا بالدقهلية    مستشفيات مطروح تقدم 38 ألف خدمة طبية وتجرى 206 عمليات جراحية خلال أسبوع    رئيس الضرائب: التعامل بالفاتورة الالكترونية والإيصال الإلكتروني يعزز الشفافية    تنفيذ ورش تدريبية مجانية لدعم الحرف اليدوية للمرأة في الأقصر    "الوطنية للانتخابات" تواصل تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 لليوم الخامس    الداخلية تضبط أكثر من 106 آلاف مخالفة مرورية في 24 ساعة    محافظ أسوان يتابع استكمال تشغيل المراكز الطبية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    مدارس التكنولوجيا تعيد رسم خريطة التعليم الفنى    محمود ياسين من نادى المسرح فى بورسعيد إلى ذاكرة الوطن    مراكز خدمات «التضامن» تدعم ذوى الهمم    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    غدًا.. عرض أفلام مهرجان بردية السينمائي في ضيافة المركز القومي للسينما بالهناجر    «كفى ظلمًا».. حسام المندوه: أدخلنا للزمالك 800 مليون جنيه    وزير الأوقاف فى الندوة التثقيفية بالإسماعيلية: الوعى أساس بناء الوطن    استبعاد معلمي الحصة من حافز ال 1000 جنيه يثير الجدل.. خبير تربوي يحذر من تداعيات القرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبيل عمر يكتب
القاهرة 30 يونيو.. المواطن والشارع والسلطة مشاهد لشعب يصحح مسار التاريخ ويحافظ على وطنه من التفتيت والحرب الأهلية هل يمكن أن توجد علاقة بين القاهرة 30، والقاهرة 30 يونيو؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 06 - 2017

يبدو السؤال غريبا للغاية، القاهرة 30 فيلم سينمائي، عن رواية للمبدع الرائع نجيب محفوظ، والقاهرة 30 يونيو ثورة على واقع مرفوض، صنعها شعب تمرد على مؤامرة كبرى، كانت تعمل على تفتيت وطنه وإشعال نيران حرب أهلية وتحويل مواطنيه إلى لاجئين؟
من أين تأتي العلاقة أذن بين الفيلم والثورة؟
الفيلم عن رواية هي تحريض على الثورة ضد أوضاع اجتماعية ظالمة تخنق أناسا وتقتلع جذورهم الإنسانية، وتفسد عليهم كل شئ في حياتهم، ولنجيب محفوظ روايتان كتبهما بعد عام 1945، تفسران لنا الدوافع التي تغلي في نفوس المصريين ليتمردوا ويثوروا على واقعهم وهما «القاهرة الجديدة» و«بداية ونهاية».
صحيح أن أبطال القاهرة الجديدة لم يندفعوا إلى الثورة، وهرستهم الأوضاع التي فرضت عليهم، فخسروا أنفسهم وإنسانيتهم، لكن أبطال القاهرة 30 يونيو 2013 ثاروا فعلا، خرجوا إلى كل الشوارع والميادين والأزقة والحارات، يهتفون للجماعة «النهاردة العصر.. أخر يوم في القصر»، مُصرين على أن يكونوا مواطنين في دولة عصرية لا رعية في إمارة دينية، وغيروا مسار تاريخ المنطقة العربية كلها.
لم يكن الطريق سهلا أو ممهدا، بل كان محفوفا بالمخاطر ويهدده الدم المراق من على جانبيه، فالجماعة لها تنظيم خاص وتاريخ في العنف هم ينكرونه بالرغم من الوثائق والبراهين والأدلة الدامغة عليه، بينما الناس لا يملكون إلا الرغبة في الحفاظ على الوطن والحلم في طرد الكابوس، والإرادة التي تُلين الصخر.
المدهش أن الرئيس القادم من الجماعة الدكتور محمد مرسي هو الذي رسم أول خطوة في 30 يونيو 2013، هو الذي حفر قبر رئاسته بقرار عودة مجلس الشعب المنحل بناء على حكم من المحكمة الدستورية بفساد القانون الذي جرت على أساسه الانتخابات، ثم أكمل كل الخيوط والخطوط بدأب عجيب، حتى اكتملت اللوحة العبقرية لشعب مصر في كل محافظة، ومدينة، ومركز، وقرية وكفر ونجع، فوجد نفسه وجماعته وحلفاءه خارجها، فألوان اللوحة وتكويناتها مختلفة تماما عن ألوانهم وتكويناتهم، فكان الخروج حتميا.
فعلا سيناريو أغرب من الخيال..
-1-
في صباح 30 يونيو بدت شوارع القاهرة شبه خالية، ومحالها مغلقة ونوافذ البيوت والبلكونات مرفوع عليها أعلام مصر ولافتات مكتوب عليها عبارات تشي بما يريده أصحابها «ارحل»، « يسقط يسقط حكم المرشد» وهكذا.
كانت حالة سيولة المرور رائعة ، إنه اليوم الموعود الذي سيهرع فيه الناس إلى الشوارع، فمكثوا في بيوتهم يستعدون له، يترقبون الموقف وينتظرون أن تهدأ الشمس الملتهبة ويتبدد صهدها مع غيابها خلف الأفق الغربي، فدرجة الحرارة كما أعلنت هيئة الأرصاد تجاوزت 35 درجة.
قبلها بثلاث ساعات، تحديدا في الفجر تحرك موكب الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء من بيته في جولة تفقدية بالقاهرة، بدأها بميدان التحرير والمناطق المحيطة به، ثم إلى ميدان مصطفي محمود ورمسيس، وإلى قصر الاتحادية، يراجع على الواقع إجراءات الأمن وحماية المنشأت، ثم استقر في مبني وزارة الاستثمار في شارع صلاح سالم الملاصقة لأرض المعارض ، ولم يذهب إلى مكتبه في مقر مجلس الوزراء، وقلده عدد من الوزراء وهجروا مكاتبهم منهم وزراء التعليم والتعليم العالي والاوقاف والصحة.
كانت شائعات قد ترددت أن الرئيس مرسي سوف يُحدث تعديلا وزاريا موسعا، يتخلى فيه عن الدكتور هشام قنديل، لتخفيف حالة الاحتقان في البلد، لكن الدكتور سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان كما كانوا يصفونه وقتها، عقد معه اجتماعا سريا، طمأنه خلاله إلى تأييد الحزب له ومساندته الحكومة في عملها.
-2-
لم يفلح قرار وزارة المالية صرف معاشات يوليو بالعلاوة الجديدة يومها في تحريض ما يقرب من تسعة ملايين مواطن على الوقوف أمام مكاتب البريد والبنوك في أنحاء البلاد لاستلام المعاش، ربما لأنهم خمنوا أن أغلب الموظفين لن يذهبوا إلى أعمالهم، وهذا ما حدث فعلا، فبدت المكاتب الحكومية مهجورة، ليس في القاهرة فقط وإنما في كل محافظات مصر، ولم تقترب نسبة الحضور من 40 ٪ إلا في محافظة دمياط فقط، ولم تتجاوز 10 ٪ في المنوفية والدقهلية، أما في البحيرة وسوهاج وأسيوط وكفر الشيخ وبني سويف والإسماعيلية، فقد أغلقت أبواب تلك المكاتب بالجنازير.
أما في مجمع تحرير بالقاهرة، فقد وقف على بابه مجموعة من الالتراس والمعاقين ومنعوا الدخول وطردوا الموظفين الذين جاءوا مبكرا، وقال محسن رشاد منسق ثوار من أجل تراب مصر المعاقين: إن المعاقين قادرون على إسقاط الرئيس إذا لم يستطع الأسوياء ذلك.
في نفس الوقت كان الأستاذ محمد عطية مدير إدارة غرب القاهرة بالمجمع يجمع مستندات إدارته الضرورية، من دفاتر الحضور والانصراف والمرتبات والمخازن، وبيانات الطلاب والنتائج..الخ، استعدادا للرحيل عن المبني والانتقال بموظفيه، ثلاثة آلاف وخمسمائة موظف، إلى مدرسة السبتية، كمقر مؤقت، وقد عمل حسابه، فحين يحتل المتظاهرون ميدان التحرير، لا يعرف أحد متى يغادرونه ويعودون إلى بيوتهم
وأيضا اختفت طوابير السيارات أمام محطات الوقود لأول مرة منذ شهور، فمن هو الذي يغامر وينزل بسيارته في وقت تتجمع فيه رياح الثورة لتهب على وطن محتقن؟
وبالرغم من حرارة الجو إلا أن بعض المناطق سبقت في إعلان تمردها في الثامنة صباحا كما حدث في مدينة الشهداء بالمنوفية والزقازيق بالشرقية، وهتفت النساء: صوت المرأة ثورة وليس عورة.
أما في قرية كفر الترعة القديم بمحافظة الدقهلية، وهي مسقط رأس خيرت الشاطر نائب المرشد العام والرجل الحديدي في التنظيم، فقد خرج أهلها يحملون صورا لخيرات ومحمد بديع، ومحمد مرسي وعصام العريان، وعليها علامات أكس حمراء بطول كل صورة.
في المقابل ظل ميناء الإسكندرية يعمل بكامل طاقته تحت حماية الجيش والشرطة.
-3-
لأسباب كثيرة يمكن التنبؤ بها كان فتحي في شقته بحي البساتين، منخرطا في صناعة قنبلة يدوية، وهي صناعة خطيرة لا يُؤْمِن جانبها، فانفجرت القنبلة فيه ودمرت جزءا كبيرا من شقته، فتحي في الأربعينيات من عمره، كان سجينا سابقا ولا يعرف عنه أي ميول تشددية، ربما كان يتاجر في تلك الأنواع من الأسلحة على قدر الحال.
على امتداد اليوم قبضت أجهزة الأمن على تجار سلاح في ثلاث محافظات: القاهرة والسويس وشمال سيناء، وضبطت أنواعا مختلفة من أسلحة كانت على الطريق لأيدي المشترين: آر بي جي، رشاشات ألية، قنابل يدوية، طلقات بوصة ونصف بوصة، ستة صواريخ طول كل منها متر ونصف المتر.
واغتيل مفتش جنوب سيناء بأكثر من 36 طلقة أخترقت جسده.
-4-
على منتصف النهار خرج أهالي قرية دفرة، مركز طنطا بالغربية، وقطعوا الطريق الزراعي القاهرة -الإسكندرية في الاتجاهين بالحجارة الضخمة، وهو نفس ما فعله أهل قرية طوخ طنبيشا الواقعة بين مدينتي بنها وقويسنا، وتكرر الشىء نفسه على طريق دمياط المنصورة، وطريق الصعيد الزراعي في أكثر من منطقة.
لم تنتظر أسيوط هدأة الشمس وأغرت أهلها بأن يكتسبوا بعضا من سخونتها، فنزلوا إلى الشوارع بعد الظهيرة يرفعون اعلام مصر بداخلها الهلال والصليب، يهتفون ضد الجماعة والرئيس الذي منها، وملأوا محيط مبني ديوان عام المحافظة، لكن أنصار الجماعة لم يتركوهم واعتلوا أسطح العمارات المواجهة لمبني المحافظة وأطلقوا أعيرة نارية وخرطوش، فسقط أول شهداء أسيوط «أبانوب عادل»، وبعده محمد عبد الحميد، ولم يتخل المتظاهرون عن الميدان وأصروا على البقاء فيه إلى أن يرحل مرسي وجماعته عن حكم مصر.
وهتفوا : لو ابو الهول ساب مصر أحنا مش حنسيبها.
-5-
بعد ساعات طويلة تجاوزت الشمس قلب السماء ومالت إلى الغرب، وتخففت من لهيبها إلى حد ما، فراحت ملايين الأقدام تهرول خارجة من بيوتها على امتداد البلاد من أسوان إلى مطروح، وتتجمع في مسيرات متجهة إلى الميادين الرئيسية بالمدن والمراكز، في مشهد لم تره مصر ولا العالم من قبل.
وفى القري والنجوع راحت الناس تدور في حواريها وأزقتها، ثم تقف على الزراعيات، وهي الطرق الرئيسيّة..منهم ناس بسطاء لم يسبق لأي منهم أن خرج في مظاهرة أو حتى خطرت على باله، كانوا أول مرة في حياتهم يتجمعون معا ويهتفون معا: أدي للي ظلمك ميت شلوت.. مصر حترجع بنت بنوت، كدابين كدابين..ضحكوا علينا بالدِّين.
كانت مصر في الشوارع، كتلا من الجرانيت البشرية تزلزل أساسات الجماعة وتجرفها في طريقها..
كان قضاة مصر قد بدأوا اعتصاما أمام دار القضاء العالي، ووقفوا يحيطهم الجلال في مدخل الدار المهيبة، ويقولون لشعبهم أن مؤسسة العدالة جزء منهم تشاركهم في إزالة الغمة التي حاقت بهم تحت وطأة الاضطراب والارتباك والمخاوف، نعم الشعوب أحيانا ترتكب حماقات وتعمل حسابات خاطئة، من أول اليابان إلى الولايات المتحدة، بعضها يعيد تصحيحها بسرعة وبعضها لا يفعل فتسقطه حساباته الخاطئة في الهاوية..وهاهم المصريون يعدلون المسار المرتبك.
وعلى مقربة من القضاء تجمع بضع مئات من الصحفيين يتراصون معا في شارع عبد الخالق ثروت، يهتفون ويتهيأون للتحرك إلى ميدان التحرير.
على الجانب الأخر من نهر النيل أمام وزارة الثقافة اندفع روائيون وشعراء ورسامون وموسيقيون وممثلون ومخرجون ومؤرخون ومصورون ومهندسو ديكور وصوت، ونقاد أدب وسينما، وأساتذة فلسفة وصحفيون وعلماء اجتماع وسياسة واقتصاد في مسيرة ضخمة هبطت من ديوان وزارة الثقافة التي كانوا يعتصمون بها، رافضين أخونة الثقافة، إلى شارع 26 يوليو، متجهة إلى الميدان، حاملين قباقيب خشبية يدقون بها كما لو أنهم عازفون في اوركسترا القاهرة السيمفوني يلعبون سوناتا «الرحيل الأخير» للرئيس المغضوب عليه.
لم يختلف حال المصريين في الإسكندرية في ميدان سيدي جابر أو القائد إبراهيم عنهم في إسماعيلية أو بورسعيد أو طنطا أو دمنهور أو السويس أو دسوق أو سوهاج أو أسوان أو مطروح..الخ..الكل في الشارع إلا غير القادرين.
بل لم يختلف حالهم في واشنطن ونيويورك والرياض وأوتاوا وباريس ولندن وجنيف وبرلين وأمستردام وملبورن وسيدني، فقد خرجوا بالاعلام والهتافات نفسها.
لكن السيدة أمينة السيد لم تستطع النزول وهي قادرة، أمينة من أسرة كبيرة العدد إخوة وأخوات عندهم أطفال، اتفقت الأسرة على عمل قرعة، ومن تُصبه يكن من نصيبه أن يجلس في البيت مع الأطفال، وينزل الآخرون إلى الاتحادية، واختارت القرعة أمينة، فجلست في البلكونة رافعة علم مصر تهتف، وكلما مرت من أمام عمارتها مسيرة ترتفع حدة الهتاف والتلويح بالعلم : «كان لازم أحس أن أنا في الميدان».
لكن بعض الأسر المصرية من سكان المهندسين نزلوا إلى الشارع وهم يحملون بعضا من «كَنَّبْ» شققهم، دلالة على أن حزب الكنبة لن يجلس صامتا، وسيشارك في المظاهرات بالكنب الساكت.
أما «السيد رضوان» فقد تظاهر ب»بدلة إعدام» حمراء، في يده الكارت الأحمر، وهو كارت حمله ملايين المصريين، وهو بمنزلة قرار طرد للجماعة من ملعب الحياة المصرية، أما رضوان البالغ من العمر 49 سنة فقال عن بدلة الإعدام: عايز أعرفهم أن حقي برقبتي.
و«محمد ريشة» وبالرغم من بلوغه سن الستين، وهى سن يميل صاحبها إلى السلوك الهادئ. الانفعال المحدود، فقد خرج إلى شارع ولي العهد بحي حدائق القبة مقيدا نفسه بسلاسل حديدية ولابسا قناعا عليه وجه الرئيس محمد مرسي.
هذه مجرد صور، من ألاف الصور المبتكرة عاشها المصريون تعبيرا عن رفضهم للجماعة ومرشدها ورئيسها.
-6-
على الضفة الاخرى من نهر القاهرة 30 يونيو، كانت الجماعة غارقة في عالم افتراضي، عالم من تصورات صاحبتها طول تاريخها منذ تأسيسها في عام 1928، لم تدرك أن البيئة الحاضنة لهم تغيرت وانقلبت عليهم في عامين فقط، فكتب عصام الحداد مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الدولية على صفحته بالفيسبوك بيانا قال في بعضه: مشهدان يتمثلان في تجمعين، الأول في ميدان رابعة العدوية يؤيد الرئيس، والثاني في ميدان التحرير يعبر عن المعارضة وبغض النظر عن الفارق الكبير في الاعداد، حيث تزيد الاعداد في رابعة بدرجة كبيرة فإن التجمعين يعدان تعبيرا سلميا عن الرأي.
يبدو من البيان أن عصام الحداد جاهل بعلم الإحصاء والاعداد، أو كعادة الجماعة يكذب بسهولة، لكن ليس هذا هو المدهش في البيان، المدهش أن البيان مكتوب باللغة الإنجليزية، اي لم يكن يخاطب المصريين، وإنما كان يخاطب الذين يدعمون الجماعة وساعدوها للوصول للسلطة وحكم مصر، ويطمئنهم بأن 30 يونيو مجرد تعبير عن الرأي وليس عملية طرد.
الرئيس محمد مرسي نفسه بالرغم من قلقه الشديد، حاول أن يتصرف طبيعيا، صحيح هو لم يمكث في قصر الاتحادية، وخرج إلى مقر الحرس الجمهوري ومنه إلى قصر القبة يتابع من غرفة العمليات الخاصة ثورة شعبه عليه، لكنه اعتمد الحركة الدبلوماسية للسفراء والقناصل العاملين في الخارج كأن شيئا لم يحدث.
وكان قد سبق للرئيس أن أجرى حوارا مع جريدة الجارديان الإنجليزية برر فيه عدم استقالته وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بأن ذلك يقوض الشرعية، ولماذا يفعل «فلن تكون هناك ثورة ثانية في مصر»، ومعارضوه ليسوا بالقوة الكبيرة، «وسائل الإعلام فقط هي التي بالغت في تقدير قوتهم».
يبدو أن الجماعة هي التي نصبت لنفسها الفخ الذي وقعت فيه..وصفت بوابة الحرية والعدالة ما يحدث بأنه «مظاهرات وهمية»، وقال إيمن على مستشار الرئيس إنه يثق أن الشعب على قدر كبير من الوعي وستمر المظاهرات على خير، لكن لم يحدد ما هو الخير المقصود، هل بأن تصل إلى هدفها أو تعود إلى عقبيها، وقال الدكتور فريد إسماعيل عضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة إن الرئيس محمد مرسي سيستكمل مدته الرئاسية، وسنلجأ إلى العنف في مظاهرات 30 يونيو لو حدثت محاولات لنشر الفوضى.
وظلت تنسج خيوط هذا الفخ بإصرار وقوة واستفزاز طول شهر يونيو.
عقد حزب الحرية والعدالة مؤتمرا صحفيا بالإسكندرية مع الأحزاب والحركات الإسلامية، طالبوا خلاله الرئيس إجراء استفتاء شعبي على حل المحكمة الدستورية ومحاكمة أعضائها بتهمة الخيانة العظمي، لأنهم عملوا على هدم مؤسسات الدولة «يقصدون حكم المحكمة ببطلان قانون انتخابات مجلس الشعب المنحل».
النائب العام المستشار طلعت عبد الله يحيل بلاغات ضد مجموعة من الشخصيات العامة المعارضة إلى النيابة بتهمة قلب نظام الحكم والخروج على الشرعية الدستورية وإثارة الفوضى وتكدير الأمن العام والسلم الاجتماعي.
أصدر الرئيس قرارا بتعيين 17 محافظا جديدا، اكثر من نصفهم إخوان: دمياط، القليوبيه، بني سويف، الإسماعيلية، المنوفية، الغربية، الدقهلية، كفر الشيخ والبحيرة، والأغرب تعيين عادل الخياط من الجماعة الإسلامية محافظا للأقصر وكان متهما في عمليات القتل الجماعي التي وقعت في معبد حتشبسوت عام 1997، وسقط فيها 58 سائحا قتيلا.
بث جلسة وطنية مع القوي السياسية والشخصيات العامة على الهواء مباشرة دون علمهم، وكانت الجلسة تناقش البدء في بناء سد النهضة وأخطاره المائية على مصر، مما تسبب في أزمتين داخلية وخارجية، وحاولت المخابرات المصرية الاتصال بالرئاسة وإيقاف البث لخطورته على الأمن القومي، لكن الرئاسة لم تستجب.
قطع العلاقات مع سوريا في حشد كبير من أنصار الرئيس في الصالة المغطاة باستاد القاهرة، وكان مكتب الإرشاد العالمي قد عقد اجتماعا قبلها في مقر الجماعة بالقاهرة وحضره إخوان سوريا.
وهتفت الحشود في الصالة: ثورة عزيمة إيمان .. المرسي بيضرب في المليان ، إسقاطا على ما يمكن أن يحدث للمعارضين في 30 يونيو، وقال عاصم عبد الماجد قيادي من الجماعة الإسلامية: قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، ولو سقطت الشرعية فسوف تسقط جميع التشريعات في الدولة، إن الحرب الأهلية ستقضى على جميع أشكال الحياة في الدولة ولن يبقى هناك أفران للخبر ولا بنزينات للسولار.
-7-
كانت تهديدات الجماعة وانصارها وحلفائها هي وقود ثورة القاهرة 30 يونيو..
فشل أبطال القاهرة 30 واستسلموا لمصيرهم البائس..
قفز أبطال القاهرة 30 يونيو وأمسكوا قرص الشمس بأيديهم وصححوا مسار حياتهم.
في الفجر خرج قنديل إلى ميدان التحرير وراقب مرسي الثورة من غرفة عمليات خاصة
فتحي انفجرت فيه قنبلة يدوية والمبدعون يعزفون بالقباقيب والسيد رضوان لَبْس بدلة الإعدام الحمراء
عائلات من المهندسين تنزل إلى الشارع ب «الكنب» لتقول إن حزب الكنبة هو البطل
أبطال 30 يونيو يتمردون على المصير البائس لشخصيات القاهرة 30


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.