صفحة لاذعة جدا بطعم الحياة الت ى يحياها حرافيش وفقراء هذا الوطن, ..من خلالها نستقبل رسائل المهمشين كى نعرضها على ولاة الأمر.. انتصرنا انتصرنا انتصرنا.. هكذا كان ينطق لساني عقب عودتى من ميدان التحرير الأربعاء الماضى.. فقد كنت أشارك الثوار احتفالاتهم بقرارات السيسى.. كنا جميعا ننظر إلى شاشة العرض.. ننتظر بلهفة ماذا سيقول السيسى في بيان القوات المسلحة.. نستبق الأحرف حتى قالها.. انتخابات رئاسية مبكرة وكذا وكذا وكذا.. كلمات تاهت خلف الهتاف وأضواء الألعاب النارية.. كنت أنظر في الوجوه.. معظمهم من أمثالى «حرافيش هذا الوطن».. تنفست الصعداء.. وصلت إلى الجريدة التي لا تبعد عن ميدان التحرير سوى كيلو متر واحد.. إلى مكتبى جلست سعيدًا أحرك «ماوس» الكمبيوتر لأفتح صفحة الحرافيش كما تعودت كل أسبوع.. لأتفحص رسائل الفقراء والمطحونين من اصدقائى حرافيش هذا الوطن.. لأختار منها رسالة أقوم بنشرها في العدد الأسبوعى كحالنا منذ 8 أشهر تقريبا.. إلا أننى توقفت فجأة عن قراءة الرسائل.. وهتف بي خاطري: لماذا لا تكتب أنت رسالة هذا الأسبوع وتنشرها للحرافيش.. فهذا الأسبوع غير كل الأسابيع الماضية والحدث فيه جلل وعظيم.. لم أتردد في تنفيذ هتاف خاطرى.. الكيبورد يستقبل أصابعى ببهجة وكأنه يشاركنى الفرحة بذهاب نظام حاكم غريب الأطوار.. ورحيل رئيس لا يرى في وطنه سوى أهله وعشيرته.. تذكرت كل رسائل القراء خلال ما يقرب من 30 أسبوعا مضى.. عنوان رئيسي مشترك يعلو كل الرسائل الماضية «رسائل الحرافيش تفضح ألاعيب الجماعة».. وعناوين فرعية مختلفة تحمل هموم اصدقائى الحرافيش من كل مكان في مصر.. شعرت بأن مجهودى خلال الأشهر الماضية لم يذهب هباء.. وأن رسائل الحرافيش كان لها مفعول السحر في استنهاض الخلايا النائمة من بنى وطنى أو كما يلقبهم الإعلام بحزب الكنبة.. استطيع أن أفخر الآن بفقراء وطنى..فرسائلهم هي التي استنهضتهم.. يعنى بالبلدى كده منهم فيهم.. أتذكر رسائل عدة كان يعلن فيها الحرافيش تخليهم عن الرئيس المنزوعة ولايته محمد مرسي.. نعم قرروا التخلى عنه وكأنهم يقولون له: لقد صدقنا وعودك وعهودك بأن تكون حياتنا أكثر آدمية في عهدك.. أكثر أمنا.. أكثر حرية.. قالوا له في رسائلهم: للأسف صدقناك انت وجماعتك وتوهمنا في «لحاكم» الخير.. إلا أننا صحونا على كابوس مفاده أنك خلال عام مضى من حكمك تفرغت للتمكين من مفاصل الدولة وكأنك كنت تنوى استعبادها.. قالوا له في رسائلهم: نحن لم نعتد على التظاهر لا لشيء سوى لأننا جبناء.. نعم الفقير دائما جبان.. فإذا لم يخف على نفسه فهو يخاف على لقيمات هو سبب في أن يقتاتها ابنائه ووالديه العجائز الذين إذا ما غاب عنهم ستأكلهم البلاهة والأنا التي يتمتع بها الاغنياء وأصحاب السلطة في هذا الوطن.. قالوا لمرسي إنهم توهموا فيه آخر فرصة للخروج من الحياة الضنك عديمة الحرية والعدالة الاجتماعية.. لكنهم خلال رسائلم اكتشفوا أمام أنفسهم أنهم يؤذنون في مالطة.. حتى شعارات ثورة 25 يناير التي توسموا فيها الأمل سرقها مرسي وإخوانه ليركبوا بها على شعب تضرب حضارته في جذور التاريخ.. كان الإعلام في فضائياته يفضح مخطط مرسي وجماعته لنهب الوطن والركوب على مفاصله.. إلا أن الحرافيش كانوا يصدقون الرئيس الملتحى عن الإعلام.. حتى بدأنا نحن في تخصيص هذه المساحة للحرافيش يكتبون عن أنفسهم ويقرأون أنفسهم فكانوا يصدقون أنفسهم.. ورويدا رويدا بدأت تتكشف لهم الخديعة.. خديعة اسمها «الإسلاميون».. خديعة باسم الدين.. خديعة بطلها قنوات أطلقت على نفسها لقب قنوات دينية.. وهنا كانت البداية.. وفى نفس الوقت كانت قد بدأت حركة تمرد تنتشر في ربوع مصر لتأتى متزامنة مع اكتشاف الحرافيش لخديعة أصحاب اللحى.. كان الحرافيش آخر من وّقّع على استمارات تمرد وأول من خرج في الميادين يهتف «يسقط يسقط حكم المرشد».. يسقط كل مخادع.. يسقط كل من أراد تحقيق أهدافه الخفية على حساب بنى وطنة..هذا إن كان يعترف أن مصر هي وطنه.. على وعلى وعلى الصوت.. اللى هيهتف مش هيموت.. مش هنمشى.. هو يمشى..هكذا كان الهتاف يرتفع إلى عنان السماء.. اختلط الحرافيش ببنى وطنهم.. يشد كل منهم على يد الآخر كى يرحل الحاكم الفاشى.. فالحاكم الفاشى أسوأ بكثير من الحاكم الديكتاتور.. كل الفئات.. كل الطبقات.. الرجال والسيدات والشباب والبنات حتى الأطفال..اجتمعوا على أن رحيل مرسي ورفاقه هو المطلب الأول والأخير ولا ثانٍ له ولا تنازل عنه.. وكان المتطاهرون مستعدين لفعل أي شيء وكل شيء ليرحل النظام عديم النظام.. فلم يجد الجيش بد من التدخل وحسم الأمر حتى لا يقع الوطن فريسة الحرب الأهلية التي قد تأكل الأخضر واليابس.. خاصة أن الحرافيش طرف فيها.. نظرة ثاقبة من قادة القوات المسلحة لملايين الحرافيش وغيرهم كانت كفيلة بخروج القائد العظيم الفريق أول عبد الفتاح السيسى ليلقى بيانه الذي أنهى المسألة.. مسألة المجهول.. مسألة «التقية» التي تعيشها مصر لأول مرة في تاريخها.. مسألة التمكين واللهث خلف الخلافة المزعومة.. أنهى السيسى المسألة ليدخل التاريخ من أوسع أبوابه.. ولتدخل مصر مرحلة جديدة.. أتمنى أن يكون لبنى جلدتى من الحرافيش نصيبا من العيش الكريم فيها وإلا ستظل رسائلهم مدافع مصوبة في وجه كل من تسول له نفسه أن يعبث بهم وبمقدرات حياتهم.. فزمن السكوت عن الحق قد ولى.. وفى النهاية ألف ألف مليون مبروك لعودة مصر للمصريين وآسف لأصدقائى الحرافيش لأننى لم أنشر إحدى رسائلهم هذا الأسبوع!