أنا أستاذ جامعى نشأت فى أسرة بسيطة لأب دؤوب فى عمله، وأم ربة منزل، وخمسة أبناء «أربعة أولاد وبنت واحدة»، ونزحنا من الأرياف وأقمنا بالقاهرة فى حى شعبى بمنطقة العسال بشبرا، وأصر أبى وهو حاصل على شهادة «الثقافة العامة» التى تعادل ثانية ثانوى حاليا، على تعليمنا فى الجامعة برغم تكاليفها الباهظة فى ذلك الوقت، وسارت حياتنا عادية، ولم يخل البيت من المشكلات العارضة، لكنها لم تتعد حدود جدران البيت، فلم يحدث مطلقا أن لجأت أمى إلى أى من أخوتها وهم «أربعة ذكور وأربع إناث» لحل أى مشكلة، بل بالصبر والمحبة عالجت المشكلات مع أبى، وقد تخرجت فى كلية عملية وعملت فى أحد مراكز الأبحاث العلمية وبعد خمس سنوات من التخرج فكرت فى الإرتباط بفتاة بسيطة، واتفقنا على أن تحضر غرفة النوم، وأتولى أنا تدبير الشقة وباقى الأمور، وخططنا لحياتنا على ألا ننقل مشكلاتنا إلى عائلاتنا، وأن نحاول حلها معا، فإن تعذر ذلك نستعين برجال دين أو خبراء فى مسائل الزواج، مع عدم مقارنة أنفسنا بالآخرين فيما لديهم من امكانيات، وتربية أبنائنا على الفضيلة، واحترام بعضنا أمام الآخرين، والتوازن فى العلاقات مع العائلتين فى المجاملات والمناسبات وخلافه، وإتفقنا على أن للبيت صندوقا واحدا من دخلنا المشترك، وعليها تدبير إحتياجات البيت بأى وسيلة، وأن يكون لى جزء أتصرف فيه، وأن ننبه بعضنا إلى أى تقصير فى العبادة والنشاط الروحى سواء لنا أو لأولادنا. وإتفقنا أيضا على أن تكون علاقتنا الزوجية بالاتفاق وليس بالإرغام باعتبار أن المعاشرة السليمة تسهم فى تأكيد الحب والراحة النفسية والجسدية، مع المصارحة فى كل شىء، خصوصا فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية سواء بالنسبة لى مع الزميلات والمعارف من النساء أو الفتيات، أو بالنسبة لها مع الرجال والشباب، وأن نعطى لأنفسنا راحة من حين لآخر مهما تكن مشغولياتنا، وأن نبعد الخلافات عن أولادنا، ولا نجعلهم أدوات لمعاقبة بعضنا، وأن يكون بيتنا هو مملكتنا وليس بيوت أهلينا، وأن نراجع هذه المبادىء الحاكمة لنا فى كل عيد زواج أو كلما أتيحت لنا الفرصة. ومضت بنا سفينة الحياة بكل مصاعبها وأنجبنا ابننا الأكبر بعد عام من الزواج ثم ابنتنا التى تليه بعده بعامين، وواجهتنا مشكلة تعليمهما حيث كان أبناء العائلة يتلقون تعليمهم فى مدارس أجنبية باهظة التكاليف بالنسبة لنا فى بداية حياتنا ، وفعلا حاولنا ذلك، ولما أعيتنا الحيل إتفقنا على إلحاقهما بمدارس خاصة عادية واجتهدنا فى إشباعهما بكل روافد التربية من أنشطة ورحلات صيفية ومصايف وأندية قريبة من مسكننا، ومضيت فى استكمال دراساتى العليا للماجستير ثم الدكتوراه برعاية زوجتى، وعرض علىّ والدى العمل معه جزءا من الوقت فى مكتبه التجارى، ولم أكن أعرف شيئا عن التجارة، وشيئا فشيئا تعلمت منه الكثير، وحققت نجاحا كبيرا فى فترة قصيرة، ثم أتيحت لى الفرصة للعمل فى جامعة الموصل بالعراق لمدة عامين، وكان مفروضا أن أستمر فى العمل هناك بطلب من رئيس القسم، ولكن خوفى على أسرتى من ويلات الحرب مع إيران فى ذلك الوقت دفعنى للعودة إلى مصر. واستأنفت نشاطى بشكل أكبر مع والدى خاصة مع توافر مورد مالى من عملى بالعراق، حيث مولت العمل برصيد مالى مما وسع فى النشاط، وجعل مكتب أبى واحدا من المكاتب المرموقة فى الموسكى، وفى الوقت نفسه تابعت نشاطى العلمى ونلت درجة الأستاذية فى العلوم، ولم أقصر فى نشاطى الاجتماعى، وفى كل هذا المشوار لم نكسر أنا وزوجتى اتفاقا واحدا من الاتفاقات التى خططناها لأنفسنا فى فترة الخطبة، وتزوج ابنانا فى يوم واحد بناء على رغبتهما، ودبر الله لنا أمورنا، ومازالت السعادة ترفرف على بيتنا، والحمد لله رب العالمين. ولكاتب هذه الرسالة أقول: لقد عرفت طريقك إلى النجاح والسعادة منذ البداية، فكنت ايجابيا فى حياتك، وبذلت جهدا كبيرا للحفاظ على تفاؤلك، وتجنبت الأفكار السلبية، وخالطت من هم أكثر إيجابية فانعكست طاقتهم عليك، بل إنى أراك قد استعنت ب «حصالة السعادة» حيث تضع فيها قصاصات من الورق تحمل لحظات السعادة التى تمر بك فى حياتك ثم تسترجع ذكرياتك بها كلما شعرت بالحزن، ولم تتعجل النتائج، وعملت بالمثل القائل «على قد لحافك مد رجليك»، فرضاك بحياتك هو سر سعادتك، بعد أن أدركت أن مقارنة نفسك بالآخرين لن تجلب لك سوى الشقاء، وأدركت أن لكل انسان معاركه الخاصة، وحظه المقسوم ولا يمكن ان يكون لك كل شىء، فقد يعتقد المرء أن الشخص الذى يتمنى أن يكون مثله يمتلك كل شىء، ولكن هذا تفكير خاطئ لن يجلب له سوى السخط على حاله، فهو أيضا يملك اشياء لا يملكها غيره، تماما كما يملك غيره أشياء لا يملكها هو، فالرضا بالموجود أفضل من تمنى ما تفتقد فالأول يشعرك بالسعادة، أما الثانى فقد يصل بك للإحباط اذا لم تستطع تحقيقه، ولا شك أن احساسك بالآخرين وبمدى معاناتهم يجعلك تحمد الله دائما على ما لديك، وإذا شعرت بغيرك ستخرج من دائرتك الشخصية التى تعوق احساسك بالسعادة وتتفتح على عالم تجد نفسك جزءا منه. أيضا يغيب عن البعض أن السعادة تنتقل من شخص إلى آخر كما تنتقل الأحزان، فليختر الإنسان من معارفه من يشعر معه بالراحة ويمكنه قضاء وقت ممتع معه ولينظر إلى حياته نظرة أكثر عمقا، ويعمل على تغيير الأشياء التى تجلب له الشقاء، وليستمتع بمباهج الحياة، ويتوكل على الله فى كل خطوة يخطوها، وأحسب أنك أدركت ذلك كله، فكان النجاح حليفك، ولعل «روشتة السعادة» التى اتبعتها جديرة بأن يحذو الآخرون حذوها، وهنيئا لك بزوجتك وعائلتك، وأسأل الله أن يجعل أيامكم كلها حبا وسعادة.