يمكن القول إن عواصف الاختلاف قد أخذت تتلاشي ولم تعد تبقي منها سوي رياح متقطعة, محملة بالغبار, تتسكع هنا وهناك. وينبغي تنظيف البيئة منها لكي يعتذر بعضنا للبعض عما اختلفنا عليه, وكدنا من فرط حماستنا ننسي أننا في سفينة الوطن التي هي أعظم سفينة لأعظم وطن ونبحر بها في بحر هائج متلاطم الأمواج, تخفي مياهه جبال صخر وجليد.. وتحتاج منا أن نفتح أعيننا, وحتي اذا اختلفنا, فليكن ذلك بحكمة, لأن الحضارة الكامنة في الأعماق, والظروف المحيطة بنا, والأخطار التي تلوح في الآفاق.. تحتم علينا بضرورة المبادئ والمصالح أن نسعي الي الائتلاف بديلا عن الاختلاف.. وأن نتعاون ونتكامل ليؤدي كل منا دوره حتي تتحقق السلامة في السفينة وتبحر بأقصي سرعة, متفادية المعوقات, حتي تصل الي شاطئ الفردوس الذي تهفو إليه النفوس. ذلك هو ما يجب أن نتفق ونتوافق عليه بعد أن بدأ رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة سلطاته.. وبعد أن ألقي خطابا رسميا في جامعة القاهرة السبت 30 يونيو وكان قد سبقه في اليوم السابق بخطاب ميدان التحرير.. وقبلها بخمسة أيام بخطاب مسجل عقب إعلان فوزه.. وفي المحصلة, فإنه قد حدد مبادئ مهمة يستند إليها في حكمه.. أو قل.. إنها بمثابة بنود تعاقد بينه وبين الشعب.. وفي ضوء هذا التعاقد, وبتفسير إيجابي موضوعي لكلماته الواضحة المحددة, فإننا نساند رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي منذ اللحظة الأولي التي صار فيها هو الربان الذي يقود سفينة الوطن.. فإنه وطنيا وموضوعيا وأخلاقيا لا نملك ترف الاختلاف والصياح الحنجوري الذي تنشط فيه الفضائيات, بل انه يتحتم أن يعتذر بعضنا لبعضنا عما اختلفنا عليه, أو بتحديد أكثر عما تطاير من شرر أدي الي ضرر.. أصاب البنيان والبشر!. من هنا يتحتم علينا تحسين الأداء في السفينة وخارجها.. فإنه من العار أن تحدث فيها ثقوب ينفذ منها ما يهددها ويغرقها.. فهي ان أصيبت وعطبت لا قدر الله فإن الدمار لا يختار.. وهذا الوطن ليس ملكية خاصة لشخص أيا كان.. ولا تنظيما مهما إدعي.. ولذلك ومع اختلاف اتجاهاتنا وعلي أية حال, ومع متابعة أحداث الأسابيع المقبلة, والتي نري أنها بالغة الأهمية بما يمكن أن تكشفه من ملامح المرحلة المستقبلية فإننا نركز علي ما يمكن أن يرتقي الي مستوي المبادئ الاستراتيجية ومنها: سيادة واستقلال القضاء.. وأول خطوة في هذا ترك أمور القضاء في أيدي رجاله ويمثلهم المجلس الأعلي للقضاء دون تدخل من السلطة التنفيذية.. وبنفس الدرجة من القوة لابد من احترام وتنفيذ أحكام القضاء النهائية.. وهنا نشير الي حكم المحكمة الدستورية العليا الخاص بمجلس الشعب, ونقول انه مثال لاختلاط المفاهيم وسوء التفسير واللعب بالألفاظ فإن الحكم لم يتضمن حل مجلس الشعب وانما اقتصر علي عدم دستورية انتخاب الثلث الفردي, ولكن في الحيثيات فإن خروج الثلث يعني انعدام المجلس, لأن الثلث يشمل 166 عضوا ويعني خروجهم بقاء 332 عضوا منتخبا أي لا يصبح المجلس متفقا مع الدستور المطبق وأعني به الإعلان الدستوري 30 مارس 2011. إن مصر.. قد عبرت ولابد أن تعبر مرحلة عواصف الاختلاف الضار.. وتتجه ولابد أن تتجه الي مرحلة الائتلاف.. ويتحتم أن يكون هذا بسرعة ومن خلال تجاوز مرحلة المراهقة السياسية التي يعبث فيها من ينادي بالاقصاء والابعاد.. ويفرز البشر ويتمادي في التصنيف.. ولندخل جميعا في مصالحة وطنية برعاية رئيس الجمهورية.. وبمشاركة كل القوي, فإنها جميعا عبر الأجداد والآباء قد صنعت بفضل الله, مجد مصر.. وهي الآن بعقولها وسواعدها قد فجرت الثورة وتصيغ المستقبل. المزيد من مقالات محمود مراد