فى مقال سابق، استمتعنا بمطالعة كتابة شديدة الإتقان وشديدة العمق بحثاً فى موضوع الإرهاب .. ووعدنا بأن نواصل .. يقول سراج الدين تحت عنوان: إشعال الفتيل، كيف ينتج التطرف العنف. «هناك خطأ شائع يرى أن التطرف ينجم عن الفقر وغياب المساواة فى المجتمع وهذا صحيح جزئياً فقط فهناك تجنيد كبير للمهمشين مثل الأيتام وأطفال الشوارع والمحتاجين ليس فقط بسبب فقرهم وإنما لغياب الحماية الاجتماعية» . ثم «وقد اخترقت الكوادر المتطرفة مهنة التدريس وفيها يتمتعون بموقع السلطة ويكتسبون إعجاب الطلاب» . ثم يشرح سراج الدين المسار «تتم استمالة كل مجند إلى أيديولوجية الجماعة المتطرفة عن طريق تسكينه داخل مجموعه توفر له الأمان والدعم . ثم بعدها يصبح جزءاً من جماعة الشهداء الذين يربطهم رباط الإخوة ويصنعون بحياتهم معاً من أجل قضية نبيلة». ثم هو يفسر لنا احد مظاهر الاندفاع الإرهابى فيقول: «جميع البشر تقريباً لديهم خوف غريزى من الموت ولكن الجيوش تعرف أن بالإمكان تدريب الرجال لمواجهة الخطر والاستمرار فى التقدم تحت نيران، فمواجهة الموت فى ساحة القتال ضمن مجموعة يكون شكل الموت مختلفاً فالقلق على إخواننا الذين يحاربون معنا يجعل الكثيرين يقومون بأعمال بطولية فريدة . لكن هذا النوع من الأخوة لا يتحقق إلا فى حالات الخطر المباشر [ص73] . ثم هو يؤكد «أن تصميم إستراتيجية العمل الثقافى من اجل دفع الناس إلى نبذ العنف وتشجيع التعددية ليس عملاً هندسياً وإنما هو تصميم لرؤية جماعية ينظر إليها الكثيرون بشكل مختلف ومن زوايا مختلفة وهى تصور واقع مجتمعنا وأوجه القصور فيه وتحدد القوة التى تدفعه وتحركه وتوجه لها النقد والحلول من وجهات نظر متعددة وبهذا نوجد رؤيتنا ، وهو عمل ينمو دوماً ولا يكتمل أبداً» [ص76]. ثم يبسط سراج الدين الأمر فإن الثقافات تنشأ وتتطور من خلال عملية ممتدة .. ترث الماضى وتتكيف مع الحاضر وتنتج المستقبل، وتتكيف باستمرار مع الجديد وتتطور هوية المجتمع تبعاً لذلك أنها عملية صحيحة من التغير ولا تترك مساحة لظهور التطرف والعنف فهى ممتدة ولا تقدم منتجاً نهائياً» [ص68] . ولكن وهنا يحظرنا سراج الدين «أن البيروقراطية وآلات الحسبية الضخمة قد نجحت فى إسكات صوت المواطنين، حتى فى الدول التى تتمتع بحرية التعبير والاجتماع بضمان دستوري» [ص74]. ثم. «وفى الدول العربية حيث تهيمن الحكومات على السلطة ولا تستطيع مواجهة التحديات، نتوقع أن تتجه الحكومات إلى العنف للحفاظ على قوتها فالسلطة تغريهم وإذ تنزلق من أيديهم يستخدمون العنف للمحافظة عليها وهكذا يكون استقطاب وتطرف واستخدام العنف» [ص75] . . ثم يأتى بنا سراج الدين إلى احد مفاتيح الفهم فيقول: «إن التفسير الذى يستقر فى عقول وأفئدة الناس عن الدين يحكم سلوكهم، وما قد يظهر عليه من عنف وتطرف وتعصب وكراهية لا يعبر عن فهم دين صحيح . وبالتأكيد فإن ممارسات المسلمين الذين يتجهون للعنف والكراهية مرفوضة من الإسلام ولا تعبر عن فهم صحيح لأى من المذاهب الأربعة ومع ذلك نجد انتشاراً واسعاً للممارسات الخاطئة ويعتق ويعتقد من يرتكبها انه مسلم حقاً . ومن ثم يقدم الفهم الشعبوى للإسلام بصياغة القيم الاجتماعية، وعندما يتخذ السلوك الفردى طابعاً جماعياً يتحول التطرف إلى ممارسات اجتماعية يقوم بها المجتمع كل يوم» [ص84]. ثم يحذرنا «وفى حالة تطور هذه الأوضاع على العيد الاجتماعى الشعبي، وقبولها من المستوى الأعلى فإن ما يدركه الناس عن الدين وما يمارسونه من قيم اجتماعية فإن ذلك سوف يشكل عنصراً ضاغطاً على علماء الدين والدارسين والنخب الثقافية [ويأذن لى د.إسماعيل بأن أتدخل لأقول ان هذا يتضح تماما فى موقف السلطة من التيارات والأحزاب السلفية المتطرفة فكرياً ، ويجلى مثلاً فما جرى ويجرى فى المنيا] [ص85]. ثم يقتادنا د. إسماعيل إلى الحلول فيقول «ينبغى أن يكون هناك عمل ثقافى مكثف حتى يتسنى للمسلمين استعادة الشعور بالاتساق مع أنفسهم ومع السياق الثقافى المحيط بهم مستوعباً للأصول ومنفتحا على المؤثرات والمستجدات الثقافية ، كما يتطلب إظهار التداخل بين الهوية الوطنية والهويات العرقية من جانب والهوايات الإسلامية من جانب آخر ، وهذا العمل لا يمكن القيام به دون وجود مساحة من الحرية للنخب الثقافية التى تجتهد فى تحديد معنى ومحتوى الأصالة الثقافية فى عالم شديد التغير بحيث لم يعد الانعزال أو الانفصال خياراً مطروحاً . وكل من المثقفين والفنانين لديهم مسئولية كبيرة ملقاة على عاتقهم لأنهم من يصنعون المرايا التى يرى فيها الناس أنفسهم ويفتحون أمامهم التى تمكنهم من رؤية العالم». لكنه ليؤنبنا قائلاً «إننى أؤمن بأن المثقفين المسلمين لا يستطيعون فى الوقت الحاضر القيام بهذه المهمة . إلا بعد أن يطوروا أساساً معرفياً منظماً لفهم عدد من المفاهيم الأساسية منها مثلاً معنى المجتمع الثقافة الإسلام الجماعة الهوية الخرافة التخيل الإبداع .. ولا يكون ذلك مجرد عمل نظرى أو استعراضى ، ولكنه فى الأساس مهمة ضرورية لوضع أسس معرفية للنظرية والممارسة للنقد الثقافى وللنقد الفنى فى العالم الإسلامى . [ص88] . ثم يصيح «يتبقى أن يتحرك المثقفون والفنانون معاً وأن يمتلكوا جرأة التفكير فى القضايا المحجوبة عن التفكير، وأن يذهبوا إلى مساحات فى الفكر، خشى غيرهم الاقتراب منها . وأخيراً يقول: هناك ثلاث قضايا معاصرة متداخلة تطرح تحدياً كبيراً أمام المثقفين المسلمين المعاصرين : حقوق الإنسان الديمقراطية المساواة بين الرجل والمرأة .. [ص90] .. والآن أسأل من يقولون عن أنفسهم انهم مثقفون .. ما رأيكم ؟ أما الدكتور إسماعيل سراج الدين، فلم تزل كل الكلمات عاجزة عن أن تعطيه حقه. وأقول له واصل .. استمر، فنحن بحاجة إليك والى فكرك والى كلماتك الساخنة القادرة على إيقاظ النائم والمتناوم .. واليك والى القادم من بعدك د.مصطفى الفقى . كل التحية .. والأمنيات بعطاء متجدد . لمزيد من مقالات د. رفعت السعيد;