لابد أن أبدأ أولا بتوجيه التحية الي الدكتور اسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الأسكندرية.. والي فريق العمل معه بقيادة الدكتور خالد عزب رئيس قطاع المشروعات بالمكتبة. والدكتور سامح فوزي مدير مركز دراسات التنمية بالمكتبة.. علي هذا النجاح الكبير لمؤتمر ¢صناعة التطرف:قراءة في تدابير المواجهة الفكرية¢. الذي عقد بالمكتبة الأسبوع الماضي علي مدي ثلاثة أيام - من 3 الي 5 يناير 2016- وحضره نحو 250 من كبار المثقفين والمفكرين من 18 دولة عربية. وكذلك من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وإيطاليا.. قدموا عشرات الدراسات والأبحاث. قامت إدارة المؤتمر بطبعها وتوزيعها علي المشاركين.. فضلا عن النقاشات الجادة والحوارات العلمية التي حفلت بها جلسات المؤتمر. وما تضمنه كتاب الدكتور اسماعيل سراج الدين ¢التحدي:رؤية ثقافية لمجابهة التطرف والعنف¢ الذي قدمه الي المؤتمر.. - ثانيا: أطالب المسئولين بالدولة بتقديم كل ما يستطيعون من دعم.. مالي ومعنوي.. الي مكتبة الاسكندرية التي استطاعت في سنوات قليلة أن تضطلع بدور كبير في إثراء الحياة الثقافية والعلمية.. ليس فقط علي المستوي العربي. بل أيضا علي المستوي العالمي. بما قدمته من مساهمات وأنشطة فكرية.. جعلتها واحدة من كبريات المكتبات في العالم. بل إنها حققت السبق علي المكتبات العالمية الأخري في مجالات البحوث والرقمنة والنشر وإتاحة المعرفة للجمهور.. من هذه الأنشطة علي سبيل المثال:مشروع ¢المكتبة الرقمية العالمية¢ الذي تقوم بتنفيذه مكتبة الأسكندرية بالمشاركة مع مكتبة الكونجرس الأمريكي تحت إشراف منظمة ¢اليونسكو¢.. - لابد أن أضيف الي ما سبق المؤتمرات العالمية ذات الطابع الثقافي والعلمي التي تنظمها مكتبة الاسكندرية من وقت الي آخر.. يكفي هنا أن أشير الي أن أحد هذه المؤتمرات شارك فيه 7 من العلماء الحاصلين علي جائزة نوبل في المجالات العلمية المختلفة.. كما شاركت في مؤتمرات أخري بالمكتبة شخصيات دولية بارزة. مثل رئيس وزراء ماليزيا الأسبق الدكتور مهاتير محمد. والرئيس الإيراني الأسبق الدكتور محمد خاتمي.. ورؤساء دول وحكومات وملوك. مثل ملكة النرويج.. وزوجات ملوك. مثل زوجة ملك أسبانيا. وزوجة ملك الأردن.. - هكذا في سنوات قليلة استطاعت مكتبة الأسكندرية التأكيد علي ريادة مصر الثقافية للعالمين العربي والإسلامي. وإحياء الدور العالمي لمكتبة الأسكندرية القديمة التي تأسست في عهد ¢بطليموس الأول¢ سنة 295 قبل الميلاد.. فعوضت مكتبة الأسكندرية بذلك نقصا شاب آداء مؤسساتنا الثقافية والإعلامية في السنوات الماضية.. بفضل خبرة وكفاءة وإخلاص القائمين علي إدارة المكتبة بقيادة الدكتور اسماعيل سراج الدين.. الذي يحظي بتقدير عالمي كبير من مختلف المؤسسات العلمية والجامعات الدولية في الخارج. حتي بلغ عدد شهادات الدكتوراة الفخرية التي منحت له 30 دكتوراة. من جامعات أمريكية وأوربية وآسيوية.. *** * أعود الي مؤتمر ¢صناعة التطرف:قراءة في تدابير المواجهة الفكرية¢ الذي عقد الأسبوع الماضي بمكتبة الأسكندرية.. سأبدأ من اليوم - إن شاء الله - تقديم عرض نقدي لأهم ما دار فيه من مناقشات. أحسب أنها تستحق من مكتبة الأسكندرية أن تجمعها وتصدرها في كتاب. لأهمية ما تضمنته من رؤي وتجارب وأفكار المثقفين العرب والأجانب. حول قضية التطرف وسبل مواجهتها.. * في بداية الجلسة الافتتاحية.. تحدث الدكتور خالد عزب رئيس قطاع المشروعات بمكتبة الأسكندرية. فأوضح أن الهدف من انعقاد المؤتمر هو مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب التي أصبحت مستفحلة في العالمين العربي والإسلامي لأسباب لا علاقة لها بالدين الإسلامي. بل تنطلق من التطرف الفكري الذي أخذ يدمر المنطقة.. قال إن المؤتمر يأتي في إطار استراتيجية متكاملة للمكتبة بدأت العام الماضي بمؤتمر تحت عنوان:¢نحو استراتيجية شاملة لمواجهة التطرف¢.. مشيرا الي المؤتمر الذي نظمته المكتبة الشهر الماضي بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب. ومؤتمر آخر يجري حاليا الإعداد لتنظيمه في مايو المقبل بالبحرين بالتعاون مع مركز عيسي الثقافي.. * تحدث في الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر الدكتور اسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الأسكندرية.. فأوضح أن هذا المؤتمر سيتم تنظيمه بصورة دورية كل عام لبحث ومتابعة ظاهرة التطرف التي تجتاح العالم.. قال: ¢شرفنا أن يكون عقد المؤتمر بتكليف من رئيس الجمهورية السابق المستشار عدلي منصور. وقد وضع الرئيس عبد الفتاح السيسي المؤتمر تحت رعايته. كما أشار الرئيس السيسي الي نتائج المؤتمر السابق في خطابه أمام القمة العربية التي عقدت بشرم الشيخ في مارس 2015. وأعطي توجيهاته بدعم مكتبة الأسكندرية في مواصلة العمل بجدية في برنامج مواجهة التطرف بالتنسيق مع الهيئات الدينية والثقافية. وفي مقدمتها الأزهر الشريف¢.. * أكد سراج الدين علي أن مكتبة الأسكندرية هي بيت المثقفين العرب منذ نشأتها.. وما من مبادرة تقوم بها إلا وكان المثقفون من شتي الأقطار العربية حاضرين.. لأن مكتبة الأسكندرية وإن كانت لها إطلالتها الدولية. إلا أنها تظل المؤسسة الثقافية العربية متنوعة الاهتمامات. وأحد الأرصدة الثقافية التي يمتلكها العرب. بما تمتلكه المكتبة من رصيد تاريخي ونشأة حديثة وخدمات ثقافية متطورة.. * قال إن التطرف يؤدي الي حالة من ¢التجريف الإنساني¢ في المجتمعات التي يطأ بقدمه فيها. لأنه يرتكز علي إعادة إنتاج مقولات عتيقة وآراء فاسدة تسوغ للكراهية والقتل.. الإسلام منها براء.. والمتطرفون لايستحقون أن يحملوا اسم ¢مسلمين¢ أو ينتسبوا الي الإسلام.. *أضاف: ¢لقد بات علينا نحن المثقفين العرب أن نحمل لواء الدفاع عن الدين الحنيف. فلم يكن المسلمون في محنة طيلة تاريخهم مثلما هم عليه الآن. وهي معركة كل العرب.. مسلمين ومسيحيين.. للدفاع عن أوطاننا ضد التطرف والإرهاب¢.. مشيرا الي أن المسلمين الأوائل رفضوا التطرف. واعتبروه غلوا في فهم النصوص الشرعية.. بعيداً جداً عن مقاصد الشرع وروح الإسلام.. * أكد سراج الدين علي أن الفكر لايحارب إلا بالفكر.. وأنه لامجال لأحادية الرأي والمذهب والفكر.. لأنها وقود التطرف والغلو.. فضلا عن أنها تتعارض مع النسيج الثقافي والاجتماعي في المجتمعات العربية التي تقوم علي التنوع والتعددية.. *قال: ¢إنه إذا كان للتطرف في المنطقة العربية منابع من سوء الفهم والمغالاة والجهل بأصول الفقه الإسلامي.. فإن هناك أسبابا أخري تضاف الي ذلك.. منها:تراجع منسوب الحريات العامة وتفشي الشمولية. وانخفاض جودة التعليم. وانتشار الجهل والفقر. والتهميش. والتدخل الخارجي في الشئون الداخلية للدول العربية¢.. مشيرا الي ضرورة الاهتمام بالثورة المعرفية لما لها من تأثير علي الساحة الثقافية.. كذلك الإنفتاح الثقافي علي العالم الخارجي من أجل التصدي لفكر العزلة الذي يود أن يحشرنا فيه البعض.. ويريد أن يكون تواصلنا مع العالم الخارجي تجاريا فقط. في حين أن لدينا المنتج الإبداعي والقدرة علي التأثير الثقافي.. *** * تحدث أيضا في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدكتور أسامة نبيل رئيس المرصد الإسلامي التابع لمؤسسة الأزهر الشريف. الذي حضر المؤتمر ممثلا لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر.. قال إن الأزهر وإمامه قد اتخذ موقفا واضحا لمكافحة كافة التيارات الفكرية المخالفة لأصول الدين. ورفض كل أشكال التطرف. كما بدأ في تنفيذ خطته لمكافحة الإرهاب منذ عام 2014 بعقد أول مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب.. مشيرا الي أن الأزهر الشريف قد اتخذ خطوات جادة لتجديد الفكر الإسلامي. منها علي سبيل المثال مؤتمر ¢تجديد الفكر والعلوم الإسلامية¢.. * كما تحدث الدكتور أحمد العبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب.. قال إن التطرف أصبح صناعة لها هندستها وروافدها وانسقتها وثمارها البغيضة.. مشيرا الي أن هذه الأنساق تتحرك من عدة روافد: النصي. والعسكري. والاقتصادي. والسياسي. والدعائي. والتواصلي الذي يهدف للوصول الي الناس كافة خاصة الشباب منهم.. أوضح أن صناعة التطرف لها أربعة أعمدة هي: 1- حلم الوحدة.. 2- حلم الكرامة.. 3- حلم الصفاء.. 4- حلم الخلاص.. لفت الي أن تحليل خطابات داعش يبين هذه الأفكار التي يعتنقونها. فهم يرون أن تدينهم يتميز بالصفاء عكس تدين الآخرين.. وأنهم هم الفرقة الناجية من النار.. أكد علي أن المعركة الأساسية التي ينبغي التركيز عليها في محاربة التطرف هي ¢معركة النص¢.. دعا الي ضرورة تنسيق الجهود بين العلماء لوضع النص في سياقاته الصحيحة لمنع التأويل الذي لا يضع اعتبارا للمآل.. طالب بتحرير المصطلحات والمفاهيم حتي لاتستخدم لأغراض معينة. كذلك الإعتماد علي القياس. والحكم علي الأمور بثمارها ونتائجها.. *البقية في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالي..