جريمة المنيا وضعت النقاط على الحروف ورسمت ملامح التحالف الجديد بين الجماعات الإرهابية فى الداخل والخارج، عبر تنسيق ميدانى يهدف لامتلاك المقدرة على تجاوز ضعف وعجز الواحدة منها منفردة عن تحقيق أهدافها واسترداد بعض ما فقدته. لم يعد الأمر متعلقًا باعترافات البعض من المتورطين فى جرائم إرهاب، إنما صار هناك تلاق فى الرؤى والأساليب والأدبيات والأهداف. إصدار خلية حسم الأخير بعنوان «أزيز الرصاص» الذى يوثق بالفيديو جريمة ضرب كمين مدينة نصر، يؤشر لتحول من أدبيات الإخوان المعتادة المرتبطة بما يطلقون عليه الثورة ومقاومة الانقلاب.. إلخ، نحو توظيف أدبيات جهادية باستدعاء بعض آيات القرآن ومصطلحات جهادية كدفع الصائل وغيرها، فى الوقت الذى يوثق تنظيم داعش عملياته مستخدمًا مفردات جماعة الإخوان مثل «الشرعية» و«الانقلاب» واللافت فى إصداره المصور قبل الأخير اعترافه بالإسهام فى عمليات إخوانية خالصة ومنها اغتيال ضابط الأمن الوطنى محمد مبروك بمدينة نصر. قيادى داعشى مجهول أصدر دراسة بعنوان «سر الأحجية المصرية» مشددًا على أن مصر هى منطلق السيطرة على العالم عبر سيناريو إشاعة الفوضي، واضعًا استهداف المؤسسات والأقباط ضمن الأولويات كطريق أوحد لتفكيك الدولة، لكن الخطة التى وضعها القيادى الغامض الذى أطلق على نفسه اسم «أبو مودود الهرماسي» والذى حرص على إظهار خبرات ممتدة بالواقع المصرى تكشف عن ماضيه التنظيمى وحقيقة انتمائه. فقد طرح أفكارًا جربتها تنظيمات جهادية فى الثمانينيات والتسعينيات وشرعت فى تنفيذها بالفعل قبل أن تحبطها الأجهزة الأمنية ومنها تسميم مواسير المياه التى تمد أقسام الشرطة والكنائس ومناطق ارتكاز القوات المسلحة ومبانيها وقذفها بمواد قابلة للاشتعال، بما ينطوى على مؤشرات لحضور غير معلن لعناصر تابعة لتنظيمات استغلت انفلات السنوات الماضية لإنجاح التمرد الذى فشلت فى قيادته فى تلك الحقبة. ويهدر يحيى رفاعى سرور القيادى بالجبهة السلفية دماء الأقباط، ويعلن إباحة دم كل مسيحى وكل مسلم مؤيد للنظام، وخطورة هذا الإعلان مرتبطة بطبيعة الشخص فهو نجل الأب الروحى لتنظيم حازمون الناشط فى إدارة تحركات المسلحين بين سورياوسيناء وليبيا والصعيد، وهو شقيق عمر رفاعى المعين كقاض شرعى لمجلس مجاهدى درنة، وهما من حلفاء الإرهابى المصرى هشام عشماوى الذى شكل تنظيم المرابطون الموالى للقاعدة والذى نقل نشاطه إلى ليبيا قبل سنوات. الاستدلال بما قاله أحمد المغير وهو مساعد خيرت الشاطر بشأن استهداف الأقباط ما داموا مؤيدين للنظام السياسى هو أضعف الإيمان، فى حين يلزم التنبه للربط بين ما جاء فى وثائق توسيع الهيكلة والتمركز الإستراتيجى لتنظيم داعش بغرض التمدد بكامل محافظات الجمهورية استنادًا لنهج إدارة التوحش، وما وضعه القيادى الإخوانى محمد كمال قبل مقتله من خطة شاملة تم تطويرها لاحقًا وهو ما ظهر فى عملية خلية حسم الأخيرة، علاوة على ما تم تشكيله من لجان نوعية أخرى للحراك المسلح ذات مهام نوعية عينها على ما سمته ساعة الحسم النهائية؛ فكلا التصورين يقوم على مبدأ الإنهاك والنكاية والإرباك، ويعتمد على توسيع دائرة النشاط واستحداث روابط لمراكز المسلحين بين ليبيا ودول أخرى والداخل المصري. القراءة المتأنية لتلك التطورات تشى بتشابك مصيرى بين مجمل طيف الإسلام السياسى وما تفرع عنه من نشاط مسلح، قاصدًا جمع شتات مختلف الملاحقين والمنهزمين والعائدين من سوريا وليبيا وربطه بنشاطات المسلحين فى الداخل لتمديد النشاط الإرهابى باتساع الجغرافيا المصرية. نحن إذن أمام تنظيمات اجتمعت على رؤية إستراتيجية موحدة مفادها ضرورة إنهاك الدولة المصرية واللعب على وتر إشعال الصراع الطائفى. هناك الكثير مما يستحق النقاش عشية تلك المتغيرات الكبري، وسنكتشف أن ملف الأحزاب التابعة لجماعات دينية على الساحة هو الأكثر استحقاقًا ورغم ذلك يُهمل الحوار بشأنه. أحد تلك الأحزاب أخيرا لعب على ثلاثة محاور من خلال الضغط السياسى واستغلال نافذته الحزبية، الأول محاولة المساومة لإعادة قيادات الخارج للمشهد بتعمد تصديرهم لقيادته، والثانى المصالحة مع داعش بزعم إنقاذ سيناء والثالث إنقاذ الإخوان بطرح مبادرة للعفو عن قيادات الجماعة.الدور الإيجابى الوطنى كان يتطلب بالطبع التحرك مبكرًا باستقلالية خارج تحالف الإخوان التصاقًا بالمصلحة الوطنية، وعودة سريعة للمشهد السياسى تسحب البساط من دعاة الصدام المسلح، وبالتحرك لكشف طبيعة الصراع السياسية وليس فى مسار الشحن الديني، وبالتحرك فى الصعيد لصد الأفكار التكفيرية والحيلولة دون إلحاق عربات محافظاته من جديد بقطار الإرهاب. حزب آخر تستقى جماعات التكفير من مرجعيته الفكرية ومن قناعات وآراء فقهية يتبناها التيار التابع له، خاصة بواقع الإمبراطوريات العقائدية القديمة لا بدولة العقد الاجتماعى ودولة المواطنة الحديثة، وعوضًا عن الاشتباك مع تلك الحالة لتفكيكها وتصويبها، يصدر هذا التيار بيانًا مطولًا داعمًا ومتضامنًا مع من أفتى بفساد عقيدة الأقباط على إحدى الفضائيات! علاوة على ما كان منطقى الحدوث -لو كنا بصدد أحزاب مسئولة- من اشتغال دءوب على تفكيك المشهد الإقليمى وطرح مراجعات جدية للمواقف السابقة التى كانت داعمة لميليشيات ضد دول، ولتنظيمات ضد أنظمة، ولجماعات ضد مؤسسات وفق رؤى مذهبية وانحيازات طائفية موهومة على حساب المصالح العربية والإسلامية الحقيقية. المعارضة أيًا كان انتماؤها تنقسم اليوم إلى وطنية وغير وطنية، فإما تكون مع الدولة أو مع الإرهاب، ولا توجد صعوبة تذكر فى تمييز المواقف من خلال الوقوف على طبيعة المبادرات وأسلوب التعاطى مع الأحداث، بين من يناضل ويصطف فعليًا داخل الدولة للحفاظ على الفضاء الوطنى والنسيج المجتمعى موحدًا متماسكًا، ومن يلحق بالهجمة البربرية التى تنطوى على تحطيم الدولة، مهما أطلق هذا الحزب أو ذاك من بيانات إدانة ذرًا للرماد بالعيون لا تساوى الحبر الذى كتب بها. لمزيد من مقالات هشام النجار;