حالة من الفساد والانهيار الأخلاقى بكل صورة وأشكاله يشهدها المجتمع المصرى فى الآونة الأخيرة يعانى منها الكبير والصغير ولا نعلم ما نهايتها؟ هل أصبحنا مجتمعا مستغلا بطبعه ام اصبحنا نسيء الظن بالبعض ونلقى الاتهامات جزافا؟ والى متى سنظل فى هذه الحال التى تزداد سوءا يوما بعد يوم؟! وإذا كان الإسلام دينا يدعو إلى حسن الظن بالناس والابتعاد عن الغيبة وسوء الظن بهم والذى يسبب العداوة وينشر البغضاء بين الناس؟ ولماذا نتجاهل النهى القرآنى عن هذا الفعل المشين الذى ساد فى حياتنا، والذى ورد فى قول الله تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ). يؤكد علماء الدين إن إصلاح المجتمع هو واجب كل فرد فيه، ويجب علينا جميعا أن نتحلى بالأخلاق حتى ننعم بمجتمع هادئ نحسن الظن ببعضنا وتشيع روح المحبة والفريق الواحد بيننا. وطالب العلماء بتضافر جهود المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية والتربية والتعليم لصياغة منظومة دعوية وتربوية تعيد الأخلاق إلى المجتمع وتعلى مبدأ «الدين المعاملة». يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن: إن واجب المسلم تجاه غيره أن يحسن الظن به, ولا يفترض فيه سوء النية أو الطوية, إذ قال الحق سبحانه: » يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم », وقال رسول الله: » إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث », وهذا النهى الوارد فى الآية والحديث عن الظن السيئ بالناس يقتضى حرمته, وإن من المفاسد التى لا توصل إلى خير هذا الشك والارتياب الذى يستشعره كل طرف حيال الآخر, فنحن جميعا فى زورق واحد, فإن ترك البعض ليفعل فى نصيبه من الزورق ما يحلو له, هلك الجميع, وإن أخذ على أيديهم, نجا الجميع, ولن ينهض هذا المجتمع إلا بسواعد من فيه, وإلا فإن ارتياب البعض من البعض على النحو الذى نرى نتائجه السيئة فى الواقع, لا تنصلح به حال المجتمع, ولن يتحقق لأفراده التغيير الذى ينشدونه. وأضاف: إنه فى ظل هذا الجو المليء بالتشكيك, لا يمكن أن تقوم لهذه الدولة قائمة, فماذا ينتظر المغرضون الذين ملأوا الحياة شكا وتشكيكا, إلا أن ينفرط عقد المجتمع, وفى هذه الفترة الحرجة التى تمر بها مصر قائدة العالم الإسلامى والعربى والإقليمى أخاطب الجميع بقول الله تعالي: » أليس منكم رجل رشيد », اتقوا الله فى هذا البلد, وليعمل الجميع بروح الفريق, فإن مصر التى أعزها الله تعالى بذكرها فى كتابه مرات عدة, ووصفها بكثرة الخير والنعم والأمن, تطلب من الجميع أن يتحقق لها ما أراد الله سبحانه, لا أن تكون خرابا ينعق فيها البوم, ألا فليراجع كل منا موقفه من غيره, وأن يترك للحاكم فرصة إنقاذ المجتمع من الكبوة التى تردى فيها, وأن يعملوا وينتجوا لخير هذا البلد, وإشباع حاجات أهله, وليأخذوا العبر من البلاد التى سيطرت الخلافات بين أفرادها, فمازالت تصطلى بآتون هذه الخلافات, وتقدم ضحايا لها كل يوم, وقد حرمت من الاستقرار والأمن, فليسأل كل منا نفسه: هل يريد أن تكون مصر نسخة من هذه البلاد التى حزبتها الخلافات, وقطعت أوصالها المنازعات, وصار أفرادها فرائس للصراعات, فإذا كانت الإجابة بالنفي, فينبغى أن ندع سياسة الدولة لمن نيطت به, ولا يتصور البعض أن ما يقوم به من شك وتشكيك فى البعض يفضى إلى خير, بل الكراهية للمشكك والمشكك فيه, فلنحسن الظن ببعضنا, وواجبنا أن نأخذ على يد من يريد تقويض بنيان المجتمع حتى يكف, لتكون النجاة لنا جميعا, وليعلم الجميع أن من يفسد بالقول أو الفعل محارب لله ورسوله, يجد كل منا ذلك فى قوله تعالي: « إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا .. », فليربأ كل منا بنفسه عن أن يكون مفسدا محاربا لله ورسوله. من جانبه يؤكد الدكتور أحمد محمود كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إنه من المقرر شرعا تأصيل ونشر (مكارم الأخلاق) لقول النبى صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ولسنن الله فى كونه اقبال وادبار وقوة وضعف، فكما قال الشاعر: لكل شيء إذا تم نقصان .. فلا يغر بطيب العيش إنسان. ومن هنا تظهر أهمية اضطلاع المؤسسات التعليمية والدعوية والإعلامية بعمل تدابير وقائية ويعنى بها الترغيب والترهيب وإيجاد القدوة العملية التى يشار إليها بالبنان فى محيط الأسرة والمؤسسة التعليمية والدعوية وغيرها وإذا وجدت القدوة الطيبة بصورة عملية كان ذلك ادعى إلى التأسى والاقتداء، وليس بمجرد العبادات ولكن بمكارم الأخلاق، كما يجب أيضا سن تدابير زجرية بعقوبات رادعة للانفلات الأخلاقى وقد رسخت الشريعة الإسلامية ذلك، ثم لا يغيب عن البال أن آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة نشروا الإسلام فى غير بيئته ليس بكثرة المواعظ والخطب، إنما بالأخلاق الطيبة الحميدة حصل ذلك فى أواسط وشرق قارة آسيا ووسط وشمال إفريقيا فكان التجار المسلمون من هذا الصنف الخلوق يتعامل بمكارم الأخلاق فرغب غير المسلمين فى الإسلام.