يعتبر سوء الظن من الصفات الرذيلة ومن الذنوب العظيمة ومن الأمراض الخطيرة الأخلاقية المدمرة للمجتمعات فمن غمر قلبه سوء الظن لا يري الناس علي حقيقتهم ولا يمكنه إدراك الواقع وحذر الإسلام من هذا الخلق الذميم في قوله تعالي: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم وقول النبي صلي الله عليه وسلم: إن الله تعالي حرم من المسلم دمه وماله وأن يظن به ظن السوء. ومما يؤسف له أن سوء الظن يصاحبه شائعات وأقاويل وهو ماتعاني منه الأمة الآن حيث يلجأ الإنسان الضعيف للظن بالآخرين لسبب في نفسه فتجعله منعزلا عن الآخرين, متوجسا منهم, ويظن بهم السوء فيعزل نفسه ويصبح منطويا مما يجعل شخصيته تتداعي مع الأيام. ولذلك حذرت الشريعة الاسلامية من كل مايؤدي للإساءة للمسلم حتي مجرد سوء الظن به وجاءت أصولها لتؤكد المحافظة علي النفس والعقل والعرض والمال والدين وحرمت كل ما ينتهي بالتعدي علي تلك الاصول وحتي لايكون هناك شقاق او مجرد نشوب نزاع بين الناس فحرمت سوء الظن حفاظا علي العلاقات وحرصا علي تقدم الأمة دائما. في البداية يؤكد الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر أن واجب المسلم تجاه غيره أن يحسن الظن به ولا يفترض فيه سوء النية لقول الحق سبحانه: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) وقول الرسول صلي الله عليه وسلم: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث وهذا النهي الوارد في الآية والحديث عن الظن السيئ بالناس يقتضي حرمته والظن هو ما يخطر بالنفس من التجويز المحتمل للصحة والبطلان, فيحكم علي المرء بمقتضاه, وقيل المراد بالظن: التهمة ومحل التحذير والنهي عنه في نصوص الشرع, إنما هو عن التهمة التي لا سبب لها يوجبها, قال النووي: المراد التحذير من تحقيق التهمة والإصرار عليها, وتقررها في النفس دون ما يعرض ولا يستقر, فإن هذا لا يكلف به, قسم الزمخشري الظن إلي: واجب, ومندوب, وحرام, ومباح, فالواجب: حسن الظن بالله, والحرام سوء الظن به تعالي, وبكل من ظاهره العدالة من المسلمين, وهو المراد بقوله صلي الله عليه وسلم: إياكم والظن.... والمندوب منه: حسن الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين, والجائز منه: مثل قول أبي بكر لعائشة رضي الله عنهما وقد حضرته الوفاة, وقد نحلها جذاذ نخلات مميزا لها بها عن سائر أولاده: يا بنية إني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا, فلو كنت جددته واحتزته, كان لك, وإنما هو اليوم مال وارث, وإنما هما أخواك وأختاك, فاقتسموه علي كتاب الله, قالت عائشة: والله يا أبت لو كان كذا وكذا, لتركته, إنما هي أسماء, فمن الأخري؟, قال: ذو بطن ابنة خارجة أراها جارية, فقد وقع في قلبه أن الذي في بطن امرأته اثنان, ومن ذلك سوء الظن بمن اشتهر بين الناس بمخالطة الريب والمجاهرة بالخبائث, فلا يحرم سوء الظن به, لأنه قد دل علي نفسه, ومن ستر علي نفسه لم يظن به إلا خير, ومن دخل في مداخل السوء اتهم, ومن هتك نفسه ظن الناس به السوء, والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها, أن كل ما لا تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراما واجب الاجتناب,وإذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح, ومن عرفت منه الأمانة في الظاهر, فظن الفساد والخيانة به محرم, بخلاف من اشتهر بين الناس بتعاطي الريب فيقابل بعكس ذلك, وقد روي مرفوعا وموقوفا من طريق لا يثبت: احترسوا من الناس بسوء الظن, وهو خبر لو صح مرفوعا فإنه يخصص عموم الحديث السابق, في حق من اشتهر بين الناس بمخالطة الريب والمجاهرة بالخبائث, ولا ينبغي أن يعمل به علي عمومه, إن قيل بثبوته, ولكنه لا يثبت كخبر مرفوع أو موقوف, ويتردد علي ألسنة الناس مقولة: سوء الظن من حسن الفطن, والبعض ينسبها إلي بعض الصحابة أو بعض السلف, وأيا ما كان قائلها فإنها تتنافي وأخلاق الإسلام, فإن الله تعالي نهي عن الظن بالناس, فقال سبحانه:( اجتنبوا كثيرا من الظن), ومعني هذا أن القليل منه ينبغي اجتنابه كذلك, توقيا للدخول فيما أمر الله تعالي باجتنابه منه, وسوء الظن بالناس, ظلم, والظلم حرام, ولذا قال الحق سبحانه:( إن بعض الظن إثم), وبحسب المرء أن يتجنب الظن السيئ لأنه كله إثم, فحسن الظن بالناس خلق إسلامي, وسوء الظن بهم فوق ما فيه من ظلم لهم, فإنه يفضي إلي العداوة والبغضاء, والغيبة, والنميمة, والتنازع, وكل هذا منهي عنه شرعا. ويقول الشيخ عبد الناصر بليح وكيل أوقاف الجيزة إن الاسلام حذر من سوء الظن لما ورد عن الرسول صلي الله عليه وسلم: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا فهذا الحديث الشريف ظاهره أنه يحرم الظن وينهي عنه مطلقا وهذا اعتقاد خاطيء حيث إن المراد هو ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به وكذا مايقع في القلب بغير دليل. وذلك أن بداية وأوائل الظنون هي خواطر وهواجس لايمكن التحقق منها حيث عرفة القرطبي بأن: المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها كمن يتهم رجلا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها, ولذلك عطف عليه قوله ولا تجسسوا وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة فيريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويستمع, فنهي عن ذلك, وهذا الحديث يوافق قوله- تعالي-: اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا فدل سياق الآية علي الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن, فإن قال الظان أبحث لأتحقق, قيل له ولا تجسسوا فإن قال تحققت من غير تجسس قيل له ولا يغتب بعضكم بعضا. فسوء الظن حده الغزالي بقوله: أن لا تحمل فعله علي وجه فاسد ما أمكن أن تحمله علي وجه حسن. وعده ابن حجر الهيتمي من الكبائر الباطنة, وقد ذكر من عظم مفسدة هذه الكبيرة وسوء أثرها أنها: تدوم بحيث تصير حالا وهيئة راسخة في القلب ونقل عن ابن النجار قوله: من أساء بأخيه الظن فقد أساء بربه, إن الله تعالي يقول: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن{ الحجرات:12}. ويضيف بليح ان علاج سوء الظن يتمثل في دفعه عن النفس حتي لايتغير القلب فينفر ويفتر عن مراعاته لأخية وتفقده وإكرامه والاغتمام بسببه لقوله صلي الله عليه وسلم: ثلاث في المؤمن وله منهن مخرج فمخرجه من سوء الظن أن لا يحققه أي لا يحققه في نفسه بعقد ولا فعل لا في القلب ولا في الجوارح, أما في القلب فبتغيره إلي النفرة والكراهة, وأما في الجوارح فبالعمل بموجبه, والشيطان قد يقرر علي القلب بأدني مخيلة مساءة الناس ويلقي إليه أن هذا من فطنتك وسرعة فهمك وذكائك وأن المؤمن ينظر بنور الله تعالي وهو علي التحقيق ناظر بغرور الشيطان وظلمته. لقوله صلي الله عليه وسلم إذا ظننت فلا تحقق ومعني هذا أن يظل الناس أبرياء, مصونة حقوقهم, وحرياتهم, واعتبارهم. حتي يتبين بوضوح أنهم ارتكبوا ما يؤاخذون عليه, ولا يكفي الظن بهم لتعقبهم بغية التحقيق من هذا الظن الذي دار حولهم! والتجسس قد يكون هو الحركة التالية للظن,وقد يكون حركة ابتدائية لكشف العورات, والاطلاع علي السوءات. وقال سفيان الثوري, عن معاوية بن أبي سفيان, قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم فقال أبو الدرداء رضي الله عنه كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلي الله عليه وسلم نفعه الله تعالي موضحا أن من حق المسلم علي المسلم ألا يظن به إلا خيرا ولذلك كثرت الآثار والنصوص التي تحذر من سوء الظن, لأنه يعتبر المدخل الأول للشيطان لإفساد ذات البين بين أبناء الأسرة الواحدة, وثبت أن ذلك غاية ما يمكن أن يحققه الشيطان من انتصار, لذلك كان من أفضل ما يربي عليه الأبناء من الصفات التربوية السلوكية هو القدرة علي التأويل للنية الحسنة.. ويشيربليح إلي أن البعد عن سوء الظن افضل روشتة للابتعاد عن هذا الذنب خاصة في هذة الايام المباركة؟ : لقوله صلي الله عليه وسلم:( ثلاث لازمات لأمتي: الطيرة, والحسد, وسوء الظن, فقال رجل: فما يذهبهن يا رسول الله ممن كن فيه؟ قال: إذا حسدت فاستغفر, تحقق, وإذا تطيرت فأمضه وإذا ظن لامحالة فلا يحقق ولايتتبع العورات ولايتجسس علي أحد حتي يثبت عكس ظنه أو يتحقق له ذلك.