تكشف الحروب الأخيرة في الشرق الأوسط وأوروبا عن تحول مفاجئ في الديناميكيات العسكرية، حيث أصبح العالم يشهد إعادة تشكيل الأطر السياسية والعسكرية الكبرى. من هذه الزوايا، يُسلط الضوء على القرارات السياسية التي تُؤثر في الذاكرة الجماعية والتاريخ العسكري، مثل قرار إدارة ترامب بعدم إرسال دبلوماسيين أمريكيين لحضور احتفالات الذكرى الخمسين لحرب فيتنام. اقرأ أيضًا| «من زفايج إلى ترامب».. سردية انهيار النظام تتكرر بلغة أمريكية ورغم أن مثل هذه الأحداث قد تبدو بعيدة عن الأزمات الحالية التي تواجه الدبلوماسية الأمريكية، إلا أن تجنب التمثيل الرسمي يكشف عن تحولات أعمق في السياسة الخارجية الأمريكية، والتي انتقلت من سياسات هدامة إلى مسار يهدف للبناء والتفاهم الدولي. فالإخفاق في الاعتراف بالتحولات الكبرى التي طرأت على السياسة الأمريكية، وتحديدا في فترة ما بعد حرب فيتنام، يعكس تدهورًا في فهم كيف يُمكن للأمم تجاوز ماضيها المؤلم نحو آفاق جديدة من التعاون. فحرب فيتنام، التي خلفت أكثر من 58 ألف قتيل أمريكي، كانت نقطة فاصلة في سياسة ضبط النفس والتفكير الاستراتيجي، ورغم هذه الآلام والتكاليف التي لا تُعد ولا تُحصى، بما في ذلك الآثار الاقتصادية طويلة الأمد، إلا أن الحروب الحالية قد علمت العالم درسًا جديدًا حول حدود القوة العسكرية وكيفية تأثيرها على سياسات الدول، وفقًا لمجلة «Responsible Statecraft» التابعة لمعهد كوينسي للسياسة الخارجية الأمريكية في واشنطن. و تستعرض «بوابة أخبار اليوم»، تحليلًا مفصلًا للوضع، ُمركّزةً على التحولات العميقة في السياسة الخارجية الأمريكية والعلاقات الدولية، لا سيما تلك التي مرّت بها الولاياتالمتحدة في فترة ما بعد حرب فيتنام.. نهاية التدخل الأمريكي في فيتنام.. «بداية تحول جديد» في مارس 1973، انتهى التدخل الأمريكي المباشر في حرب فيتنام مع انسحاب آخر القوات الأمريكية، بعد توقيع اتفاقية السلام التي جرى التفاوض عليها بين هنري كيسنجر (مستشار الأمن القومي الأمريكي في إدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون)، ولي دوك ثو (في المكتب السياسي لحزب العمال الفيتنامي وكان يشغل مفاوض رئيسي من جانب فيتنام الشمالية). ورغم أن الحرب انتهت بشكل رسمي آنذاك، فإن سقوط مدينة سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية في فترة الحرب) في 30 أبريل 1975 كان يُعتبر نقطة النهاية الفعلية للصراع، ليترك وراءه آثارًا عميقة لا تزال تُؤثر على العلاقات الدولية بين البلدين (الولاياتالمتحدةوفيتنام) حتى اليوم. على مدار خمس عقود تالية، تطورت العلاقة بين الولاياتالمتحدةوفيتنام بشكل ملحوظ، حيث تم تطبيع العلاقات في عام 1995، وتوسعت لتشمل جوانب سياسية واقتصادية وأمنية، مما جعلها شراكة مزدهرة، كما أفاد بيان وزارة الخارجية الأمريكية في يناير 2023. وارتفع حجم التجارة الثنائية من 451 مليون دولار في عام 1995 إلى حوالي 124 مليار دولار في 2023، مما وضح النمو الكبير في هذه العلاقة. اقرأ أيضًا| تفاصيل من خلف الكواليس.. ترامب يكشف خطط ولايته الثانية في مقابلة مع مجلة «ذا أتلانتيك» الشراكة الاستراتيجية.. منعطف في العلاقات الدولية في عام 2023، ومن خلال زيارة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن إلى فيتنام، تم الإعلان عن شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين تشمل مسائل الدفاع والأمن. أحد الأهداف الرئيسية لهذه الشراكة كان الحد من النفوذ الصيني المتزايد وقتها، وهو ما يعكس تحولًا في الاستراتيجيات العالمية والتوجهات العسكرية، وكان هذا التحول في العلاقة يُظهر خطأ الافتراضات الأمريكية التي كانت تُعتمد عند الدخول في حرب فيتنام، حيث كان يُعتقد أن هناك جانب من فيتنام جزء من تحالف شيوعي كبير تديره روسيا والصين، بحسب المجلة الأمريكية ذاتها. حرب فيتنام.. من التضليل إلى التعاون تُعد الذكرى الخمسون لانتهاء حرب فيتنام الأسبوع الماضي في 30 أبريل، أكثر من مجرد احتفال بذكرى انتصار فيتنام الشمالية على فيتنام الجنوبية، لكنها تمثل نقطة فارقة في السياسة الخارجية الأمريكية، وعلامة فارقة على نهاية فترة من السياسات التي تسببت في نتائج غير متوقعة وغير مرغوب فيها. على الرغم من التكاليف البشرية والمادية الباهظة التي خلفتها حرب فيتنام، فإن تلك السياسات قد أسهمت في تشكيل التوجهات المستقبلية للسياسة الخارجية الأمريكية، وأدت إلى مراجعات عميقة للطريقة التي يتم بها اتخاذ القرارات على الساحة الدولية. وفي هذا السياق، كانت هذه الحرب بداية لإعادة التفكير في استراتيجيات أمريكا العسكرية والدبلوماسية، وهو ما مهد الطريق لاحقًا لعلاقة أكثر سلمية ومتبادلة المنفعة بين الولاياتالمتحدةوفيتنام. اقرأ أيضًا| من العقوبات إلى الصفقات.. ملامح سياسة ترامب «غير المعلنة» تجاه أفريقيا الرسوم الجمركية والتحديات الحالية مع تزايد التوترات التجارية تحت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ظهرت بعض التهديدات الجديدة لهذه العلاقة الناشئة. ففي 2019، هددت الحرب التجارية التي شنها ترامب (خلال ولايته الأولى) بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 46% على فيتنام، وهي واحدة من أعلى التعريفات الجمركية المتبادلة المفروضة على أي دولة. ورغم أن تأثير هذه التعريفات كان لا يزال غير واضح، فإنها شكلت تهديدًا لعلاقة قوية كانت تتطور بشكل تدريجي بين الولاياتالمتحدةوفيتنام. لتعزز إدارة ترامب مرة أخرى التوترات أكثر من تهدئتها، خاصةً مع قرار مقاطعة احتفالات الذكرى الخمسين لحرب فيتنام. ومن خلال هذا الموقف، يرى البعض أن دونالد ترامب يتعامل مع تاريخ الحرب بمنظور "رابح وخاسر" وفقًا لتحليل مجلة «Responsible Statecraft» حيث يُرى أن ما حدث منذ خمسين عامًا لم يكن سوى هزيمة فيتنام الجنوبية، لكن، هذا الفهم يفتقر إلى إدراك الحقيقة المعقدة للعلاقات الدولية. اقرأ أيضًا| من العقوبات إلى الصفقات.. ملامح سياسة ترامب «غير المعلنة» تجاه أفريقيا