في عالم السياسة الدولية، لا تمر الأحداث الكبرى دون أن تترك آثارًا عميقة على العلاقات بين الدول الكبرى، ومن بين هذه الأحداث، تبرز عودة الرئيس الأمريكى السابق «دونالد ترامب» إلى البيت الأبيض كأحد التحولات السياسية، التى يمكن أن تؤثر بشكل كبير على التوازنات الدولية. مع إعلان فوز ترامب فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تسود حالة من القلق والترقب فى أوروبا حول تداعيات عودته على العلاقات عبر الأطلسى والسياسة الخارجية الأمريكية، فرغم تعهد القادة الأوروبيين بالعمل مع الرئيس الأمريكي المنتخب، إلا أن هناك مخاوف حقيقية من التغيرات الجذرية التى قد يُحدثها فى ملفات حساسة تهم القارة العجوز. ◄ سياسات مثيرة للجدل تتزايد هذه المخاوف بسبب السياسات الخارجية المثيرة للجدل التى اتبعها ترامب أثناء فترة رئاسته الأولى، والتى أحدثت تحولًا كبيرًا فى العلاقات عبر الأطلسى، سياسة «أمريكا أولاً» التى دافع عنها الرئيس السابق أضعفت التعاون التقليدى بين الولاياتالمتحدة وأوروبا، وجعلت حلفاء واشنطن فى القارة العجوز يعيدون التفكير فى مستقبل العلاقات عبر الأطلسى. من التجارة إلى الأمن، ومن تغير المناخ إلى حقوق الإنسان، كان العديد من الملفات الدولية يشهد تضاربًا بين واشنطنوالعواصم الأوروبية خلال فترة رئاسة ترامب، مما يثير الآن العديد من الأسئلة حول كيفية التعامل مع عودة هذا الرئيس إلى السلطة. يأتى الملف الأوكرانى على رأس أولويات المخاوف الأوروبية، فقد تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بقطع المساعدات العسكرية لأوكرانيا وإنهاء الحرب سريعاً، وهو ما يتعارض مع الموقف الأوروبى الداعم لكييف، ويخشى الأوروبيون من أن يؤدى تراجع الدعم الأمريكى إلى إضعاف الموقف الأوكرانى وتقوية نفوذ روسيا فى المنطقة، وقد عبر مسئول كبير فى الاتحاد الأوروبى عن هذه المخاوف بقوله: «أوكرانيا فى ورطة كبيرة»، ويخشى الأوروبيون من أن يؤدى هذا الموقف إلى إضعاف التحالف الغربى فى مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة، خاصة من جانب روسيا، كما أن أى تراجع أمريكى عن الالتزامات تجاه الناتو قد يدفع بعض الدول الأوروبية للبحث عن بدائل أمنية أخرى. على الصعيد الاقتصادى، تسود مخاوف من عودة السياسات الحمائية التى اتبعها ترامب فى ولايته الأولى، فقد أعلن عن نيته فرض تعريفات جمركية شاملة تصل إلى 20% على واردات الاتحاد الأوروبى، وهذا يهدد بإشعال حرب تجارية جديدة عبر الأطلسي فى وقت تعانى فيه اقتصادات القارة العجوز من تحديات كبيرة. ويرى محللون، أن هذه السياسات قد تضر بالعلاقات الاقتصادية بين الجانبين وتؤثر سلباً على النمو العالمى، وقد عبر مسئول أوروبى عن هذه المخاوف بقوله: «فيما يتعلق بالتجارة، سيكون الأمر سيئاً»، بحسب ما ذكرته الشبكة الأمريكية الإخبارية. ◄ اقرأ أيضًا | ترامب يرشح السيناتور ماركو روبيو وزيرًا للخارجية في إدارته المقبلة ووفقًا لشبكة «NBC News» الإخبارية الأمريكية، فإنه على الرغم من هذه المخاوف، حرص القادة الأوروبيون على إبداء استعدادهم للعمل مع الإدارة الأمريكية الجديدة، فقد هنأ الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، ترامب على فوزه، مؤكداً على أهمية الشراكة عبر الأطلسى، كما أعرب رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، عن تطلعه للعمل مع واشنطن لتعزيز العلاقات الثنائية، لكن فى الوقت نفسه، بدأت العواصم الأوروبية فى رسم خطط للتعامل مع السيناريوهات المختلفة، وتشير تقارير إلى أن بروكسل تدرس تشكيل «حكومة أزمة» فى الاتحاد الأوروبى لمواجهة التحديات المحتملة من إدارة ترامب الجديدة. ◄ سياسة التشكيل وخلال رئاسته، تبنى ترامب سياسة قائمة على التشكيك فى المؤسسات الدولية وفى التحالفات التقليدية، فقد انسحب من اتفاقيات دولية هامة مثل اتفاق باريس للمناخ، واتفاقية التجارة عبر المحيط الهادئ (TPP)، وفرض رسومًا جمركية على الحلفاء الأوروبيين فى إطار حرب تجارية كانت تركز على «حماية المصالح الاقتصادية الأمريكية»، كما انسحب ترامب من الاتفاق النووى الإيرانى (الاتفاق النووى لعام 2015)، واتباع سياسة الضغط الأقصى ضد طهران، وهو ما أثار استنكارًا واسعًا فى الاتحاد الأوروبى. عودة ترامب إلى البيت الأبيض لن تعنى مجرد العودة إلى سياسات الماضي، بل ستخلق تحديات جديدة فى العلاقات عبر الأطلسى، هناك العديد من القضايا التى ستتطلب توافقًا وتعاونًا بين أمريكا وأوروبا، مثل الأمن السيبرانى، مكافحة الإرهاب، أزمة اللاجئين، والأمن الغذائى، وهى كلها ملفات قد تكون معرضة للخطر فى حال تبنى ترامب نهجًا انفراديًا، وسيكون على القادة الأوروبيين إيجاد توازن دقيق بين الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن، وحماية مصالحهم، كما أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة فى تحديد مسار هذه العلاقات ومستقبل القضايا الحساسة مثل أوكرانيا والناتو والتجارة العالمية.