الاتهام هو ظن السوء والتهمة -بسكون الهاء وفتحها- الشك والريبة. وأصل التاء فيها: الواو. لأنها من الوهم تقول: اتهمت فلانا أي ظننت به سوءا وظن السوء بالغير يكون بقرائن وأمارات لأن الأصل براءة الذمة. وحق اتهام الغير يعني أنه لكل إنسان وقع عليه سطو أو اعتداء من الغير أن يتهمه قضائيا ولو لم يكن معه دليل اكتفاء بالقرائن أو الرؤية الشخصية لأن المجرم قد يحتاط لنفسه فلا يخلف وراءه دليل. فلو لم نسمع بحق الاتهام لضاعت حقوق الناس ويطالب المدعي عليه باليمين فإن نكل حلف المدعي وثبت الحق له. ولحديث الدار قطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. أن النبي. صلي الله عليه وسلم قال. قال: "البينة علي المدعي واليمين علي من أنكر". ويسمي حق الاتهام بحق التقاضي أو الادعاء. حيث يطلب الإنسان إثبات حق له علي الغير في مجلس القضاء أو التحكيم ويترتب علي هذا الحق عدم مؤاخذة صاحبه إن تبين براءة المتهم. لأنه استعمل حقا مشروعا يتساوي فيه الناس احتياطا لحقهم. ويجب التنبيه إلي أن اتهام الغير بالسطو أو الاعتداء ليس أمرا سهلا لأن في هذا الاتهام مساسا بسمعة المتهم وحقه الإنساني في براءة ذمته إلا بدليل إلا أنه مراعاة لحقوق الآخرين من الضياع فإن الشريعة الإسلامية أثبتت حق تهمة الإنسان لغيره إذا كان هذا الاتهام قائما علي أساس وجيه. ولو كان هذا الأساس مجرد ظن راجح لقوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم" "الحجرات: 12" فلم تحرم الآية جميع أوجه الظن. رحمة بالناس. يقول ابن كثير: "نهي الله تعالي عباده المؤمنين عن كثير من الظن- وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس- في غير محله. لأن بعض ذلك يكون إثما محضا فليتجنب كثيرًا منه احتياطا". وأما النهي عن الظن الوارد فيما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "إياكم والظن. فإن الظن أكذب الحديث" فالمراد به كما يقول النووي: سوء الظن بدون سبب وهو ما كان بقصد تلفيق التهمة بالغير ظلما وتنكيلا ويكون معني الحديث: ولا تتهموا أحدا بالفاحشة ما لم يظهر عليه ما يقتضيها فإن لم يوجد ما يقتضي الظن من القرائن كان حراما ولذلك قال تعالي: "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا" "الإسراء: 36". ومعني هذا أن الظن بالغير أنواع منه الجائز ومنه غير الجائز وقد قسم الزمخشري الظن إلي أربعة أنواع: واجب ومندوب وحرام ومباح فالواجب مثل حسن الظن بالله والحرام مثل سوء الظن به تعالي. وبكل من ظاهره العدالة من المسلمين وهو المراد بقوله صلي الله عليه وسلم في الحديث "إياكم والظن" والمندوب مثل حسن الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين والجائز مثل سوء الظن بمن اشتهر بين الناس بمخالفة الريب والمجاهرة بالخبائث فلا يحرم سوء الظن به لأنه قد دل علي نفسه قال الزمخشري ومن ستر علي نفسه لم يظن به إلا خيرا ومن دخل في مداخل السوء اتهم ومن هتك نفسه ظنا به السوء والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها إن كل ما لا تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراما واجب الاجتناب وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح ومن عرفت منه الأمانة في الظاهر فظن الفساد والخيانة به محرم بخلاف من اشتهر بين الناس بتعاطي الريب فنقابله بعكس ذلك.