لم تجد أوكرانيا ولا الدول الأوربية مفراً من التعامل الجاد مع الاقتراح الأساسى الذى قدمه الرئيس الأمريكى ترامب رغم اعتقادها أنه ينحاز للموقف الروسى. لكن الرفض العلنى للاقتراح لم يكن فى إمكان أوكرانيا أو الدول الأوروبية، ولهذا كان الالتفاف على الاقتراح هو المتاح، وكان اللقاء السريع بينها وبين الجانب الأمريكى فى جنيف للخروج باقتراح جديد بعد إجراء العديد من التعديلات على اقتراح ترامب الأساسى وحذف الكثير من المواد التى كانت تطلب من أوكرانيا التنازل عن مزيد من الأراضى لروسيا وتخفيض جيشها، والإقرار الرسمى بتعديل حدودها، والالتزام بعدم الانضمام لحلف الناتو أو استقبال قوات أجنبية على أراضيها!! واضح أن الاقتراح الأساسى لم يكن موضع اتفاق داخل الإدارة الأمريكية نفسها، أعضاء بارزون فى مجلس الشيوخ قالوا إن وزير الخارجية «روبيو» أبلغهم أن الاقتراح يمثل قائمة أمنيات روسية، ولهذا بدت واشنطون مستعدة للتراجع فى مباحثاتها مع أوكرانيا وأوروبا التى مازالت مستمرة للتوصل إلى صيغة نهائية لاقتراح مقبول داخل التحالف الغربى.. لكن ماذا عن موقف روسيا التى أيدت اقتراح ترامب الأول ورفضت ما نقل عن اقتراحات أوروبا المختلفة؟! بكل الحسابات.. فإن أى توافق بين الحلفاء الغربيين لابد أن يقوم على العناصر الأساسية فى الموقف الأمريكى. التفاؤل حول محادثات جنيف من جانب واشنطون يعنى أن الأمور تسير فى هذا الاتجاه مع صيغة أفضل وتنازلات أقل من جانب أوكرانيا وفى النهاية لن تستطيع أوروبا الاستمرار فى الحرب ضد روسيا بدون الدعم الأمريكى، وإدارة ترامب حسمت أمرها وهى تقول الآن إنها مجرد وسيط بين الجانبين، وأنها ستتوقف عن تقديم السلاح لأوكرانيا (الذى تدفع أوروبا ثمنه) إذا لم تستجب أوكرانيا وأوروبا لاقتراحاتها(!!).. أوروبا تدفع فى الأساس ثمن فشلها فى بناء قوتها المستقلة واعتمادها على الحليف الأمريكى. أوروبا (مع أوكرانيا) دفعت الثمن الأكبر فى هذه المواجهة التى استنزفت روسيا لكنها استنزفت أيضاً دول أوروبا التى ستكون مضطرة لإعادة النظر فى كل حساباتها إذا أرادت أن يكون لها موقع أفضل فى عالم تتشكل معالم قيادته الجديدة فى ظروف بالغة التعقيد. العالم يتغير، لكن الدرس القديم مستمر: كما فى كل الحروب السابقة والقادمة.. الضعفاء يدفعون الثمن !!