عرفنا أن حق التهمة الذاتية للذمة من الحقوق الإنسانية. عند وجود مظان التهمة. لتأمين معاملات الناس وحقوقهم. وذكرنا من مظاهر ذلك اشتراط العدد في الشهادة. واشتراط العدالة في الشاهد. ومن المظاهر الأخري التي تؤكد حق التهمة الذاتية للذمة لتأمين معاملات الناس وحقوقهم منع شهادة الفساق وأهل المحاباة. واعتبار الهدية رشوة في الظروف المشبوهة. ونوضح هذين المظهرين فيما يلي: "1" أما شهادة الفساق وأهل المحاباة فإن الشريعة الإسلامية تمنع شهادتهم. وتردها ولو كانوا عدولاً. كشهادة الوالد لولده. فقد وردت الأحاديث النبوية في ذلك. ومنها ما أخرجه ابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة. ولا محدود في الإسلام. ولا ذي غمر أي عداوة علي أخيه". وفي رواية عنه عن أبي داود أن رسول الله. صلي الله عليه وسلم. رد شهادة الخائن والخائنة. وذي الغمر علي أخيه. ورد شهادة القانع لأهل البيت. وأجازها لغيرهم.. قال أبوداود: والقانع: الأجير التابع مثل الأجير الخاص. يقول الصنعاني: والمراد بأخيه في الحديث: "ولا ذي غمر علي أخيه" أي المسلم المشهود عليه. وغير المسلم مثله لا يجوز أن يشهد ذو حق عليه. فإن ذا الحقد مظنة عدم صدق خبره. لمحبته انزال الضرر بمن يحقد عليه. والمسلم إذا لم يكن ذا حقد علي غير المسلم فإن شهادته تقبل عليه. وإن كان بينهما عداوة فلا تقبل شهادته. قال الترمذي: لم يجز أكثر أهل العلم شهادة الوالد للولد ولا الولد للوالد. وقال بعض أهل العلم: إذا كان عدلا فشهادة الوالد للولد جائزة. كما ذهب جمهور الفقهاء إلي عدم جواز شهادة أحد الزوجين للآخر. وخالف في هذا أكثر الشافعية. "2" وأما الهدية فإنها تكون في حكم الرشوة إذا كانت الهدية غير بريئة من التهم. مثل الإهداء لأصحاب الولايات أي المناصب الوظيفية بدون قرابة أو صداقة قديمة. لأن الإسلام يحرص علي براءة المعاملات دون توظيفها لأغراض غير مشروعة. فإذا كان الأصل هو استحباب التهادي بين الناس. لما يفضي إلي بث روح المودة بينهم. ولما أخرجه البخاري عن عائشة. رضي الله عنها قالت: كان رسول الله. صلي الله عليه وسلم. يقبل الهدية ويثيب عليها. وأخرج الطبراني برجال ثقات. عن عائشة. أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "تهادوا تحابوا". إذا كان هذا هو الأصل في التهادي إلا أنه إذا وقع بمناسبة تفضي إلي الريب كان حراماً إذ لا يمكن تجاهل التهم المسوغة. ومن هذا الباب ما نص عليه الفقهاء من تحريم قبول القاضي الهدية من الخصمين أو من أحدهما. أما من ليست له خصومة فإن كان ممن يهاديه قبل توليه القضاء كقريب أو صاحب فلا تحرم استدامتها. وإن كان لا يهدي إليه إلا بعد الولاية لم يجز له القبول إلا من ذوي الرحم المحرم. لأن في ردها منهم قطيعة محرمة. والحكمة من تحريم قبول القاضي الذي قبل منه الهدية كما تورت اغضاء المهدي إليه يعني يغض القاضي الهدية بمناسبة توليه القضاء أن الهدية تورث إدلال المهدي يعني يتدلل صاحب الهدية علي القاضي البصر عن الأخطاء والمساوئ لصاحب الهدية. مما يؤثر علي التجرد والنزاهة في القضاء بوجه ما. كما يؤثر علي تحري الالتزام بالحق في تصرفات المهدي لاستناده علي ولاء القاضي. وهذا التأثير المعتاد في الإهداء إلي القاضي وأمثاله من أصحاب الولايات يلحق تلك الهدية بالرشوة التي تعطي لإبطال حق أو إحقاق باطل. وقد اخرج ابن حبان عن أبي هريرة أن النبي. صلي الله عليه وسلم قال: "لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم". وبهذا يظهر إقرار الإسلام لحق التهمة الذاتية للذمة في حال وجود مظنة الاتهام. كشهادة الخادم لمخدومه. وتقديم الهدية لأصحاب الولايات بمناسبة ولايتهم. لتأمين معاملات الناس وحقوقهم.