إن واجب المسلم تجاه غيره أن يحسن الظن به, ولا يفترض فيه سوء النية أو الطوية, إذ قال الحق سبحانه: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم. وقال رسول الله ص: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث, وهذا النهي الوارد في الآية والحديث عن الظن السييء بالناس يقتضي حرمته, وإن من المفاسد التي لا توصل إلي خير هذا الشك والارتياب الذي يستشعره كل طرف حيال الآخر, فالفرض أن الجميع في زورق واحد, فإن ترك البعض ليفعل في نصيبه من الزورق ما يحلو له, هلك الجميع, وإن أخذ علي أيديهم, نجا الجميع, ولن ينهض هذا المجتمع إلا بكل سواعد من فيه, وإلا فإن ارتياب البعض من البعض علي النحو الذي نري نتائجه السيئة في الواقع, لا ينصلح به حال المجتمع, ولن يتحقق لأفراده التغيير الذي ينشدونه, وقد كان هناك شبه اتفاق بين جميع فئات المجتمع علي أن تترك للحاكم فرصة لينهض بالمجتمع, ويقيمه من كبوته وينتشله من الهوة السحيقة التي رداه فيها عهد سابق مظلم كل الإظلام, ذاق الناس فيه إلا المقربين من الحاكم كل ألوان الفقر والجوع والضياع والتشرد, ومما لا يمتري فيه عاقل أن من تولي الحكم بعد الثورة ورث تركة مثقلة بأوجاع المجتمع, وما ترك له فرصة لإزالتها, فاتهم باتهامات عدة, بغية تبغيض الناس فيه وفي إدارته, وفي ظل هذا الجو المليء بالتشكيك الذي بلغ حد التطاول عليه وعلي المسئولين في حكومته, لا يمكن أن تقوم لهذه الدولة قائمة, فماذا ينتظر المغرضون الذين ملأوا الحياة شكا وتشكيكا, إلا أن ينفرط عقد المجتمع ويدخل أفراده في حرب أهلية, ليتحقق مخطط المفسدين, وتعود الحال إلي ما كانت عليها قبل الثورة, وفي هذه الفترة الحرجة التي تمر بها مصر قائدة العالم الإسلامي والعربي والإقليمي أخاطب الجميع بقول الله تعالي: أليس منكم رجل رشيد, اتقوا الله في هذا البلد, وليعمل الجميع بروح الفريق, فإن مصر التي أعزها الله تعالي بذكرها في كتابه مرات عدة, ووصفها بكثرة الخير والنعم والأمن, تطلب من الجميع أن يتحقق لها ما أراد الله سبحانه, لا أن تكون خرابا ينعق فيها البوم, ألا فليراجع كل منا موقفه من غيره, وأن يترك للحاكم فرصة إنقاذ المجتمع من الكبوة التي تردي فيها, وأن يعملوا وينتجوا لخير هذا البلد, وإشباع حاجات أهله, وليأخذوا العبر من البلاد التي سيطرت الخلافات بين أفرادها, فمازالت تصطلي بأتون هذه الخلافات, وتقدم ضحايا لها كل يوم, وقد حرمت من الاستقرار والأمن, فليسأل كل منا نفسه: هل يريد أن تكون مصر نسخة من هذه البلاد التي حزبتها الخلافات, وقطعت أوصالها المنازعات, وصار أفرادها فرائس للصراعات, فإذا كانت الإجابة بالنفي, فينبغي أن ندع سياسة الدولة لمن نيطت به, ولا يتصور البعض أن ما يقوم به من شك وتشكيك في البعض يفضي إلي خير, بل الكراهية للمشكك والمشكك فيه, فلنحسن الظن ببعضنا, وواجبنا أن نأخذ علي يد من يريد تقويض بنيان المجتمع حتي يكف, لتكون النجاة لنا جميعا, وليعلم الجميع أن من يفسد بالقول أو الفعل محارب لله ورسوله, يجد كل منا ذلك في قوله تعالي: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا.., فليربأ كل منا بنفسه عن أن يكون مفسدا محاربا لله تعالي ورسوله.