أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فتح ملف سباق التسلح النووى مجددا خلال حديث صحفى أجرى معه أخيرا فى البيت الأبيض. وأشار صراحة إلى أن بلاده سترفع من كفاءة قدراتها النووية ليس فى مواجهة روسيا فقط وإنما لتتفوق على العالم بأسره. كان ترامب، قد أعرب عن رغبته فى جعل بلاده «الأكثر تفوقا» من حيث امتلاك القوة النووية فى العالم وذلك فى تصريح هو الأول من نوعه منذ توليه مهام منصبه. وأضاف ترامب أنه يرغب فى رؤية عالم خال من الأسلحة النووية، لكن «بلاده أصبحت متأخرة» فى مجال امتلاك السلاح النووى، مقارنة بالدول النووية الأخرى فى العالم. مشددا على أن الولاياتالمتحدة «لن تسمح» بأن تكون خلف أى دولة فى العالم، من حيث القدرة النووية، حتى ولو كانت من الدول الصديقة أو الحليفة لها!. ولكن لم تكن تصريحات الرئيس الأمريكى بالأمر الجديد بل كانت متوقعة منذ شهور وحتى قبل حفل تنصيبه الرسمى كرئيس للبلاد فى يناير 2017. فبحلول نهاية عام 2016 قال الرئيس الأمريكى المنتخب فى مقابلة مع قناة «إم اس ان بي إس» التليفزيونية: «ليكن هناك سباق تسلح» ولم يكتف بذلك بل وأكد أن »سنتفوق عليهم وسوف ننجو«. وكان ترامب قد أثار قلق خبراء نزع السلاح النووى قبل تنصيبه الرسمى بتغريدة على موقع التواصل الاجتماعى (تويتر) يقول فيها إن «على الولاياتالمتحدة أن تعزز قدراتها النووية إلى أن يعود العالم إلى رشده بخصوص السلاح النووى». وساعتها لم يتضح السبب الذى دعا ترامب إلى كتابة التغريدة ولكنها جاءت متزامنة مع تصريح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إنه يتعين على روسيا أن تعزز قدراتها النووية. وقد رد بوتين وقتها عبر مؤتمر صحفي قال فيه إنه لا يرى تصريح ترامب خارج السياق وإنه لا يرى فى أمريكا «بلدا معتديا». وقتها تدخل المتحدث باسم ترامب قائلا إنه : «لن يكون هناك سباق تسلح» لأن ترامب سيعمل على إقناع الدول التى ترغب بتعزيز قدراتها النووية كروسياوالصين بالعدول عن ذلك، وما سيحدث أن تلك الدول «ستعود إلى رشدها ولن يكون هناك مبرر لسباق التلسح». ولكن ولأن ملف التسلح والردع النووى له وضع إستراتيجى فى الدول الكبرى فإن ما يحدث على أرض الواقع يتنافى فى كثير من الأحيان مع التصريحات الدعائية الإعلامية. فقبل تصريحات ترامب عام 2016 بشأن إعادة «سباق التسلح النووى» وفى شهر أكتوبر 2016 كانت روسيا قد فطنت إلى الأمر عقب فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية ووقتها أقدمت روسيا من جانب واحد على اتخاذ قرار بتعليق العمل باتفاق مع الولاياتالمتحدة ينص على التخلص من فائض البلوتونيوم الجاهز لديها لصناعة الأسلحة النووية. وتم تفسير هذا القرار وقت اتخاذه بأنه يعد إشارة إلى تردى العلاقات بين البلدين وركز المحللون على العلاقات بين الرئيسين الأمريكى السابق باراك أوباما (ولم يكن قد خرج من البيت الأبيض بعد) ونظيره الروسى بوتين. ولكن فيما يتعلق بالملف النووى فإن القرارات دائما ما تكون ذات أبعاد إستراتيجية ومبنية على تقديرات متوسطة وبعيدة المدى. ولهذا تناقلت وسائل الإعلام العالمية ما جاء فى المرسوم الذى أصدره الرئيس، فلاديمير بوتين، من أن الولاياتالمتحدة «تشكل تهديدا استراتيجيا للاستقرار، بسبب تصرفاتها المناوئة لروسيا». وساعتها وضعت موسكو شروطا مسبقة للولايات المتحدة إذا رغبت في استئناف العمل بالاتفاق. وينص الاتفاق، الذى وقعه الطرفان عام 2000، على أن تلتزم كل دولة بالتخلص من 34 طنا من البلوتونيوم بحرقه فى المفاعلات، كجزء من جهود التقليل من القوة النووية. وتقول وزارة الخارجية الأمريكية إن ال 68 طنا (34 طنا من روسيا و34 طنا من أمريكا) من البلوتونيوم «تكفى لصناعة 17 ألف سلاح نووى». وقد اتفقت الدولتان على تجديد الاتفاق عام 2010. وقال بوتين إن روسيا اضطرت «لاتخاذ تدابير عاجلة للدفاع عن أمن روسيا». وكان بوتين قد صرح منذ شهور سابقة على القرار بأن الولاياتالمتحدة لم تلتزم بواجباتها بتدمير البلوتونيوم، وأضاف أن أساليب إعادة معالجة البلوتونيوم فى الولاياتالمتحدة تسمح باستخراجه واستعماله مرة أخرى فى صناعة الأسلحة النووية. وكان الطرفان قد اتفقا على بناء منشآت خاصة للتخلص من فائض البلوتونيوم. ووقتها راوغت الولاياتالمتحدة بنفى هذه الاتهامات، وقالت إن طريقة التخلص من البلوتونيوم التى تنتهجها لا تنتهك بنود الاتفاق. وقد عرض بوتين جملة من الشروط المسبقة للولايات المتحدة إذا رغبت فى استئناف العمل بالاتفاق من بينها: تخفيض عدد الجنود والتجهيزات العسكرية فى الدول التى انضمت إلى حلف شمال الأطلنطى(ناتو) بعد سبتمبر 2000، ورفع جميع العقوبات عن روسيا، وتعويض الضرر الذى تسببت فيه العقوبات. وتجدر الإشارة إلى أن الولاياتالمتحدة تمتلك 6800 رأس نووى مقارنة بروسيا التى تمتلك 7 آلاف رأس وفق إحصائيات صادرة عن منظمات مكافحة انتشار الأسلحة النووية فى العالم. وتلزمهما معاهدة «نيو ستارت» للحد من السلاح النووى بالحد من ترسانتيهما النوويتين للوصول إلى مستويات متساوية بحلول فبراير عام 2018. وهكذا يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة تتجه إلى فتح ملفات سباق التسلح النووى من جديد ولكنه فى هذه المرة سيكون سباقا أكبر من سابقه. فالمشاركة فى السباق الجديد ستشمل لاعبين جددا غير روسيا وفى مقدمتهم تأتى الصين وكوريا الشمالية على وجه التحديد.