فى البيوت الكثير من الأسرار المجهولة.. وفى بعض الأحيان يقرر الزوجان أن يهاجر كل منهما إلى نفسه، مسافات طويلة وتفاصيل أطول تفصلهما عن بعض.. السفر شاق، والسفر هنا يعنى الهروب، بعدما وجدا أنفسهما فى لحظة ما يقفان على الجسر المعلق بين الحياة والموت ويفقدان اليقين بوجود الحب والسعادة الزوجية، فيصلان إلى صمت المشاعر ويعيشان الغد على فائض الأمس، حتى يصلا إلى ما يسمى الطلاق الصامت، حيث يعيش الزوجان فى بيت واحد ولكن كل منهما ليس له علاقة بالآخر، فيتظاهران خارج المنزل وأمام أقاربهما أنهما يعيشان فى قمة السعادة، وما أن يعودا إلى منزلهما حتى يسدلا الستار على سعادتهما المصطنعة ويعودا أغراب فيستقل كل منهما غرفته غير مبالى بالطرف الآخر.. فهم فى الواقع مطلقان، ولكنهما لم يطلقا على الورق أمام مأذون، إلا أنها طلقا عاطفيا. وهذا ما يسمى «الطلاق الصامت». .......................................... فالطلاق الصامت هو أن تتقطع كل أوصال المحبة بين الزوجين، وتتلاشى كلمات الحب المعسولة، وتتبدل المودة والرحمة بالجفاء والقسوة، وتتحول نظرات الشغف والعشق لنظرات عتاب وآلم، ويفتقد الحديث المدح ويقتصر على الذم والنقد الدائم، فتتسع الفجوة بينهما إلى حد يجعل التفاهم أشبه بالمستحيل ويصبح الصمت ملجأهما تجنبا للمشاكل والمناقشات السلبية.. ومن هنا يصبح الزوجان تدريجيا من زوجين يجمعهما سقف واحد لكنهما منعزلان، كأنهما جيران ينزلان فى بنسيون، فتكون الأسرة على وشك الانهيار. ولكن تبقى بعض المسئوليات، وعلى رأسها الأبناء، فيتخوف الطرفان من فكرة الذنب وتأنيب الضمير إذا حرم أطفالهما من أحد الوالدين أو لم يستطع أحدهما بمفردة توفير الدفء والحياة الكريمة لهم، فيعدل الزوجان عن طلاق الرسمى ويكتفيان ب «الطلاق الصامت». وعن أسباب وصول الزوجين للطلاق الصامت، تقول د. إيمان فوزي،استشارى العلوم الاجتماعية والخبيرة فى العلاقات الأسرية: أن حالات الطلاق الصامت تختلف من حالة لأخري، فمنها ما يتم بالإتفاق بين الزوجين، ويلجآن له تجنبا للمشاكل والمحاكم والإهانات، خاصة بعدما أصبح الانفصال الرسمى المحترم أمرا نادرا فى مجتمعنا، وهناك حالات أخرى تجد نفسها تدريجيا وصلت له نتيجة الظروف التى واجهوها، فربما يكون أحد الطرفين قد تعرض للخيانة او الإهانة ولم يستطع تجاوز الأمر فأصبحا أمام الناس متزوجين ولكنهما فى الحقيقة منفصلان، كما أنه من بين الحالات التى فى الغالب تؤدى إلى الطلاق الصامت هو سفر الزوج حتى وإن كان باتفاق مسبق بينهما، وإن كانت الزوجة مقدرة أنه سافر بحثا عن الرزق إلا أن النتيجة تكون تأقلم الزوج على عدم وجود الزوجة فى حياته وانعدام دورها، وهى أيضا تأقلمت على عدم وجوده مما يولد شعور بالغربة بينهما. وتؤكد د. إيمان، أن الأبوين يلجأن للطلاق الصامت خوفا على الأطفال من الطلاق الرسمى ولكنهما لا يعلمان أن الطلاق الصامت له آثار سلبية عديدة على أطفالهم لكونهم يروون فى والديهما نموذجا سيئا على فشل الزواج، فالإفضل لهم هو الطلاق ولكن باحترام دون إهانات ومشاكل متبادلة بين الطرفين، بل يستمر كلا منهما فى القيام بواجباته، ولا يعود الأثر السلبى على الأطفال فقط بل يؤثر على نفسية الزوجين بشكل كبير، وخاصة الزوجة، التى فى الغالب تحاول تجاوز كل ما تواجهه من مشاكل، من تعدد العلاقات النسائية للزوج أو إهانته لها أمام الناس او التقصير فى الإنفاق او ممارسته الضغط النفسى عليها وتحاول إقناع نفسها أن كل الزوجات يواجهن نفس المشكلات حتى يمكنها الاستكمال فى الحياة الزوجية، حتى تصبح كالقنبلة الموقوتة فتجد نفسها هى من تطالب بالطلاق وتسعى له بشتى الطرق وإن وصل الأمر للمطالبة بالخلع، ولكنها ربما تحت ضغوط الأبناء وتجنبا لما قد تواجهه فى المحاكم فتضطر للقبول بالطلاق الصامت، ولكن هذا لا يعد حلا بل زيادة من العبء عليها فترى أنها أهدرت سنوات عمرها من أجل إرضاء الزوج والأبناء فربما ينتهى المطاف بها للأكتئاب النفسي، مشيرة إلى أن الجانب الإيجابى للطلاق الصامت يقتصر على كونه يترك باب المحاولة للزوجين لإذابة كل ما بينهما من مشاكل وأزمات، ولكن الأمر يعتمد على الطرفين، فلابد وأن يسعى الطرفين لإستعادة الحب بينهما، ولكن للأسف نجد فى الغالب أن أحد الطرفين إيجابى جدا ويسعى لتجديد التواصل بينما يكون الطرف الآخر سلبى ويحطم كل المحاولات فتتسع الفجوة أكثر.