يتناول التاريخ أحداث الماضي، ومن ثم يتيح للناس الحكم على المستقبل، وأسرد فيما يلى مجموعة من الدروس المستفادة التى تم استخلاصها من وقائع الأحداث التى تمت على مدى السنوات الست الماضية: - عندما أعلن الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما يوم 25 مارس 2009 أن الوضع الفلسطينى الراهن لا يمكن أن يستمر، وأن واشنطن جادة فى العمل على حل الدولتين «رضيت إسرائيل أم لم ترض»، انتابنى شعور جارف بأن الرئيس الأمريكى الجديد وقتها قد انضم إلى قائمة الرؤساء السابقين ايزنهاور، وكارتر، وبوش الأب الذين واءموا بين أمن الولاياتالمتحدة القومى والعالم بإعلانه فى أول لقاء له مع بنيامين نيتانياهو رئيس وزراء إسرائيل بالبيت الأبيض يوم 18 مايو 2009 أن حل الدولتين سوف يصب فى التحليل النهائى فى خانة المصلحة القومية للولايات المتحدة والعالم بضرورة وقف الاستيطان فى إطار خريطة الطريق، وعندما شعر نيتانياهو بجدية الرئيس الأمريكى بعد خطابه التاريخى من جامعة القاهرة يوم 4 يونيو 2009، صرح بعدها بعشرة أيام وتحديدا يوم 14 يونيو «بقبوله» دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بيهودية الدولة، وقد رسخت هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية هذا المفهوم فى 22 مارس 2010 أمام المؤتمر السنوى لأخطر لوبى يهودى فى أمريكا «ايباك»، وفى وجود نيتانياهو بواشنطن قالت فى محاولة لرأب الصدع أن قرارات البناء الإسرائيلية فى القدسالشرقية والضفة الغربية تضر بمناخ الثقة وتقوض جهود السلام والحوار ودور الوساطة الذى تقوم به الولاياتالمتحدة، ودعت إسرائيل إلى اتخاذ قرارات صعبة من أجل السلام.. وها نحن بعد ثمانى سنوات متصلة 2009 2017، نفاجأ بأن النزاع العربى الإسرائيلى استقر مرة أخرى فى المربع رقم (1) من خلال سلسلة من التصريحات المستفزة التى أدلى بها نيتانياهو بأنه لا عودة للجولان إلى سوريا، وأنه حان الوقت للبحث عن صيغة جديدة للسلام من خلال توطين اللاجئين الفلسطينيين بسيناء، الأمر الذى أعطى الانطباع بأن هناك طبخة مطورة لسايكس بيكو جديدة، والتى قوبلت بسلسلة من ردود الأفعال المدروسة محليا وإقليميا ودوليا يمكن بلورتها فيما يلي: (محليا): من ثوابت المخطط الإرهابى تنفيذ سلسلة من العمليات الإرهابية فى توقيت متزامن وعلى فترات محسوبة فى أماكن متفرقة تولد الانطباع لدى الكل بأن التحديات أكبر من قدرة المؤسسات كما حدث خلال الأسبوع الأول من فبراير 2017 للتأثير على القيادة السياسية والسلطات المحلية، وعندما يكتشف أهل الشر أن ردود الأفعال التى توقعوها لم تحدث يصابون بحالة من الإحباط تدفعهم إلى استخدام الورقة الأخيرة لديهم باعتدائهم على الإخوة الأقباط دون أن يتنبهوا إلى أن الشعب هو الفيصل. (إقليميا): فى الثلاثاء 14 فبراير 2017 تحركت مصر لاستعادة دورها العربي، مقرونة برفع درجة الاستعداد القتالى لحماية الأمن القومى على جميع المحاور، من خلال زيارة الرئيس اللبنانى والإعلان عن التدخل لحل المشكلة السورية، والاتفاق مع العراق على إمداد مصر بمليون برميل نفط شهريا اعتبارا من مارس 2017، والاشتراك فى خطة إنقاذ ليبيا عن طريق توافق سياسي، وحسم الجدل بإعلان الرئيس المصرى وملك الأردن بأنه لا تنازل عن حل للدولتين. (دوليا): الرئيس يعزز مكانة مصر الإفريقية يوم 19 فبراير 2017 فى نيروبى، ثم إجراء تنسيق مصرى أمريكى لمواجهة التحديات الدولية والإقليمية من خلال اجتماع رئيس مصر مع وفد من معهد الشرق الأوسط الأمريكى بواشنطن يوم 2 فبراير 2017، وصولا إلى حماية كيان الدولة الوطنية وإيجاد تسوية سياسية لأزمات الشرق الأوسط بتنسيق تكميلى مع وزير الخارجية البريطاني. تصريح المستشارة الألمانية انجيلا ميركل يوم السبت 25 فبراير 2017 بأن مصر محور الاستقرار فى الشرق الأوسط، وأنها سوف تتباحث مع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أثناء زيارتها للقاهرة يوم الخميس الموافق 2 مارس 2017 على العمل لإقرار حل للدولتين. توقع زيارات روسية رسمية مكثفة للقاهرة فى مارس 2017 فى إطار دعم وتطوير العلاقات بين البلدين. ذروة التنسيق الدولى ستتحقق باجتماع القمة الذى سيجمع بين الرئيسين عبدالفتاح السيسى ودونالد ترامب فى فى أثناء زيارته الرسمية للولايات المتحدة فى مارس الحالي، وهى زيارة محورية بكل المقاييس، يجب أن يكون حكم التاريخ فى نهايتها لمصلحتنا، فتحديات المستقبل عديدة وخطيرة، وأرى التركيز خلال الزيارة على النقاط الآتية: - من المؤكد أن العالم سيصبح بحلول 2025 متعدد الأقطاب، وسيكون لكل قطب فيه أجندته الخاصة التى تحقق مصالحه القومية فى إطار توازن المصالح بدلا من توازن القوي. - يجب أن تتحمل الولاياتالمتحدة معاناة دول الشرق الأوسط من خطتى «الفوضى الخلاقة» و«الشرق الأوسط الكبير». - اقتراح بعقد اجتماع فى كامب ديفيد يدعى إليه وفد إسرائيلى وآخر فلسطينى على نمط ما فعله الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر مع مصر وإسرائيل عام 1978، باعتبار أن المدخل السليم لتحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط يكمن فى حل المشكلة الفلسطينية كأسبقية ضاغطة باعتبارها المدخل الصحيح لباقى المشكلات طبقا لنظرية «الدومينو». - إعادة النظر فى اتفاقية السلام مع إسرائيل بتعديل المادة الرابعة المتعلقة بالأمن فى سيناء، ولا بأس من أخذ رأى الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر الذى وقع المعاهدة عام 1979. - بحث تطوير اتفاق المشاركة الاستراتيجية بين مصر والولاياتالمتحدة إلى الأفضل والأرحب كما فعلت إسرائيل مع الرئيس الأمريكى رونالد ريجان عام 1983. وهكذا تستطيع مصر وأمريكا فتح آفاق جديدة للتعاون المشترك!. اللواء د. إبراهيم شكيب