بعد أسبوعين من تسلمه زمام الأمور في البلاد مازال الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» هو رجل المفاجآت وصاحب القرارات السريعة الحاسمة وأيضا «ساكن البيت الأبيض» الذي أربك ويربك صناع القرار في واشنطن وفي عواصم العالم. ولا شك أن أغلب المحاولات التي تمت من أجل متابعة ورصد أدائه وأداء الفريق المصغر المقرب منه أصابها التخبط والتخوف والقلق بشكل عام ليس فقط بما تم إقراره والسير فيه قدما بل بما قد تحمله الأيام من نتائج وتبعات من جراء القرارات التي تتسارع ادارة ترامب في اتخاذها.وهناك أيضا تحفظ وتردد تجاه آليات اتخاذ القرار التي تبنتها الادارة وهى تسعى لتطويع واشنطن وتغييرها (كما تقول على لسان المتحدثين بها) من أجل تحقيق مطالب الجماهير الأمريكية والوعود التي رددها ترامب خلال حملته الانتخابية التي أوصلته الى البيت الأبيض. ادارة ترامب في الأيام الأخيرة أعلنت أكثر من موقف مثير للجدل داخل أمريكا وخارجها. لعل أبرزها وعيد الادارة الأمريكية لطهران بالرد على تصرفات ايران ومحاولاتها في زعزعة استقرار المنطقة. كما تكرر الحديث عن مراجعة شاملة لاستراتيجية التعامل مع ايران والمنطقة. وأثير هذا الحديث وسط تقارير تشير الى تصعيد وتكثيف جديد للانخراط العسكري الأمريكي في مواجهة داعش وتحديدا في الرقة. بالاضافة الى ما تم قصفه في اليمن وما تردد مؤخرا من اعادة تقييم خطط مواجهة الارهاب في المنطقة. ما صدر من انتقاد أو عتاب من الادارة بخصوص المستوطنات الاسرائيلية أثار بلا شك علامات استفهام وتعجب حول الموقف الحقيقي للادارة خصوصا أن المرشح لشغل منصب سفير أمريكا الجديد لدى اسرائيل مدافع شرس ومستميت لمبدأ المستوطنات. ومع الاعلان عن زيارة بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل لواشنطن يوم 15 من الشهر الجاري ربما تتضح الأمور أكثر فيما يخص العلاقة المتميزة بين أمريكا واسرائيل في عهد الرئيس الحالي ترامب. وأبرز التعيينات التي تمت في الأيام الأخيرة بخصوص ملفات الشرق الأوسط كان الاعلان عن تعيين «ديريك هارفي» و «جويل رايبرن» في مجلس الأمن القومي للاشراف على ملفات الشرق الأوسط وقضايا التعامل معها. وكلاهما لهما خبرة عسكرية وتجربة في مواجهة الارهاب. ويجب التذكير أن ترامب في اختياراته لكبار مستشاريه في مجلس الأمن القومي فضل (وبشكل غير معتاد أمريكيا في العقود الأخيرة تحديدا) العسكريين ومن لهم خبرة عسكرية ومواقف متشددة تجاه الارهاب والارهابيين. ومن ثم أثير السؤال الأكبر: ما هو دور الدبلوماسية في عهد ترامب وحجم انخراطها في صنع القرار الأمريكي وأساليب التعامل مع قضايا وأزمات العالم. كما تأكد خلال الأسبوعين الأولين من عهد ترامب. أن الرئيس الأمريكي يعتمد وبشكل خاص ومميز على الجنرال مايكل فلين مستشاره للأمن القومي في قراءة أحداث العالم وأزماتها.كما أن مستشاره الاستراتيجي «ستيف بينون» يعد العقل المدبر والمتحكم في آليات صنع القرار في البيت الأبيض. ولذلك لم تتردد أوساط عديدة من أهل واشنطن في وصف بينون بانه الرجل الثاني الأقوى نفوذا وتأثيرا في توجيه دفة الأمور في واشنطن. وبما أن واشنطن اعتادت أن تتابع وتترقب وتراقب صراع النفوذ والسلطات في عاصمة القرار لم يتردد أهلها في الاشارة الى بعض المواجهات المنتظرة والصدامات المتوقعة .. والتصدعات التي بدأت تتشكل وتتغلل داخل أركان الادارة. مثل هذه المواجهات ستتبلور أكثر فأكثر في الايام المقبلة. وخاصة أن ادارة ترامب حتى اذا لم تذهب بعد سكرة انتصارها وهيمنتها على واشنطن فان عليها أن تعيش مرحلة «وجاءت الفكرة» بما لها وعليها من تبعات ونتائج. منذ أيام حرصت صحيفة «وول ستريت جورنال» في وصف ما يحدث في العاصمة الأمريكية بأن واشنطن تلهث من أجل اللحاق بما يحسمه ويقرره الرئيس ترامب. وبالتأكيد فإن توالي صدمات ترامب خلق أجواء ارتباك وحيرة لدى أوساط سياسية واقتصادية عديدة في أمريكا. وبالطبع فإن أبرز مثال لهذه الحالة هو الاعلان الخاص بمنع مواطني دول بعينها من دخول أمريكا. تفاصيل ملفات هذه القضية تكشف عن خفايا وخبايا صراعات دارت وستدور في المرحلة المقبلة داخل دوائر صنع القرار الأمريكي. كما ان اختيار ترامب لكبار مستشاريه تحديدا المقربين منه ظل وسيظل موضع تساؤل وتعجب.. ومثيرا للقيل والقال. وذلك بسبب مواقفهم المتشددة من قبل وقلة خبرتهم في العمل العام والحكومي. وأيضا بسبب ما قيل وتردد وسط أجواء واشنطن عن اصرار «رجال ترامب» على عدم التعامل (كما كانت العادة المتبعة) مع عنصري المساءلة والمحاسبة ووسائل الاعلام. ويبقي السؤال الهام كيف سيتعامل الحزب الجمهوري بمؤسساته وكوادره التقليدية والمتغلغلة في الحياة الأمريكية مع الادارة في تحديد أجندة الأولويات في الأيام والأسابيع المقبلة. وليس بالأمر الغريب أن يعرب المواطنون المتحمسون لترامب والأطراف التي وقفت معه عن رضاهم بترامب لأنه فعل ما وعد به وينفذ ما تعهد به. ولا شك أن «اليمين المسيحي المتشدد» الذي وقف بقوة مع ترامب وحرص على الدفع بمايك بنس ليشغل منصب نائب الرئيس سوف يجاهد في الفترة المقبلة من أجل صياغة أجندة الأولويات حسب تواجهاته وخياراته. واشنطن القرار والتوجه في عهد الرئيس ترامب يتم تشكيلها وتحديد مسارها واختيار أجندتها هذه الأيام. ولا أحد يستطيع أن يحدد مسبقا بما ستأتي به رياح ترامب..