تكلفة إغلاق الحكومة الفيدرالية لأيام أو حتى لأسابيع عديدة تبدو قليلة مقارنة بالدمار الذى أصاب مصداقية واشنطن «واشنطن بوست»: كيف يبرر الجمهوريون ونحن فى زمن حرب تسريح عدد ضخم من العاملين بالاستخبارات؟ لم يحدث أى تغيير فى المواجهة التى تعيشها واشنطن منذ أيام. ولم يقدم الطرفان على أى تراجع أو تنازل يمكن أن يسهم فى «حلحلة» الأزمة، أو إخراج الإدارة من المأزق الذى تعيش فيه بسبب عدم إقرار الميزانية، ومن ثم بدء تسيير عجلة الدولة بشكلها المعتاد. ولم يتوقف الحديث عن «تعطل» جهات حكومية عديدة من القيام بمهامها أو تأثرها بما حدث. ومنها ما يخص الأبحاث العلمية واختبارات سلامة الغذاء ونشاطات استخباراتية. وتزداد قائمة المتضررين طولا يوما بعد يوم. وبالطبع لا يزال يصر البعض على أن أوباما «عليه أن يظهر بعض اللين والمرونة» فى اجتياز «الشلل السياسى» إلا أن البعض الآخر يقول ويردد -بلا تردد- إن المطلوب هو أن يتراجع المتشددون فى مجلس النواب عن عنادهم، وإن ما يحدث «كارثة» لأمريكا ومكانتها وقدرتها على إدارة شؤونها والتعامل مع شؤون العالم. ومساء أول من أمس الأربعاء توجهت الأنظار إلى البيت الأبيض، حيث دعا الرئيس أوباما قيادات الكونجرس فى كلا المجلسين «النواب والشيوخ» إلى اجتماع فى محاولة لتفكيك الأزمة وإيجاد حل لها. ولكن لم تحدث الانفراجة وانطلقت شبكات التليفزيون من جديد فى تحليل وتفسير الأزمة وتوبيخ وانتقاد طرفى المواجهة التى يدفع ثمنها الشعب الأمريكى حسب قولهم. وقد أعلن البيت الأبيض صباح يوم الأربعاء أن الرئيس الأمريكى فى جولته الآسيوية المرتقبة خلال الأسبوع القادم سيزور فقط إندونيسيا وبروناى، وأنه لن يزور الفلبين وماليزيا كما كان مقررا من قبل، وذلك بسبب الغلق الحكومى. وهذا التغيير فى جولة الرئيس بالتأكيد له تبعاته السياسية والاستراتيجية على سياسة واشنطن تجاه آسيا. وكانت إدارة أوباما حريصة منذ فترة على بيان توجهها الآسيوى وإعطائه الأولوية فى الاستراتيجية الأمريكية وتعاملها مع العالم الخارجى. وحرصت مارى هارف نائبة المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية على تنبيه الصحفيين بتبعات الانسداد السياسى والغلق الحكومى الذى تشهده واشنطن. وذكرت فى الإيجاز اليومى للخارجية أنه فى غياب إقرار الميزانية للعام المالى 2014 لا توجد أموال مخصصة من أجل المساعدات العسكرية لدول أخرى وبرامج التدريب العسكرى وعمليات حفظ السلام. وقالت هارف كمثال إن تقديم المساعدات الأمنية لإسرائيل فى العام المالى سوف يتأخر حتى يتم إقرار المخصصات المالية لها. كما أن أسئلة عديدة طرحت حول هذا الأمر تحديدا، وفى ما يخص مصر وباكستان وأفغانستان وكلها لديها «تعهدات مالية وعسكرية» من جانب أمريكا يخص أمن المنطقة ومكافحة الإرهاب، إلا أن المتحدثة باسم الخارجية اكتفت بما ذكرته بشكل عام، وإن ذكرت بأنها ستحاول أن تجيب عن الأسئلة المطروحة بشكل أكبر ومعلومات أكثر فى الأيام المقبلة. الأمن القومى الأمريكى بشكل عام فى خطر. هذا هو ما تم التشديد عليه بالأمس وأول من أمس نتيجة عدم إقرار الميزانية وتسريح كثير من العاملين فى جهات حكومية حساسة. صحيفة «واشنطن بوست» فى افتتاحية لها بالأمس تساءلت باستنكار: «كيف بمكن أن يبرر الحمهوريون (ونحن فى زمن حرب) تسريح عدد ضخم من القوى العاملة بالاستخبارات؟». وأشارت إلى أمن السفارات ومكافحة الإرهاب ومواجهة القاعدة. كانت السناتور دايان فاينستاين رئيسة لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ «ديمقراطية من ولاية كاليفورنيا» قد ذكرت يوم الثلاثاء أن 72 فى المئة من العاملين المدنيين بالاستخبارات كيف يمكن أن يبرر الجمهوريون «ونحن فى زمن حرب» تسريح عدد ضخم من القوى العاملة بالاستخبارات الأمريكية قد يتم تسريحهم بسبب الغلق الحكومى الذى بدأ مع بداية الشهر. ما قالته القيادية البارزة رغم توجهها السياسى ينذر ويحذر من خطورة الموقف وفى هذا يتفق معها خبراء الأمن القومى من الجمهوريين أيضا خصوصا أنهم يرون أن مجلس النواب وعدم استعداده لتقديم التنازلات يعد «مقامرة سياسية» و«استهتارا لا داعى له» سيدفع ثمنه غاليا الأمن القومى. ووسط هذه الأجواء المشحونة بالمواجهة السياسية والانتقادات الحادة حرص بعض أعضاء الكونجرس ومنهم جون بينر رئيس مجلس النواب أن يصرحوا علنا بتنازلهم عن مرتباتهم خلال أيام الغلق. وهم فى هذا يحاولون «تجميل وجههم القبيح ربما» وذلك لكى يظهروا إيمانهم الراسخ واقتناعهم الكامل بما يفعلونه وربما أيضا لكى يظهروا تعاطفهم مع من يدفعون ثمن الغلق الحكومى. وقد اقترب عدد أعضاء الكونجرس الذين «اتخذوا هذه الخطوة» من مئة عضو. ولا شك أن واشنطن ووسائل الإعلام الأمريكية مهتمة بمتابعة العالم ل«الغلق الحكومى» و«الإفلاس المحتمل والمنتظر» فى واشنطن. وقالت الكاتبة السياسية آن أبلبوم فى مقال لها ب«واشنطن بوست» تحت عنوان «العالم يتابع»: «إن الأمريكيين يدفعون ثمنا غاليا بسبب أحداث هذا الأسبوع. وإن تكلفة غلق الحكومة الفيدرالية لأيام أو حتى لأسابيع عديدة تبدو قليلة مقارنة بالدمار الذى أصاب مصداقية الولاياتالمتحدة فى الخارج. ولمصداقية الديمقراطية ذاتها». آبلبوم فى مقالها تتساءل وتذكر أيضا: «كيف يمكن أن كثيرا من الأمريكيين ومنهم من تم انتخابهم فى الكونجرس لم يعد يفهمون هذا المبدأ. وهو أمر أساسى لنظامنا السياسى وأمر حيوى لأداء الديمقراطيات؟ وأنا أعيد ذكره: أن الديمقراطية لم يتم صياغتها لكى تعكس رأى الأغلبية. لقد تم تصميمها بحيث تقوم بفلترة رأى الأغلبية من خلال مؤسسات شرعية ومن ثم ترجمته من خلال آليات تم الاتفاق عليها إلى سياسة»، والكاتبة السياسية فى تذكيرها هذا تتمسك بالنصيحة القائلة «التكرار يعلم الشطار وأيضا ال...». حتى لو كان الأمر أمريكيا. انشغال الإدارة والكونجرس بهذا الانسداد السياسى بلا شك له تبعات على آليات القرار الأمريكى فى كل الأمور سواء فى الداخل أو الخارج. إذا كانت أمريكا «محتاسة» مع نفسها فماذا عن «تدخلها» أو «انخراطها» أو «تخبطها» فى ما يخص العالم والمنطقة بحلفائها وأعدائها. من هنا تأتى أهمية متابعة تطورات الموقف السياسى والمحاولات التى تبذل فى «مطبخ واشنطن» من أجل إيجاد حل توافقى أو مشترك للخروج من الانسداد السياسى والمالى والديمقراطى الذى أصاب واشنطن. والبعض يتساءل ماذا يقول العالم عنا؟ أو بالتعبير الدارج «خليتو العالم يضحك علينا». ولا شك أن الأمر لم يعد أمريكيا فقط بل له آثار وتبعات وعواقب دولية.. لذا لزم التنويه والتنبيه!!