الكونجرس تشدَّد فى رفض الميزانية.. والجمهوريون يصعدون من حدة معركتهم مع أوباما لم تنجح المحاولات اليائسة الأخيرة التى جرت بالكونجرس فى التوصل إلى اتفاق بشأن الميزانية الأمريكية وبالتالى تقرر إغلاق الحكومة الأمريكية بدءا من الساعات الأولى من أمس (الثلاثاء) أول أكتوبر. وهو موعد بدء السنة المالية للحكومة الأمريكية. الاعتراضات أو الاشتراطات المعروضة أو المقترَحة من جانب الأغلبية الجمهورية فى مجلس النواب أوصلت المواجهة السياسية بين البيت الأبيض وتلك الأغلبية إلى طريق السد الذى لا يعرف تبعاته أو عواقبه أحد. كما أنه لا أحد يستطيع تحديد مدى تأثر الأداء الحكومى، خصوصا أن الآثار المترتبة مرتبطة أيضا بطول مدة الإغلاق. وهل هى مجرد أيام قليلة أم أنها ستمتد لأسابيع مقبلة. وقد توقعت دوائر حكومية أن يتأثر بهذا الإغلاق والاستغناء عن خدماتهم نحو 800 ألف يعملون فى جهات حكومية أو فى أماكن خاضعة لميزانية حكومية/ فيدرالية. وهذا الإغلاق الحكومى هو الأول منذ 17 عاما. وقد شهد البيت الأبيض فى الساعات الأخيرة قبل بدء الإغلاق نشاطا مكثفا لبيان وجهة نظر الإدارة فى ما حدث وفى ما تم وصفه بأن «الكونجرس لم يقم بواجبه». وقد ظهر الرئيس أوباما بعد ظهر الإثنين ليقول كلمته ويلقى اللوم على قيادات مجلس النواب ومعاركهم السياسية وعنادهم لإفشال وعرقلة اعتماد الميزانية وبرنامج التأمين الصحى (المعروف بأوباما كير). فى العاصمة الأمريكية أمس تم إغلاق كل المواقع والنصب التذكارية ومتاحف «سميثسونيان» التى تزخر بها العاصمة. كما تم إغلاق حديقة الحيوان الشهيرة بها. وبالتأكيد ستتأثر السياحة الوافدة للعاصمة بهذا الإغلاق. كما أن الحيرة اجتاحت أهل العاصمة والعاملين فيها حول ماذا ستكون تبعات هذا الإغلاق. وكيف ستتأثر حياتهم ودخلهم الشهرى والخدمات الحكومية المتوافرة لهم على مدى ال24 الساعة يوميا. البيت الأبيض كان واضحا فى تأكيده أن العسكرية الأمريكية وقوتها التى تقدر ب1.4 مليون فرد لن تتأثر. وأشارت بعض التقارير الصحفية إلى أن الشيكات الخاصة بمرتباتهم قد تتأخر لبعض الوقت. إلا أن نحو نصف المدنيين فى وزارة الدفاع قد يتم الاستغناء عنهم. حركة الطيران والمطارات فى الولاياتالمتحدة لن تتوقف. كما أن الخارجية من جانبها أكدت أن عملية «إعطاء التأشيرات» مستمرة. وذكرت الصحف أن السجون الفيدرالية وعددها 116 على امتداد الولاياتالمتحدة تواصل نشاطها المعتاد. الأمريكيون بشكل عام لا يتعجبون فقط من عناد السياسيين فى واشنطن، بل ينتقدونه بشكل واضح وصريح. واستطلاعات الرأى تشير إلى أن عشرة فى المئة فقط يثقون بالكونجرس وإن كان كثيرا منهم يرى أيضا أن الرئيس أوباما كان يجب أو عليه أن يجد صيغة تخاطُب وتوافُق وتوصُّل إلى حل وَسَط لإنقاذ الموقف. قيادات جمهورية وفى أجواء المواجهة و«اختبار للقوى» تساءلت باستهجان: تُرى لماذا لم يرفع أوباما سماعة التليفون ليتحدث مع رئيس مجلس النواب ليتم التسوية وهو (أى أوباما) يتحدث إلى الطغاة الأجانب وآخرهم الرئيس الإيرانى روحانى؟ وكانت آخر مرة تعرضت فيها الحكومة الأمريكية لموقف مشابه من الإغلاق فى عام 1995، عندما كان الرئيس بيل كلينتون رئيسًا، وكان نيوت جنجريتش الجمهورى رئيسًا لمجلس النواب وفى «ذروة جبروته السياسى». وقد استمر الإغلاق وقتها 22 يوما بدءًا من يوم 15 ديسمبر 1995 إلى يوم 6 يناير 1996. وبما أن الشىء بالشىء يُذكَر كان خلال ذلك الإغلاق وبسبب ما حدث من تغيير فى طاقم العاملين بالبيت الأبيض ومواعيد أعمالهم بدأت العلاقة بين الرئيس كلينتون والمدربة مونيكا لوينسكى. الفضيحة الشهيرة التى هزّت عرش كلينتون وأصبحت «على كل لسان» فى العالم! وخلال المواجهة الشرسة التى دارت فى الأيام الأخيرة لاحظ المراقبون كيف أن أعضاء أو أنصار «حزب الشاى» من المتشددين الرافضين للدور الحكومى بشكل عام سيطروا على الساحة وسط زملائهم من الجمهوريين، وأن السيناتور تيد كروز من ولاية تكساس نجح فى «اللعب على الوتر الحساس» و«ترديد النغمة المعتادة عن تضخم الجهاز الحكومى، وعن الإسراف الحكومى لأموال الشعب». كما أن كروز وأنصاره وأمثاله من المتشددين الجمهوريين ونسبتهم قد لا تزيد على 30٪ من الكتلة الجمهورية إلا أنهم «تمردوا» على الآخرين من الجمهوريين التقليديين ولهم «الصوت الأعلى والأكثر صخبا وإزعاجا وانتقادا لساكن البيت الأبيض». وأن أوباما هو المستهدف فى أغلب الأوقات وبالتالى سواء كان برنامج التأمين الصحى المسمَّى باسمه «أوباما كير» أم أى مشروع آخر فالهدف واضح وواحد. ومهما «تفنن» السياسيون والمعلقون فى تفسير الأسباب وتقديم الحلول للخروج من الأزمة الحالية، فالأمر فى نهاية المطاف يتعلق بالإرادة السياسية والرغبة فى «تقديم بعض التنازلات» أو «التراجع بعض الخطوات» من أجل التوصل إلى «أرضية مشتركة» تجمع الطرفين، ومن ثم يتم تسيير العملية السياسية المتأزمة فى العاصمة الأمريكية. هذا ما تقوله الحكمة السياسية أو ما ينصح به الدهاء السياسى، وفى كل الأحوال الحكومة مغلقة... حتى إشعار آخر.