أقبل فصل الشتاء ببرده ومطره، وطول ليله وقصر نهاره، مما يجعل المرء يتساءل: كيف يكون اجتهاده في عبادة ربه في خلاله؟ وهل هناك سمات خاصة لهذا الفصل تجعل العبادة فيه ذات شكل مختلف عن غيره من الفصول؟ وبمعنى آخر: هل يمكن للمسلم استثمار أيام فصل الشتاء ولياليه، في جني المزيد من الثواب والأجر، وتحقيق المزيد من القربى من الله تعالى؟ إن المسلم الحق يحرص على استثمار كل وحدة زمنية من وقته، ويوظف كل ذرة من عمره وأنفاسه، في طاعة ربه.. كما أنه لا يترك فرصة سانحة أمامه لتحصيل مثوبة من الله إلا واغتنمها، ولا يترك بابًا من الأبواب الموصلة إلى نعيم الآخرة، إلا ويحاول الولوج إلى الجنة من خلاله. والواقع أن في فصل الشتاء ما يعين على ذلك خير إعانة، ويساعد على ذلك خير مساعدة. بل ليس من المبالغة أن يُقال إن فصل الشتاء كله خير.. ويكفي أن برده وصقيعه يُذكَّران بزمهرير جهنم، بل إن طينه وترابه الذي يذوب ويرخو بفعل مياه الأمطار المنهمرة، لَمما يوجه دعوة إلى ذلك الكائن الضعيف المخلوق من هذا الطين (الإنسان)، بأن يرقَ قلبه، وتلينَ جوارحه، لذكر ربه. قال تعالى: "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ". (الحديد:16). وعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "الشتاء ربيع المؤمن" (رواه الإمام أحمد بإسناد ضعيف). وزاد البيهقي فيه: "طال ليله فقامه، وقصر نهاره فصامه". (رواه البيهقي في سننه الكبرى بإسناد ضعيف). فلماذا كان الشتاء "ربيع المؤمن"؟ الواقع أن ذلك؛ لأنه فصل، كما قال الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي: "يرتع فيه المؤمن في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه، بما يسر الله تعالى فيه من الطاعات، فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة، ولا كُلفة، تحصل له من جوع، ولا عطش، فإن نهاره قصير بارد، فلا يحسُّ فيه بمشقة الصيام". وصف ثانٍ جاء للشتاء في الأحاديث النبوية، هو ما ورد في "المسند" والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة". (رواه أحمد، والترمذي، وقال: حديث مُرسل فعامر بن مسعود لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم. وأورده الألباني من طرق أخرى، وحسنه في "السلسلة الصحيحة"). هنا يطرح السؤال التالي نفسه: "لماذا فُضِّل قيام ليل الشتاء؟". والجواب: "لأنه يشق على النفوس من وجهين: الأول: من جهة تألم النفس بالقيام من الفراش في شدة البرد. والآخر: بما يحصل من إسباغ الوضوء في شدة هذا البرد، وهو من أفضل الأعمال". ("لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف"). [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;