نحن نركب الآن معا مركبة الزمن التي قالوا إن رفيق الطريق زاهي حواس كبير علماء الآثار في مصر وربما في العالم أجمع الآن يخفيها تحت قدمي أبو الهول في غرفة لا يعرف سرها ولا مكانها إلا هو ولا يملك مفتاحها إلا هو.. لنطير بها بعيدا إلي بلاد الأفيال والأساطير والبقرة المقدسة التي اسمها في كتب التاريخ والجغرافيا الهند.. لنحط الرحال أمام معبد بوذي فوق جبل عال.. يرتلون فيه تعاليم وأهازيج وابتهالات كتبها قبل الزمان بزمان بوذا العظيم.. في محطتنا الثالثة.. بعد محطة أخناتون العظيم نبي التوحيد الأول في مصر.. ومن بعده خطفنا الرحال الي بلاد الفرس.. لنلتقي بنبي آخر للتوحيد اسمه زرادشت.. تعالوا نعيش معا مع تراتيل وتعاليم وصلوات عمنا بوذا العظيم في بلاد الأساطير والأفيال وحلقات ترقص في وسطها ثعابين الكوبرا القاتلة علي نغمات مزمار عابد بوذي فقير.. قلنا ونكرر هنا إنه بعد نحو مائة سنة من رحيل زرادشت نبي الفرس.. هل هلال عمنا بوذا العظيم كما يطلقون عليه.. صاحب التماثيل الشهيرة: «لا أري لا أسمع.. لا أتكلم»! وبعد أن أمضينا معا سويعات روحانية مع أخناتون أول من آمن بالله الواحد الأحد علي أرض مصر أو حتي فى كل الأديان والعبادات.. ومن بعده طرنا إلي بلاد فارس التي نعرفها الآن باسم إيران لنلتقي بنبيهم زرادشت العظيم الذي آمن بالله.. وكان من الموحدين في زمان الأصنام والأزلام والطواطم وعبدة النار.. ولكن في بلاد فارس هذه المرة.. لا أعرف من أين أتت؟ ولكن وجدتها أمامي فجأة.. انها تاناكان الراهبة البوذية التي تحب مصر وتزورها بين الحين والحين باعتبارها بوذية تدين بتعاليم الإله بوذا كما يسمونه وهو ليس إلاها وإنما نبي متعبد من بلاد الهند بلد الأساطير والحكايات التي يشيب لها الولدان.. لتجلس أمامي وفي يدها كتاب عمنا وصديقنا الدكتور مصطفي محمود الذي يحمل اسم: الله.. في ترجمة للغة الانجليزية.. قلت لها: ورايا ورايا؟ قالت: وكيف أتركك وأنت تتحدث اليوم عن نبينا بوذا العظيم؟ قلت لها: حتي كهنة بوذا يرجعون إلي كتاب كتبه صديقنا وعمنا الكبير د. مصطفي محمود بعنوان: الله.. أين ذهب كهان وكاهنات معابد بوذا العظيم.. وأنت أولهم؟ قالت: لا تنس أنك أنت اللى شجعتنى على قراءته وللحق كل ما قاله دكتور مصطفي محمود في كتابه حق وصدق.. قلت للراهبة البوذية: اقرئي.. وأنا أنصت إليك؟.. ............. ............... دعونا ننصت لكلمات تاناكان الكاهنة البوذية.. هي تقول: بعد مائة سنة من رحيل زرادشت يظهر «بوذا» في الهند ليجد الهند موزعة بين عبادة إله الخير «فشنو» وإله الشر »سيفا« هذا عدا جمع من الأرباب الصغار يتداولون الحكم، فيرفض فكرة تعدد الأديان، كما يرفض فكرة الرب الواحد الممثل في ذات إلهية... ويقول «بالمطلق» أو «الكل» الذي لا يبعث من موت ولا يحاسب ولا يعاقب.. وإنما تتم المخلوقات دورتها متناسخة من صورة إلي صورة حتي تبلغ ذروة تطورها في الانسان الكامل الذى هو «البوذا» ثم بعد ذلك تفني في »المطلق« في «الكل» وهذا الفناء في المطلق تسميه البوذية «بالنيرفانا» وتصفه بأنه ذروة السعادة والراحة والصفاء الروحى، لأنه التحرر من كل القوالب والأشكال، والخروج من حياة القيد إلي حياة الاطلاق.. إذا اكتمل الانسان بهذا المعني وأصبح «بوذا» فإنه لا يعود بعد موته إلي الأرض أو السماء في أي صورة أو جسد، ولا يتناسخ في أي شكل من أشكال المخلوقات السفلية أو العلوية، وإنما يتخلص من لعنة التناسخ إلي الأبد. ولكن يا عزيزي إن بلوغ هذه المرتبة من الكمال في نظر بوذا لا يكون إلا بالتخلص من أسر الشهوات والرغبات ومن أهواء النفس ومطالبها وذلك باخضاعها لناموس العقل والحكمة والاعتدال. قلت لها: ولكن صديقي ورفيق دربي الدكتور مصطفي محمود صاحب هذا الكتاب قال لي ونحن سهرانين في المطبعة كما تعودنا كل يوم جمعة من كل اسبوع قال لي صراحة أن البوذية قد أنكرت الذات الالهية.. كما وقعت في تناقض غريب وعجيب فيما بين قولها في التناسخ وبين ما تدعيه من أفكار لذات الانسان وروحه.. ولم تستطع ان تفسر لنا كيف يتناسخ الانسان في عدة أشخاص وعدة صور كما تقولون أنتم أيها البوذيون.. ثم يعود بعد هذا كله إلي نقطة الصفر.. يعني إلي الميلاد مرات ومرات.. ازاي بقي يا أم العريف؟ تنتفض واقفة لتقول: ايه بقي أم العريف دي؟ قلت لها: يعني انت تعرفين أكثر! ابتسمت وقالت: أيوه كده.. كهنة البوذية الكبار الذين أخذنا عنهم فقه البوذية يقولون هنا أنهم قد استبدلوا فكرة الذات الالهية بفكرة »الكارما«! أسألها: وايه هي بقى الكارما دي يا ست الستات؟ قالت: الكارما هي قانون الحياة.. فالانسان يولد من جديد بحكم قانون صارم هو التكفير عن ذنوبه.. فكل ذنب يرتكبه الانسان يترك أثرا.. وكل أثر يدعو إلي كفارة! قلت مقاطعا: يعني قربان! قالت: أيوه.. لكن كما قال دكتور مصطفي محمود فى كتابه: لم يقل البوذيون من وضع هذا القانون الصارم والذي ألزم به المخلوقات إذا لم يكن هو في ذاته خالقا له ذات إلهية؟ قلت لها: يا عزيزتي لقد قال الدكتور مصطفي محمود إن بوذا في ديانته يريد أن يتجنب الخوض في مسائل الغيب وما وراء الطبيعة، ويريد أن يبتكر ديانة بدون «ميتافيزيقا».. فاستبدل فكرة الذات الالهية بفكرة «الكل المطلق» الذي تفني فيه الأجزاء. ولم يقل لنا كيف يتوحد هذا الكل المطلق بدون ذات تضم شتاته؟. ويدافع المدافعون عن انكار «بوذا» للذات الالهية بأن فكرة الذات الالهية لا تصدر إلا عن إنسان يتصور أن الله ذات مثله.. والله منزه عن هذا التشبيه. وينسي هؤلاء المدافعون يقول د. مصطفي محمود أن «المطلق» الذي لا يدري نفسه، والذي لا يعي وجوده، هو أقل كمالا وأحط رتبة من الذات المطلقة التي تعي وجودها. ضاحكة قالت: أنت يا عزيزي فاهم فيما يبدو أكثر مني! قلت لها لقد سألت د. مصطفي محمود ذات ليلة ونحن سهرانين في المطبعة كعادتنا نتابع مقالاتنا: كيف نضع بوذا إلي جانب أخناتون وزرادشت؟ قال: صراحة: لم يتقدم بوذا بإلهامه الديني خطوة واحدة عن أخناتون وزرادشت.. وإنما تأخر عنهما خطوات وساعات.. الأول في التوحيد هو اخناتون والثاني هو زرادشت.. أسأله: يعنى ما هو ترتيبه فى صف الموحدين؟ قال: خذها منى صريحة مريحة: بوذا لا علاقة له بالتوحيد وبالموحدين! ................ ................. ها نحن نصل بعربتنا السحرية إلي واد غير ذي زرع.. إلي حيث عرف سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء الله وحده ليصنع أمة عظيمة بعد أن عرف الله وحده.. ومن قرص الشمس كما فعل أخناتون قبل الزمان بزمان فوق تراب مصر العظيمة.. فإذا كان بوذا لم يتقدم خطوة واحدة بإلهامه الديني عن عمنا أخناتون وعمنا زرادشت وإنما تأخر عنهما خطوات وخطوات ولكن التاريخ الانساني يفسح مكانا عظيما لظهور أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام ليتبوأ كرسيا علويا.. بوصفه النبي الذي عرف الله وحده كما فعل أخناتون العظيم علي أرض مصر وعلي شاطيء نيلها العظيم قبل الزمان بزمان.. نحن نتحدث الآن عن أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام محطم الأصنام.. والذي عرف الله وحده من متابعته لنجوم السماء والقمر والشمس.. ثم توصل إلي الحقيقة الأزلية الأبدية التي تقف وراء الشمس كما فعل أخناتون وهي الله الواحد الأحد.. لقد قال لي دكتور مصطفي محمود ونحن «سهرانين» في المطبعة كعادتنا كل ليلة جمعة من كل اسبوع: نحن يا عزيزي لا نعرف زمنا محددا لظهور سيدنا إبراهيم عليه السلام.. قلت مقاطعا: والتاريخ نفسه يا عزيزي لم يحفظ لنا ولو صفحة واحدة من صحفه التي قال عنها بديع السماوات والأرض فى كتابه العزيز.. «صحف إبراهيم وموسي».. صحف موسي موجودة حتي الساعة تحت اسم توراة موسي أما صحف إبراهيم فقد طواها الزمن! قال: ولا تنس يا عزيزي أن سيدنا إبراهيم هو محطم الأصنام وصاحب الصحف السماوية التي تبخرت ولم يعد لها وجود.. قلت: الذى أعرفه أن أى شىء يقوله القرآن الكريم لابد أن يكون حقا وصدقا.. وصحف إبراهيم وموسى مادام قد جاء ذكرها فى كتاب الله الذى هو القرآن الكريم فلابد أن تكون موجودة.. قال: قصدك التي كانت موجودة.. وبأى لغة كتبت.. وعلى ألواح حجرية أم على جلد غزال.. أم مجرد وصايا وإرشادات قالها سيدنا إبراهيم فى دروسه لحوارييه وتابعيه وشيوخ قبيلته.. ثم نساها الزمان.. فيما نسى وطوى.. وما أكثر ما طواه الزمان وضاع إلى الأبد.. وكأنه لم يكن! ولكن حكاية سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء الذى أحرقه قومه من عبدة الأوثان والأصنام بالنار.. التى كانت بأمر الله بردا وسلاما على إبراهيم.. كانت حكاية ورواية!.. ولكن ذلك حديث آخر{ لمزيد من مقالات عزت السعدنى;