لم أجد ما أبدأ به عاما جديدا إلا الإنسان المصرى أول من عرف الله من يتصور منا أو حتى يخطر على باله لحظة واحدة أنه عندما خلق الله الأرض وما عليها.. أنزل إليها سيدنا آدم عليه السلام أول مخلوق نزل الأرض التى أخذت زخرفها وتزينت كعروس فى انتظار رجلها الأول الذى اسمه سيدنا آدم والذى صنعه الله من طين ثم نفخ فيه من روحه. ولم يكن سيدنا آدم عليه السلام كما قال لى يوما عمنا وتاج راسنا أنيس منصور يسكن الأرض التى نعيش عليها الآن.. ولكنه كان فى البدء يسكن الجنة.. وكنا «كلنا كده سكان الأرض الآن» بربطة المعلم من سكان الجنة! تصوروا معنا اننا كنا نعيش فى الجنة ونعيمها »لا نهش ولا ننش« كما يقول المثل البلدى ولا نقلق.. فكل شيء موجود.. وكل شيء متاح.. وجوارى الحور من حولنا ينصتن إلى حديثنا.. وتنزل علينا من السماء عناقيد العنب وكل أنواع الفاكهة لا ممنوعة ولا مقطوعة كما قال الله فى كتابه العزيز وتحت أرجلنا أنهار من ماء وعسل ولبن.. ويقوم على خدمتنا حور العين.. وغلمان مخلدون كأنهم اللؤلؤ المنثور رهن الاشارة والأمر.. لولا! أسأله لكى أعرف: لولا ايه يا مولانا؟ قال: لولا خطيئة آدم وحواء عندما أكلا من الشجرة المحرمة التى نهانا بديع السماوات والأرض عن الاقتراب منها وأكل ثمارها! أسأله: طيب من المخطئ هنا.. أمنا حواء.. أم سيدنا آدم عليه السلام؟ قال: فى الكتاب المقدس الذى يضم بين دفتيه توراة موسى وأناجيل المسيح عيسى ابن مريم.. حواء هى التى أغوت آدم لكى يأكل من الشجرة المحرمة.. ولكن فى القرآن الكريم كتاب الله إلى أمم الأرض.. الاثنان هما المخطئان آدم وحواء معا! …………….. ………………. ولكن يقول الساحر أنيس منصور كما كنا نطلق عليه نحن أصدقائه ومحبيه: دعنى أحك لك حكاية سيدنا آدم عندما كان وحيدا فى البداية.. ثم بعد أن أنزل الله إليه هدية من عنده تؤنس وحدته وتدفئ فراشه هى تلك الجميلة التى اسمها حواء وهى أول أنثى تنزل إلى دنيانا.. ولكن فى الجنة أولا ثم نزولا إلى الأرض فيما بعد، بعد أن غضب عليها رب السماوات والأرض لكى نعمر ونصير أمة تسد عين الشمس.. لا طاعة ورحمة.. وسلاما وقدرا لكل الخلق.. ولكن خناقا وانشقاقا وفرقة وكذبا ونكدا وهجرا وضربا وحربا وقتلا وتشريدا.. قلت له: يا ساتر يا رب ما كنا كويسين عايشين فى أمان وسلام فى الجنة ونعيمها. قال: دعنى أحك لك ما قاله كبير الآلهة زيوس فى الأساطير اليونانية.. عندما كان يحكم العالم من فوق قمة جبل الاوليمب فى بلاد الاغريق اليونان الآن ورأى أن آدم أول مخلوق يعيش فى وحدة بلا أنيس أو جليس فأنزل له أمنا حواء لكى تكون له أنيسا وجليسا تؤنس وحدته وتدفئ فراشه وتكون له رفيقة وونيسة ومضمدة لجروحه ومجففة لدموعه.. وأما لعياله ورفيقة له فى السراء والضراء حتى آخر العمر! يضحك عمنا أنيس منصور وهو يقول: ولكن فى أساطير الاغريق نقرأ: إن الإله زيوس كبير الآلهة فى جبل الاوليمب بعد أن خلق سيدنا آدم وأمنا حواء.. جاء آدم يوما يشكو حواء التى تصنع ضجيجا ولا تكف عن الشكوى من الوحدة.. وانها تسرق التفاح من سلته فى الليل.. وتأكله وحدها.. وهو نائم! هكذا تقول الأساطير اليونانية كما نسميها نحن! وقد طلب آدم من زيوس أن يأخذها ويتركه وحده.. فلما أخذها زيوس عنده.. جاءه سيدنا آدم وبعد ثلاثة أيام لا أكثر يطلب منه أن يعيدها إليه.. ويقول للرب فى تضرع: لقد أوحشته كثيرا! …………… …………… نترك الساحر أنيس منصور ونجلس إلى ساحر آخر اسمه الدكتور مصطفى محمود الذى رافقته كثيرا وطالما جلسنا معا ليالى طوال داخل مطبعة «الأهرام فى الثمانينيات تحت قيادة الأستاذ هيكل» أجمل أيام الأهرام فى كل شيء ومن عنده قول آخر.. فليتفضل! سألته: متى عرف الانسان المصرى الاله الواحد.. قبل الزمان بزمان؟ قال: لقد كان للبشر قبل الزمان بزمان زمرة من الآلهة.. وسرعان ما ظهرت فكرة الاله الواحد كما قلت فى كتابى الله ممثلة فى الشمس أكبر ما ترى العين فى السماء وهو الاله رع عند أجدادنا الفراعنة العظام.. وفى اليونان هو «زيوس» كبير آلهة الأوليمب، الذى جعل من باقى الآلهة أربابا صغارا يعملون فى خدمته، ويدينون له بالولاء والطاعة. وكانت أول خطوة نحو توحيد حقيقى لرب مجرد تمام التجريد، هى الخطوة التى حققها «أخناتون» نبى الفراعنة بحق. وقد ورث «أخناتون» عبادة الشمس عن أجداده وما لبث أن ثار على تلك العبادة الشمسية، مقررا أن الشمس ما هى إلا مخلوقة هى الأخرى وأن الخالق الجدير بالعبادة هو القوة التى أبدعتها.. وجعل من قرص الشمس مجرد رمز لتلك القوة الواحدة المستترة: وهو آتون.. الواحد القادر على كل شيء. قلت مقاطعا: الذى أعرفه أن المصريين هم أول الموحدين على الأرض قبل نحو أربعين قرنا من الزمان ويزيد؟ قال: هذا ما قاله هيرودوت المؤرخ الاغريقى الذى زار مصر: أن المصريين هم أول الموحدين فى العالم وأن العالم كله قد أخذ الدين عنهم فأخذت الهند شعائرها واليونان عقائدها من مصر.. قلت: يا سيدى الفاضل اسمع معى لقد كان المصريون يرددون هذه الترنيمة المحفورة على لوحة فى المتحف البريطانى والتى شاهدتها فى لندن بعيني: وهى فى صورة ابتهال ومناجاة لله وحده: أيها الخالق الذى لم يخلقك أحد الوحيد المنقطع القرين فى صفاتك والراعى ذو القوة والبأس والصانع الخالد فى نعمه التى لا يحيط بها حصر ويصل هذا التوحيد إلى ذروة النقاء والتجريد على يد أخناتون.. فنقرأ فى أنشودته الخالدة لأتون هذه السطور الملهمة: لقد خلقت هذه الأرض.. وخلقت ما عليها من إنسان وحيوان ودبرت لكل مخلوق حاجاته وقدرت له أيامه المعدودة وجعلت لهم الشتاء ليتعرفوا على بردك والصيف ليذوقوا حرارتك وصورتهم فى بطون أمهاتهم بالصور التى تشاء وأنزلت لهم الماء من السماء ليجرى أمواجا تتدافع وتروى حقولهم ما أعظم تدبيرك يا سيد الأبدية! انك فى قلبي ثم يواصل أخناتون مناجاته: لقد سمعت بأنك تجرى وراء ملذاتك، وتذهب من شارع إلى شارع تفوح رائحة الخمر من فمك.. إن الخمر تنفر الناس منك، وتودى بك إلى الهلاك، وتجعلك كدفة مكسورة فى سفينة لا تفيد فى التوجيه إلى يمين أو يسار لا يداخلك الغرور بسبب علمك، ولا تختل وتنفخ أوداجك لأنك عالم ولا تحتقر الناس، فقد تنفعك مشورة من رجل جاهل.. وما من أحد قد بلغ الغاية من العلم بحيث يستغنى عن غيره. هدئ من روع الباكي، ولا تظلم الأرملة، ولا تحرم إنسانا من ثروة أبيه. لا تقتل رجلا إذا كنت تعرف جميل مزاياه لا تقل: «ليست لى خطيئة» وتشغل نفسك بالتفكير فى خطايا الناس، فالله وحده هو المختص بالحكم فى خطايا الناس، وهو الذى ختم على أقدارهم لا ترقد خائفا مما يأتى به الغد، فالله يحقق دائما ما يريد.. احذر من الاقتراب من النساء فى أى مكان تدخله، فقد انحرف ألف رجل عن جادة الصواب بسبب المرأة.. انها لحظة قصيرة كالحلم والندم يتبعها. قلت مقاطعا: ياه هما الستات ورانا ورانا.. وحشين قوى منذ الأزل؟ قال: موش كلهن يا عزيزي.. إنه الفرع الأعوج منهن فقط! هكذا كانت مصر.. وهكذا كان الحال فى مصر منذ الأزل فى التوحيد وكمال فى تصور الألوهية، وسمو فى المنهج الأخلاقى والسلوك الفردى والاجتماعي، بينما العالم حولها غارق فى عبادة الأسلاف والأجداد والطواطم والأصنام والأرباب الثنائية والنار! ………….. …………….. ثم ظهر عمنا «زرادشت» نبى بلاد فارس إيران الآن (660 سنة قبل الميلاد) يعنى قبل 2676 سنة بالتمام والكمال.. ليجد الديانة الفارسية موزعة بين عبادة «هرمز» إله الخير و«آهرمن» إله الشر، فأدخل التوحيد لأول مرة فى الفكر الدينى وقصر العبادة على رب واحد، ونزل بإله الشر إلى مرتبة المخلوق الضعيف الذى ينازع الله سلطانه دون أن تكون له غلبة أوشأن. والله عند عمنا «زرادشت» موصوف بأكمل الصفات: فهو الكريم الشافى من الأمراض، المنقذ من البلايا والكروب، الخالق الجواد بالنعم والخيرات. وهو أى الله قد خلق الدنيا على ست مراحل: السماء ثم الماء ثم الأرض ثم النبات ثم الحيوان ثم الإنسان. والموتى عند عمنا زرادشت أيضا يبعثون ويحاسبون.. وتوزن أعمالهم: الأخيار يرفعون إلى السماء، والأشرار يقذفون إلى الهاوية.. ومن تتعادل حسناتهم وسيئاتهم لا يعذبون ولا ينعمون وإنما يقضون حياتهم فى انتظار قيام الساعة حينما يؤخذ الكل ويقذفون إلى النار المقدسة ليطهروا ثم يرفعوا جميعا إلى أعتاب الاله الرحيم الغفار. والنار تقدس عند زرادشت باعتبارها أطهر المخلوقات لا باعتبارها الها يعبد. والروح تخلق لكل انسان قبل أن يخلق جسده.. يعنى لقد كان «زرادشت» هو نبى الفرس بحق، كما كان »اخناتون« هو نبى الفراعنة، وهو محطم الأصنام، والأوثان بالنسبة للديانة الفارسية، ورافع راية التوحيد بين ربوعها. ……………. ……………….. وبعد رحيل عمنا زرادشت نبى الفرس بنحو مائة عام.. هل هلال عمنا بوذا.. وكانت حكايته حكاية.. ورواية!.. ولكن ذلك حديث آخر وحكاية أخري..{ Email:[email protected] لمزيد من مقالات عزت السعدنى;