لم تكن ثورة 25 يناير مؤامرة من قوى خارجية بالتحالف مع قوى داخلية كما يزعم البعض، بل كانت نتاجا لصراع طويل على مدى 30 عاما بين النظام السلطوى والقوى الديمقراطية من احزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدنى والنقابات والمثقفين. حيث طرحت هذه القوى مطالب تهدف الى انهاء السلطوية وتحقيق الديمقراطية. وفى مواجهة المطالب المتزايدة بالإصلاح السياسى صعدت الدولة من آليات السيطرة على الحياة السياسية ورفضت قيام أحزاب جديدة وواصلت محاصرة الأحزاب السياسية وحرمانها من ممارسة نشاط سياسى جماهيرى باستخدام قانون الطوارئ فحرمت الأحزاب من عقد المؤتمرات الجماهيرية أو تنظيم المواكب والمظاهرات السلمية أو توزيع البيانات الجماهيرية، وكان من أهم مظاهر الإخفاق الديمقراطى التى لا تزال قائمة حتى الآن: - استمرار احتكار الحكم للحزب المهيمن وحصوله على أغلبية تفوق ثلثى عدد مقاعد مجلس الشعب طوال عمر التعددية الحزبية منذ عام 1976 وعلى مدى تسع دورات انتخابية آخرها فى عام 2010. - انهيار الأحزاب السياسية الرسمية وعجزها عن الحصول فى انتخابات 2005 على اكثر من 10 مقاعد بينما حصلت جماعة سياسية محظورة قانونا هى جماعة الإخوان المسلمين على 88 مقعدا، وتم تزوير انتخابات2010 بشكل فج غير مسبوق فى تاريخ مصر حيث حصلت احزاب المعارضة على مقاعد محدودة ومن الجدير بالذكر أنه كانت توجد فى ذلك الوقت ثمانية أحزاب مجمدة لخلافات بين أعضائها من بين جملة الأحزاب الرسمية وعددها 22حزبا. ولا يوجد من بين هذه الأحزاب ما يعبر عن قوى اجتماعية حقيقية سوى خمسة أحزاب فقط. - تصاعد أعمال العنف المجتمعى سواء كان عنفا سياسيا أو الجرائم ضد المال أو العنف الناجم عن الاستقطاب الطائفى وانتشار العشوائيات.. الخ. وكانت هناك تجربة جديرة بالدراسة والاهتمام، حيث نجحت الأحزاب والقوى السياسية الشرعية والمحجوبة عن الشرعية أن تنسق فيما بينها حول قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وشمل هذا التنسيق الإخوان المسلمين والشيوعيين بالإضافة إلى احزاب التجمع والوفد والعمل والناصرى والأحرار وكان لهذه الأحزاب نشاطها المشترك فى مواجهة قانون الأحزاب وتعديلاته وقانون مباشرة الحقوق السياسية الذى ينظم الانتخابات العامة وإعلان حالة الطوارىء وسوء معاملة سجناء الرأى والتعذيب فى السجون واحتكار الحكومة للاذاعة والتليفزيون والصحافة القومية وشاركت هذه الأحزاب فى نشاط النقابات ومؤسسات المجتمع المدنى فى مواجهة تعديلات قوانين الصحافة والمطبوعات والجمعيات الأهلية والقوانين المقيدة للحريات مثل قانون الاشتباه وقانون المدعى الاشتراكى. وطرحت هذه الأحزاب مشروع قانون مباشرة الحقوق السياسية يكفل توافر ضمانات موضوعية وقانونية لنزاهة الانتخابات كما قدمت مشروعات قوانين أخرى لتعديل وإلغاء المواد والنصوص القانونية المتعارضة مع حقوق الإنسان. وفى هذا السياق نجحت لجنة التنسيق بين الأحزاب والقوى السياسية فى مصر فى التعاون مع مراكز ومنظمات حقوق الإنسان وبعض النقابات والشخصيات العامة فى عقد مؤتمر «دفاعا عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان» يوم 8 ديسمبر 1997 طرحت فيه قضايا عديدة تتصل بالتطور الديمقراطى فى مصر وشارك فيه عشرات من الساسة والمفكرين وأساتذة الجماعات والخبراء والباحثين بمراكز ومنظمات حقوق الإنسان ومراكز البحوث من كل الاتجاهات والتيارات الفكرية والسياسية الذين نجحوا فى صياغة برنامج للإصلاح السياسى والدستورى صدر عن المؤتمر مؤكدين التزامهم به مجتمعين، وكل على حدة، سواء كانوا فى المعارضة أو وصل بعضهم للحكم وتضمن هذا البرنامج عشر نقاط أساسية وتشمل ضمان الحريات والحقوق الأساسية للمواطنين، وتوفير ضمانات التقاضى واستقلال القضاء، والغاء حالة الطوارىء القائمة، وتعديل الدستور ليصبح ديموقراطيا يجعل الأمة مصدراً حقيقيا للسلطة، وتوفير ضمانات نزاهة الانتخابات، وتحويل الأدارة المحلية إلى حكم محلى شعبى حقيقى، واطلاق حرية التنظيمات السياسية والنقابية والجمعيات الأهلية، وتحرير أجهزة الإعلام والصحافة من السيطرة الحكومية والاحتكار والمواجهة الشاملة للارهاب وحماية الوحدة الوطنية وتوفير حد أدنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وليس من شك فى أن هذا البرنامج والنشاط حوله من خلال جهد مشترك للأحزاب السياسية ومنظمات حقوق الإنسان وسائر مؤسسات المجتمع المدنى يمكن أن يوفر الأساس الجيد لنشر ثقافة حقوق الإنسان على أوسع نطاق فى المجتمع. هكذا نرى ان المجتمع المصرى كان ساحة للصراع بين النظام السلطوى والقوى الديمقراطية ونشأ عن هذا الصراع العديد من الاشكال الجبهوية فى عدة مجالات مثل حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير مما ادى بالنظام السلطوى الى القبول بان تكون انتخابات رئيس الجمهورية بين اكثر من مرشح ولم يسفر هذا التطور عن جديد حيث فاز رئيس الجمهورية كما كان يحدث من قبل. وصعدت القوى الديمقراطية بمختلف اشكالها من نضالها ضد السلطوية مما ادى الى ثورة 25 يناير التى بدأت مرحلة جديدة من الصراع حول الديمقراطية الدائر الآن فى مصر والذى لن ينتهى الا بنظام ديمقراطى حقيقي. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر;