تناولنا فى مقال سابق مسألة الإنتقال من الإستبداد إلى الديموقراطية فى الوطن العربى وتعريف المقصود بالاستبداد وان الانتقال الى الديمقراطية يتطلب القيام بعملية شاملة العديد من جوانب المجتمع لتصفيته واحلال الديمقراطية محله وما يعترضه من عقبات. وتشكل حالة مصر نموذجا واضحا لمشاكل الانتقال من السلطوية الى الديمقراطية وعلى رأسها موقف السلطة من هذه العملية. كانت الدولة السلطوية فى مصر العقبة الكؤود أمام استقرار المجتمع المصرى وتقدمه، وكان لها أكبر الأثر فى فشل التنمية، وفى تحقيق أمن المجتمع. فقد تمت جهود التنمية فى ظل دولة سلطوية يقوم نظام الحكم فيها على هيمنة السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى وعلى مؤسسات المجتمع المدنى عامة والنقابات العمالية والتعاونيات الفلاحية بصفة خاصة، وتمتع رئيس الدولة بدور محورى فى النظام وبسلطات مطلقة، واحتكار الحكم لتنظيم سياسى واحد، وإشباع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على حساب الحقوق السياسية والمدنية والفردية، مع تصاعد نفوذ أجهزة الأمن فى المجتمع. وكان لتحقيق التنمية من خلال نموذج يقوم على رأسمالية الدولة فى ظل نظام سلطوى أكبر الأثر فى نمو مجموعة من القيادات البيروقراطية التى تولت قيادة القطاع العام والهيئات الاقتصادية، وحصولهم مقابل ذلك على مرتبات ودخول تضعهم فى أعلى سلم الدخول، وفى غيبة الرقابة الشعبية تحولت هذه الفئة مع مرور الوقت، ومع تكوين نظام شبه مغلق، وتوافر آليات تؤكد وحدة المصالح إلى طبقة جديدة هى الرأسمالية البيروقراطية، أتاح لها تمتع الدولة بوضع احتكارى أن تنفرد باستغلال الشعب المصرى، ومع تراكم الثروات لدى أفراد هذه الفئة حدث تناقض بين مصلحة الفرد فيها وبين المصلحة العامة للنخبة الحاكمة، حيث من مصلحة الفرد إفساح المجال لرأس ماله الخاص حتى يتمكن من استمرار التراكم الذى حققه بشكل شرعى وغير شرعى من موقعه فى جهاز الرأسمالية البيروقراطية، بينما من مصلحة هذه النخبة فى مجموعها أن تظل هى المسيطرة، ولكن الغلبة جاءت فى النهاية للقطاعات التى فضلت مصالحها الخاصة وشكلت تاريخياً النواة الأولى للرأسمالية المصرية الجديدة. تفاعلت السلطوية وسيطرة البيروقراطية على الاقتصاد وهزيمة يونيو 1967 فى إضعاف جهود التنمية وإخفاقها فى تحقيق معدلات نمو عالية أو الاحتفاظ بمعدلات النمو المتحققة فى الخمسينيات والستينيات. كما ساهم فى هذا الإخفاق ما ترتب على السلطوية من غياب المساءلة والمحاسبة وغياب الرقابة الشعبية وضعف مشاركة الشعب وفساد المؤسسة العسكرية وتدخلها فى الحياة المدنية فيما عرف فى ذلك الوقت بسيطرة مراكز القوى على نظام الحكم وكانت النتيجة هزيمة عسكرية فادحة داخل المجتمع المصرى بعدها مرحلة من عدم الاستقرار واضطراب الأمن رغم كل ما تحقق من إنجازات تنموية خلال هذه الفترة. وكان الأخذ بالتعددية الحزبية فى مصر 1976 عملية إدارة لتناقضات المجتمع السياسى والتنمية أكثر منها عملية مقصودة لذاتها أو لتحقيق قدر من التطور الديمقراطى، بل كانت بمثابة ارتداء النظام السلطوى قناعا ديمقراطيا، فلم يترتب على الأخذ بنظام التعددية الحزبية أى تغيير فى السمات الرئيسية لنظام الحكم السلطوى المتمثلة فى هيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، والدور المحورى لرئيس الدولة بسلطاته المطلقة طبقا للدستور، وهيمنة أجهزة الدولة على الصحافة ووسائل الإعلام الجماهيرى وعلى مؤسسات المجتمع المدنى، واستمرار احتكار الحزب المهيمن للحكم، واستمرار حالة الطوارئ التى تعطى للسلطة التنفيذية حق اعتقال المواطنين لفترات طويلة زمنيا. وقد وصل عدد أوامر الاعتقال فى حقبة التسعينات أكثر من مائة وخمسين ألف قرار، وبذلك فإن التعددية الحزبية المطبقة فى مصر كانت تعنى قبول النظام السياسى مبدأ التعددية فى شكل أحزاب سياسية، ولكن فى إطار قيود وقواعد معينة تحد من إمكانية تداول السلطة وممارسة هذه الأحزاب لوظائفها المتعارف عليها فى النظم الديمقراطية. واستقر الأمر على وجود حزب كبير مهيمن يحتكر الحكم بصفة دائمة وإلى جواره مجموعة من الأحزاب الصغيرة التى لا يسمح لها بالنمو إلى الحد الذى يمكنها من منافسة الحزب الحاكم أو تداول السلطة معه من خلال الانتخابات، واستخدمت آلية التشريع لإحكام السيطرة على التعددية الحزبية بإصدار العديد من القوانين وتعديل بعض القوانين لضمان سيطرة السلطة التنفيذية على المجتمع وعلى المؤسسات الحزبية والمدنية مثل قانون الأحزاب الذى يمكن السلطة التنفيذية من السماح بقيام أحزاب جديدة أو الاعتراض عليها، وقانون النقابات المهنية وقانون النقابات العمالية وقانون الجمعيات الأهلية وغيرها. . وفى مواجهة المطالب المتزايدة من الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدنى والمثقفين بالإصلاح السياسى صعدت الدولة من آليات السيطرة على الحياة السياسية ورفضت قيام أحزاب جديدة وواصلت محاصرة الأحزاب السياسية وحرمانها من ممارسة نشاط سياسى جماهيرى باستخدام قانون الطوارئ فحرمت الأحزاب من عقد المؤتمرات الجماهيرية أو تنظيم المواكب والمظاهرات السلمية أو توزيع البيانات الجماهيرية، كما حرمتها من استخدام الإذاعة والتليفزيون فى عرض برامجها السياسية على المواطنين. وهكذا فان ما سمى بالاصلاح السياسى وقتها لم يغير طبيعة النظام السلطوية التى استمرت حتى قيام ثورة 25 يناير تعبيرا عن رفض الشعب المصرى للنظام السلطوى وسياساته ومواصلته المطالبة بتغيير جوهرى فى النظام جسده دستور 2014 وللحديث بقية ... لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر;