صرح الأستاذ صبحى صالح بأن جبهة الإنقاذ وحركة 6 أبريل تنشطان فى المجتمع خارج نطاق القانون، وأنه بصدد إعداد قانون يكفل تقنين أوضاعهما. وينذر هذا التصريح بعودة ظاهرة ترزية القوانين مرة أخرى، التى أدانها المجتمع بصفة عامة فى عهد مبارك، وتصدت لها القوى الديمقراطية بقوة، باعتبارها عدواناً على حرية التنظيم والتجمع السلمى باعتبارها من أهم حقوق الإنسان. وقد قامت ظاهرة ترزية القوانين التى انتشرت فى عهد مبارك على أساس أنه كلما اكتشف النظام الحاكم ظاهرة أو نشاطاً يهدد سيطرته على المجتمع، فإنه يكلف خبراءه القانونيين بتعديل القوانين القائمة أو إصدار قوانين جديدة تضمن محاصرة هذه الظاهرة أو هذا النشاط، لمنعه من تجاوز الحدود المرسومة لسيطرة الحكم على المجتمع. وقد عانى الإخوان المسلمون أنفسهم من ترزية القوانين عندما فازوا بالأغلبية فى مجالس إدارات النقابات المهنية وعجز النظام عن مواجهتهم، فصدر قانون رقم 100 الشهير فى بداية التسعينات الذى اشترط مشاركة أكثر من نصف الجمعية العمومية فى الانتخابات، ولأن الجمعيات العمومية للنقابات المهنية كانت تضم مئات الألوف من الأعضاء الذين لا يعنيهم من النقابة سوى الحصول على ترخيص مزاولة المهنة ولا علاقة لهم بالنشاط النقابى وغير معنيين بالمشاركة فى الانتخابات، فقد تجمدت النقابات المهنية بفضل هذا القانون أكثر من عشرين سنة دون انتخابات، كما عانى الناصريون من هذه الظاهرة عندما مارسوا نشاطهم فى الحزب الاشتراكى الناصرى تحت التأسيس قبل الحصول على موافقة لجنة الأحزاب، وفتحوا مقرات للحزب فى معظم المحافظات، وأزعجوا النظام، فقام ترزية القوانين بتعديل قانون الأحزاب ليجرم النشاط تحت التأسيس ويمنعه تماماً قبل الحصول على موافقة لجنة الأحزاب. وكان النظام قد أصدر قانون الأحزاب ووضع شرط موافقة لجنة الأحزاب على تأسيس الأحزاب، ومعظم أعضائها من الوزراء والشخصيات التابعة للنظام، ولم يحصل فى ظل هذه اللجنة أى حزب حقيقى على الموافقة، فى حين سمح لعشرات الأحزاب الهامشية والعائلية بالنشاط لتكون فى خدمة النظام. وقد عانى من هذا القانون أحزاب الوسط والكرامة والغد لسنوات طويلة، وهى أحزاب شبابية فى الغالب تضم شخصيات مستقلة. وعندما اكتشف النظام ثغرات فى القانون 35 للنقابات العمالية يمكّن للنقابيين المستقلين أن يفوزوا بمواقع قيادية فى ظلها، أصدر تعديلات بالقانون رقم 12 أحكمت حصار هؤلاء النقابيين، وسمحت لأعضاء مجالس إدارات النقابات العامة بعدم دخول الانتخابات فى اللجان النقابية حتى لا يحاسبهم العمال على أدائهم التابع للحكومة، وأن يدخلوا الانتخابات من الجمعية العمومية للنقابة العامة مباشرةً، فضمن الحكم بذلك السيطرة الكاملة على النقابات العمالية. وقد تكررت ظاهرة ترزية القوانين مع قانون الجمعيات الأهلية الذى تم تعديله أكثر من مرة. وقد كان واضحاً أنه طوال حكم مبارك تم استخدام سلاح التشريع للاحتفاظ بقدرة النظام السلطوى على السيطرة على المجتمع ومنظماته السياسية والمدنية والشعبية. وإذا انتصر التوجه الذى يتبناه صبحى صالح لإحكام القبضة على المجتمع ومنع جبهة الإنقاذ وحركة 6 أبريل من ممارسة النشاط، إلا إذا قننت أوضاعهما طبقاً لقانون صبحى صالح، فإن ذلك سوف يضاعف المأزق الذى يواجهه حكم الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسى، لأن القانون فى هذه الحالة سوف ينطبق أيضاً على الحركات الشعبية مثل حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير، اللتين قامتا بدور أساسى فى التمهيد لثورة 25 يناير، وكانت جماعة الإخوان المسلمين طرفاً أساسياً فيها، ولم يتذكر صبحى صالح ساعتها ما يشير إليه الآن. كما سوف ينطبق الأمر أيضاً على جبهة الضمير التى أسسها الإخوان المسلمون للتصدى لجبهة الإنقاذ التى أزعجهم نشاطها وتجاوب الجماهير معها. ومن اللافت للنظر أن صبحى صالح تجاهل حقيقة يعرفها تماماً وهى أن جبهة الإنقاذ هى تحالف سياسى بين أحزاب شرعية، وأنه من بديهيات الديمقراطية حق هذه الأحزاب فى أن تمارس نشاطاً مشتركاً مع غيرها فى تحالف سياسى يأخذ اسم الجبهة أحياناً، وأن الإخوان المسلمين أنفسهم أسسوا التحالف الديمقراطى، وهو بحكم وثيقة تأسيسه تحالف سياسى وانتخابى لخوض انتخابات مجلس الشعب 2011 بين الأحزاب والقوى السياسية المشاركة فيه، وكانوا من قبل أعضاء فى لجنة التنسيق بين الأحزاب والقوى السياسية 1995.كما أنه يعرف أن حركة 6 أبريل هى حركة اجتماعية تنشط كجماعة ضغط، وليس هناك فى القوانين الحالية ما يمنعها من ممارسة هذا الضغط بآليات سلمية وديمقراطية، ولا يوجد ما يبرر إصدار قوانين جديدة تقيد حركة هذه الجماعات، فهى من السمات الأساسية لأى مجتمع ديمقراطى. من الواضح أننا بصدد أزمة جديدة سوف يشهدها المجتمع المصرى قريباً إذا انتصر توجه صبحى صالح، وإذا تم تعديل قانون السلطة القضائية بمعرفة ترزية القوانين للنزول بسن القضاة عند التقاعد إلى 60 سنة بدلاً من 70 سنة، وسوف يكون مذبحة للقضاة غير مسبوقة فى تاريخ مصر، وفى الغالب أن هذا التوجه وما يترتب عليه من نتائج ربما يكون المسمار الأخير فى نعش حكم الإخوان المسلمين.