بجرأة شديدة وغير مسبوقة، ربطت وكالة «أسوشييتدبرس» للأنباء، العمليات الإرهابية الأخيرة التى شهدتها مصر بأجواء الاحتقان السائدة نتيجة قرارات الإصلاح الاقتصادى المؤلمة التى اتخذتها الحكومة وشملت تحرير سعر صرف الجنيه ورفع أسعار الوقود، وذلك فى محاولة لتبرير موجة التصعيد الجديدة فى العمليات الإرهابية، وتصويرها على أنها نوع من أنواع التنفيس عن الغضب الشعبى من السياسات الراهنة! فقد بثت الوكالة الأمريكية تقريرا بتاريخ 9 ديسمبر 2016 بعنوان «انفجار فى الطريق الرئيس المؤدى للأهرامات يقتل 6 من رجال الشرطة»، حول تغطيتها لانفجار الطالبية الذى استهدف مسجدا وتمركزا أمنيا من قوات الشرطة وأسفر عن استشهاد ستة من الشرطة وإصابة ثلاثة آخرين، ووصفت الهجوم بأنه الأكثر دموية الذى يستهدف قوات الأمن فى العاصمة منذ ما يزيد على ستة أشهر. وشأنها شأن باقى وسائل الإعلام الغربية، مثل «رويترز» وغيرها، أقحمت وكالة أسوشييتد برس قضية السياحة فى حادث التفجير، حيث ذكرت أن الانفجار وقع بالقرب من أحد المساجد فى طريق متسع غالبا ما تمر به الأتوبيسات السياحية المتجهة إلى منطقة الأهرامات. وعلى الرغم من البعد المكانى الواضح بين موقع التفجير وموقع الأهرامات، وعلى الرغم من أن الهجوم لم يكن يستهدف أى منشأة سياحية، ولا أى أتوبيس سياحي، علما بأن عدد السائحين المتجهين للأهرامات قليل للغاية بحكم التراجع الحالى فى حركة السياحة الأجنبية الوافدة إلى مصر، فإن الوكالة وغيرها من وسائل الإعلام الغربية أصرت على إضفاء بعد «سياحي» على الحادث، بهدف ترويع السائحين، وإظهار أن مصر غير آمنة، بدليل استهداف مناطقها السياحية الرئيسية، وهى ليست المرة الأولى التى تقحم فيها وسائل الإعلام الغربية اسما «بارزا» فى حوادث الإرهاب، حيث سبق أن تناولت أكثر من حادث فى مدينة السويس أو الإسماعيلية مثلا، لتصفه بأنه حادث وقع بالقرب من قناة السويس! ولكن كل هذا فى كفة، ومحاولة الربط بين الإرهاب الفج الذى لا لبس فيه والبعد الاقتصادى فى كفة أخري. فقد ظهر من خلال تقرير أسوشييتدبرس عن الحادث نفسه أن هناك إصرارا على تقديم المبررات للعمليات الإرهابية، سواء عملية الطالبية أو غيرها، فقد ذكرت الوكالة أن هجوم شارع الهرم «جاء فى الوقت الذى يدافع فيه الرئيس عبد الفتاح السيسى عن الإجراءات الاقتصادية المتشددة التى اتخذتها حكومته لمعالجة الأزمة المالية المتفاقمة، وضمان الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي». وأشارت الوكالة أيضا إلى أنها تعتقد أن «إجراءات التقشف قد تستثير ردة فعل ضد السيسي». وفى تقرير آخر للوكالة نفسها بثته يوم 8 ديسمبر، قالت إن السيسى غالبا ما يبرز التهديدات التى يشكلها الإسلاميون من أجل تبرير الإجراءات الأمنية شديدة الوطأة التى أدت إلى اعتقال الآلاف من الخصوم السياسيين، فضلا عن مقتل البعض منهم أثناء مواجهات». وسارت على النهج نفسه هيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي.» فى تغطيتها للحادث نفسه، حيث ذكرت فى تقرير بثته يوم 9 ديسمبر 2016 تحت عنوان «العنف فى مصر .. مسلحون يقتلون 6 من ضباط الشرطة فى القاهرة»، وركزت أيضا على أن الهجوم وقع على الطريق الرئيس المؤدى لأهرامات الجيزة، وكأن ال «بى بى سي» و «أسوشييتدبرس» تركزان على هدف واحد، ولكن ما أضافته «بى بى سي» هو محاولتها عرض وجهة نظر الجهة الإرهابية المسئولة عن تنفيذ الهجوم، وكأن هذه الجماعة لها الحق فى أن يكون لها رأى مقابل لرأى السلطات المصرية، كما لو كانت جماعة معارضة أو حزب سياسي، وهو نهج لا يمكن أن يصدقه عقل! فقد ذكرت «بي.بي.سي» فى تقريرها أن جماعة متشددة ظهرت على الساحة أخيرا تطلق على نفسها اسم «حسم» أعلنت مسئوليتها عن الحادث، وأن الجماعة التى تصفها السلطات الأمنية فى مصر بأنها الجناح المسلح لجماعة الإخوان تتهم القضاة المصريين بإصدار أحكام بالإعدام أو المؤبد على آلاف الأبرياء، يعنى «الرأى والرأى الآخر» بين الدولة وجماعة إرهابية!! والمثير أيضا أن بى بى سى ختمت تقريرها المريب بالعودة إلى نفس نهج أسوشييتدبرس، حيث ربطت سريعا بين الوضع الاقتصادى السيئ فى مصر، وبين العمليات الإرهابية، بقولها إن «إجراءات الإصلاح الاقتصادى التى اتخذتها الحكومة المصرية تسببت فى ارتفاع معدل التضخم السنوى إلى 19٫4% بالتزامن مع إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى عن بذل حكومته جهدها لتخفيف تداعيات تلك القرارات عن محدودى الدخل». ولسنا نعرف بالضبط ما هى علاقة الحديث عن إجراءات الإصلاح الاقتصادى هنا فى تقرير يتعلق بعمل إرهابي، إلا إذا كان ذلك محاولة ل«شرعنة» العنف، وإيجاد المبررات للأعمال الإرهابية، وهو ما لم يحدث من قبل من أى وسيلة إعلامية محترمة فى أى مكان بالعالم!