اهتمت وسائل الإعلام الأجنبية فى الفترة الماضية بإبراز التقارير والمعلومات، الصحيحة والمغلوطة، التى تظهر الاقتصاد المصرى وكأنه فى حالة انهيار كامل، ليس له حاضر ولا مستقبل، وغير قادر على جذب الاستثمارات الأجنبية، وفى وضع يستدعى «فورة» شعبية. اهتمت وكالة «رويترز» للأنباء كثيرا، وبسعادة غامرة، بأنباء توقف شحنات البترول السعودية من شركة «أرامكو» فى شحنة أكتوبر الحالي، وربطت بينها وبين الموقف الدبلوماسى المصرى من الأزمة السورية، على الرغم من أن شركة أرامكو نوهت فى أكثر من مناسبة إلى أن قرار وقف شحنة أكتوبر البترولية لا علاقة له بأى أسباب سياسية، وأيضا على الرغم من أن هناك حقيقة واضحة، وهى أن قرار «أرامكو» صدر قبل يومين كاملين من جلسة مجلس الأمن الدولى التى نُوقش فيها مشروعا القرار الفرنسى والروسي، واللذان وافقت عليهما مصر معا، ولم يتم إقرارهما فى المجلس. كما لم تهتم الوكالة بعد كل هذا ببث توضيح شركة أرامكو لاحقا بشأن استمرارها فى تسليم شحنات البترول التالية لمصر فى نوفمبر المقبل كالمعتاد، تأكيدا لعدم وجود دوافع سياسية وراء القرار الخاص بشحنة أكتوبر، والسبب فى ذلك أنه كان هناك إصرار من جانب الوكالة، وغيرها من وسائل الإعلام الغربية، على صب الزيت على النار بين مصر والسعودية، والمساهمة بدور فعال فى حرب الوقيعة بين وسائل الإعلام فى البلدين الشقيقين، خاصة أن الرياض هى الداعمة الأولى لمصر منذ ثورة 30 يونيو، وهو الموقف الذى أثار استياء الدول الغربية منذ بدايته، بسبب دور هذا الموقف فى تقوية الموقف السياسى المصرى بعد الإطاحة بحكم الإخوان. وكان هناك إصرار من جانب الوكالة نفسها على إظهار مصر فى صورة الدولة التى تستجدى قرض صندوق النقد الدولي، والتى لا تقوى على تنفيذ شروط الصندوق، حيث نشرت «رويترز» بتاريخ 7 أكتوبر الماضى تقريرا يتضمن تصريحات من مسعود أحمد مدير قسم شئون الشرق الأوسط فى صندوق النقد الدولى قال فيها إن برنامج القرض لمصر سيتضمن شروطا تشمل تقليل عجز الميزانية المصرية وإخضاع نظام سعر صرف الجنيه أكثر للسوق، وذلك لمحاولة تصوير مصر على أنها دولة ترضخ لشروط الصندوق من أجل إنقاذ وضعها المالى بأى صورة، علما بأن الصندوق نفسه هو الذى أشاد ببرنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى قبل أن يصوت على منح أى قرض للجانب المصري. وانضمت وكالة «أسوشيتدبرس» للأنباء بطبيعة الحال إلى «جوقة» الحديث عن انهيار الاقتصاد المصري، لعلمها أن هذه التقارير، سواء كانت مبنية على معلومات حقيقية أو مغلوطة، يتم «تدويرها» فى الأوساط الإعلامية والاقتصادية العالمية، وهو ما يحقق التأثير السلبى المطلوب على الاقتصاد المصري. فقد نشرت الوكالة الأمريكية خبرا يوم 4 أكتوبر الحالى بعنوان «مصر تثبت عملتها أمام الدولار قبيل الإصلاحات»، تحدثت فيه عن أزمة الدولار فى مصر. وعلى الرغم من أن الوكالة تحدثت عن أسباب أزمة الدولار، وقالت إن من بينها ضرب قطاع السياحة، فإنها لم تكلف خاطرها بالحديث عن الجهة المتسببة فى ضرب هذه الصناعة، خاصة أن هذه الجهة أو الجهات هى نفسها التى يدافع عنها الإعلام العالمى باستماتة، ويحاول إضفاء شرعية على جرائمها، تارة بوصفها بجماعات التمرد، وتارة بوصفها بالمعارضين، وتارة أخرى بوصفها بالنشطاء، وتارة رابعة بوصف الإجراءات المتخذة ضدها بالقمع، أى أن هذه الوسائل الإعلامية تتعامى بشكل عمدى عن وجود علاقة مؤكدة بين الجماعات التى تدافع عنها وتتعاطف معها وبين ضرب السياحة. وتحدثت الوكالة فى تقريرها نفسه عن أن احتياطيات النقد الأجنبى فى مصر آخذة فى النضوب بسبب المخاوف من الإرهاب وانخفاض قيمة تحويلات المصريين العاملين فى الخارج، غير أن الوكالة تجاهلت إعلان البنك المركزى «رسميا» قبل بضعة أسابيع عن ارتفاع احتياطى النقد الأجنبى لديه إلى أكثر من 19 مليار دولار. ونظرا لأن الهجوم على مصر كما سبق الذكر يتخذ شكلا دائريا، ما بين الإعلام الأجنبي، وما ينشر فى الإعلام الخاص فى مصر، وكذلك ما يتم بثه على مواقع التواصل الاجتماعى من شائعات، فإن شبكة «سي.إن.إن» الإخبارية الأمريكية اهتمت كثيرا بعرض الجدل المثار حول موضوع «الفكة» الذى تحدث عنه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أحد خطبه، وتناولت الأمر من وجهة نظر واحدة، هى وجهة النظر التهكمية من الاقتراح، ونقلت فى هذا الإطار مقالا لباحث اسمه أحمد عبد ربه دافع خلاله بقوة عن الانتقادات الموجهة إلى هذا الاقتراح، بدعوى أنه محاولة لفرض الديكتاتورية والرأى الواحد على الشعب، كما ادعى فقدان الحكم فى مصر للرؤية اللازمة لإدارة شئون البلاد، وذلك على الرغم من أن أحدا لم يفرض شيئا على أحد بهذا الاقتراح، كما لم يوضح لنا الباحث الرؤية الصائبة الأصلح لإدارة شئون البلاد من وجهة نظره فى ظل الحرب التى تواجهها من أعداء فى الداخل والخارج يحظون بدعم إعلامى وبحثى واسع النطاق. والطريف فى الأمر أن المتابعة الجيدة لوسائل الإعلام الغربية تؤكد لنا أنه لا توجد دولة تتعرض لهذا الهجوم والطعن بسبب أوضاعها الاقتصادية مثل مصر، وقد تزايد هذا الاتجاه فى الفترة الأخيرة مع تزايد الدعوات لتأليب الفقراء على الحكومة الحالية، بما يؤكد الدور المريب الذى يقوم به هذا الإعلام فى خدمة أعداء البلاد على جميع الأصعدة.