لأن الهدف واحد، وهو تقويض مؤسسات الدولة وتفكيك المجتمع والاستخفاف بأحكام القانون والقضاء، ركزت وسائل الإعلام الأجنبية طوال الأيام الماضية على قضية الصحافة في مصر من أكثر من جبهة، في نفس الوقت الذي واصلت فيه حملتها ضد قانون الجمعيات الأهلية الذي تم إقراره في البرلمان في انتصار كبير لإرادة الشعب المصري، والتي ستكتمل بالتأكيد مع صدور القوانين المنظمة للإعلام، والتي تحد من حالة التسيب والفوضى في العمل الإعلامى التي عانت منها مصر على مدى خمس سنوات على الأقل. فقد اهتمت شبكة «سي.إن.إن.» الإخبارية الأمريكية بالحديث عن أزمة نقابة الصحفيين، وتقديمها على أنها حرب على حرية الرأي في مصر، رغم أن هذا ليس سوى رأي طرف واحد من طرفي المشكلة، بل ولا يعبر عن رأي القطاع الأوسع من الجماعة الصحفية المصرية نفسها. وذكرت الشبكة الأمريكية في تقرير لها بتاريخ 19 نوفمبر أن نقيب الصحفيين يحيى قلاش شكك في دواعي صدور الحكم القضائي الأخير ضده بالسجن، وأعرب عن دهشته لما وصفه بقسوة الحكم، كما بثت الشبكة نفسها في ذات اليوم تقريرا بعنوان «البلشي وعبد الرحيم : حكم الحبس قاس .. ولن يلهينا عن القضايا الرئيسية في مصر»، حول استنكار الصحفيين خالد البلشي وجمال عبد الرحيم الحكم الصادر بحبسهما في القضية نفسها، بدعوى أن الحكم يستهدف الجماعة الصحفية والشعب المصري، وهو الأول من نوعه، بل وتحدثا عن تورط بعض شهود الزور في تلفيق الاتهامات ضدهما. وفي الوقت الذي تخلت فيه سي إن إن عن المهنية بعرضها جانبا واحدا من القضية، وامتناعها عن توضيح الأسباب الحقيقية للحكم في قضية نقيب الصحفيين، وما إذا كانت بالفعل قضية رأي، أم قضية جنائية، فإن هذه اللامهنية كانت السمة المميزة لمختلف وسائل الإعلام الغربية التي تناولت القضية نفسها، على الرغم من أن هذه الوسائل الإعلامية نفسها هي التي التزمت الصمت على إجراءات السلطات التركية القمعية ضد كبار الصحفيين هناك، لمجرد الخلاف في الرأي، وليس لأسباب جنائية على الإطلاق، كما أن هذه الوسائل العريقة هي التي سجلت فشلها الذريع في استطلاع الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي وفي الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بعد أن أخفقت بأساليب ملتوية في توجيه الرأي العام في بريطانياوالولاياتالمتحدة نحو اختيار معين، وجاء سقوطها مروعا في الاستحقاقين الانتخابيين، ومع ذلك، فما زالت قضية حرية الصحافة والإعلام في مصر هي الشغل الشاغل لها حتى يومنا هذا، وسيظل الوضع كذلك حتى صدور قوانين الإعلام الجديدة! واتساقا مع هذا التوجه، أبرزت وكالة «رويترز» للأنباء في تقرير بثته يوم 19 نوفمبر خبرا لا يستحق البث من الأساس بعنوان «نقابة الصحفيين التونسيين تطالب بنقل مقر اتحاد الصحفيين العرب من مصر»، حول تهديد النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في بيان لها بالتقدم بطلب عاجل لاتحاد الصحفيين العرب لبحث إمكانية نقل مقره من القاهرة بعد الحكم القضائي ضد نقيب الصحفيين واثنين من مسئولي النقابة!، كما كان من الطبيعي أن تبث الوكالة نفسها بيان منظمة العفو الدولية المتربصة بمصر دائما، والذي تدين فيه الحكم القضائي ضد نقيب الصحفيين المصريين، وتصفه بأنه يدشن مرحلة جديدة في حملة القمع التي تستهدف وسائل الإعلام وحرية التعبير. كما ذكرت الوكالة نفسها في تعليقها أن الحكم القضائي يأتي في إطار المساعي التي تبذلها السلطات المصرية لإخراس الأصوات المنشقة المعارضة للرئيس السيسي في وقت يتدهور فيه الوضع الاقتصادي، دون أن توضح الوكالة بصدق ما إذا كان هذا التدهور الاقتصادي مرجعه سياسات خاطئة من الحكومة المصرية أم حربا ضروسا تشن من الخارج وتدعم الإرهاب وهي التي تسببت في تدمير صناعة السياحة وإشعال أزمة ارتفاع أسعار الدولار. كما اهتمت هيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي.» بالموضوع نفسه، وبثت الخبر يوم 19 نوفمبر، وأتبعته بعرض تقرير يوم 20 من الشهر نفسه بعنوان «كيف يقيمون حرية الصحافة في مصر»، حول تنديد صحفيين مصريين – تم انتقاؤهم بعناية بالطبع – من بينهم عزت القمحاوي بالحكم الصادر ضد مسئولي النقابة الثلاثة، باعتباره يعكس عداء النظام لحرية الصحافة، على حد تعبيرها. أما وكالة أسوشيتدبرس للأنباء فقد اهتمت بخبر بعنوان «مصر تمنع مقدم برامج تليفزيونية من السفر بعد الانتقادات التي تعرضه لها عقب بث حواره الشهير مع سائق التوك توك الذي انتقد فيه الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وذلك في تقرير بثته الوكالة بتاريخ 24 نوفمبر، ووصفته بأنه من بين التحركات التي تتخذها السلطات المصرية لكبح جماح الحريات! كما أبرزت الوكالة نفسها في تقرير بثته يوم 23 نوفمبر خبرا بعنوان «اللجنة الدولية لحماية الصحفيين تكرم صحفيين من الهند والسلفادور وتركيا ومصر»، تحدثت فيه عن منح جائزة غيابيا للمصور المصري المسجون أبو زيد، والذي يعرف باسم «شوكان»، والذي تم سجنه منذ يوم 14 أغسطس 2013، وهو متهم بحيازة أسلحة والتجمهر غير القانوني والقتل العمد ومحاولة القتل، وذلك لالتزامه «بالصحافة الحرة» على الرغم من «التهديدات بالقتل والسجن والنفي»، أو هكذا قالت لجنة الجائزة! وتعاملت أسوشييتدبرس مع قضية نقابة الصحفيين على النهج ذاته، وتمادت في ذلك بقولها في تقرير بثته يوم 19 نوفمبر إن «الإجراءات المشددة التي تستهدف حرية الصحافة وحرية التعبير قد ازدادت صرامة في عهد الرئيس السيسي وتم منع الكثير من الصحفيين ومقدمي البرامج التليفزيونية أو ترحيلهم أو إلغاء برامجهم، في الوقت الذي يتم فيه القبض على مراسلين وصحفيين ومحاكمتهم لصلاتهم المزعومة بإسلاميين»، زاعمة أن السيسي لا يتسامح مع الانتقادات الموجهة إليه في الصحافة، متناسية أن معظم الصحفيين الذين تحدثت عنهم الوكالة يحاكمون أمام القضاء المصري الذي يحاكم رئيسين سابقين، وأن معظمهم أيضا يعملون في وسائل إعلام خاصة قراراتها تخضع لمجالس إداراتها ولمالكيها، وليس للدولة! ولكي يزيد الطين بلة، فقد اهتمت الوكالة نفسها بخبر الحكم القضائي الصادر بالسجن ثلاثة أعوام على محمد ناصر ومعتز مطر وهشام عبد الله مقدمي البرامج التليفزيونية بتهمة نشر الأخبار الكاذبة وتكدير السلم العام وتأجيج الفتنة الطائفية، ووصفتهم بأنهم من المنتقدين الأشداء للسيسي، ونسيت الوكالة على ما يبدو أن الاتهامات نفسها تخضع لعقوبات أشد في الولاياتالمتحدة وفي بريطانيا وفي فرنسا التي لا يمكن السماح لأي إعلامي أو شخص عادي بالتحريض على العنف أو نشر الأخبار الكاذبة أو التحدث باسم جماعة إرهابية كتنظيم القاعدة مثلا، عبر وسائل الإعلام!!